حرفي في كوباني يحتفظ بتحف تراثية ويصنع الحلي الشعبية
فتاح عيسى– كوباني
يعكف محي الدين شامليان على تفحّص القطع التراثية في محله بكوباني، شمالي سوريا، ويقدّر قيمتها المادية والاجتماعية والتاريخية، إلى جانب عمله في صناعة الحلي التراثية.
وتضم المجموعة المعروضة آلاف القطع من الحلي المصنوعة من الفضة والأحجار النادرة، بالإضافة لأدوات قديمة لأغراض الطعام والإنارة والأعمال.
التحف هنا مخصصة للعرض فقط، بينما تكون المسابح والحلي المصنوعة للبيع بأسعار متفاوتة بحسب سعر المواد الخام.
وورث شامليان هذه الكنوز من أبيه وجده أو جمعها من السكان المحليين أو صنعها من المواد الخام التي كان الحرفيون يستخدمونها قديماً.
مهنة متوارثة
ومحي الدين حج محمود شامليان من مواليد كوباني عام 1970، كان جده أحد تلامذة الشيخ سعيد النورسي الكردي في أورفا (1877- 1960م)، قبل أن ينتقل إلى العاصمة السورية دمشق.
وانتقلت العائلة إلى كوباني حيث دعا السكان العائلة بـ”شامليان” نسبة إلى الشام التي قدمت منها.
وأخذت الأب حوالي العام 1918 م حرفة العمل في الحلي والفضيات والأحجار النادرة من سكان أرمن، وواكب الأبناء فيما بعد تطور أدواتها وتقنياتها والمعادن والمواد المستخدمة فيها.
وكان العمل قديماً يعتمد على المطارق والأدوات اليدوية البدائية، لكن خلال الفترة الثانية من تواجد العائلة في العاصمة دمشق، ما بين العامين 1988 و2000، تعرف محي الدين على أدوات قص وصقل ولحام حديثة.
وتتفاوت القطع التراثية المتوفرة في قدمها، فبعضها موجودة للعرض فقط وليس للبيع، لأن مالكها يرى قيمتها التاريخية التي تجعلها ثروة وليس قطع للزينة أو التفاخر.
يقول شامليان، لنورث برس، إن كوباني وشمالي سوريا عموماً عرفت بعض هذه القطع أول مرة زمن السومريين والآشوريين والرومان، كما يعود تاريخ صناعة بعضها للعصور الإسلامية.
ويشير إلى لوحة تمثل قصة “مم وزين” التراثية الكردية، وقد تم ترصيعها يدوياً بالفضة والمرجان، ثم أدوات حرب معدنية وأوان حجرية وقرميدية وزجاجية مصنوعة قبل مئات السنين.
وتجد بين محتويات المحل أسلحة قديمة كالسيوف والخناجر، أو قيوداً يرى جامعها أنها شاهدة على الكثير من عذابات البشر في هذه المنطقة، “فليس كل ما في التاريخ والتراث للزينة والفرح”.
أسعار مختلفة
ويعتمد محي الدين حالياً في صناعة الحلي التراثية للزي الشعبي الكردي على معدني الفضة والأنتيمون، بالإضافة لقطع من حجارة زينة نادرة وأخرى محلية.
وخصصت العائلة محلاً آخر في كوباني لبيع الحلي الفضية الحديثة التي لم يتغير سعرها منذ عقود (ما بين دولار ونصف ودولارين أميركيين للغرام الواحد)، والتي أقبل السكان عليها لتبادلها كهدايا بعد ارتفاع أسعار الذهب.
ولجأ شامليان للاعتماد على معدن الأنتيمون المشابه للفضة بهدف توفير حلي من التراث الكردي مقبول السعر، فالتاج الفضي للزي التراثي للنساء يكلّف 1000 دولار، بينما يمكن صنعه من الأنتيمون بما بين 30 و40 دولاراً.
كما تبلغ تكلفة أحد أنواع حزام الزينة الفضية 1000 دولار، بينما لا يتجاوز سعره مصنوعاً من الأنتيمون 50 دولاراً.
ويبقى تحديد سعر الخواتم القديمة بحسب الحجر النار المستخدم مع الفضة، فقد يكون ثمن الفضة المستخدمة لا يتجاوز عشرة دولارات بينما ثمن القطعة الحجرية 100 دولار وقد تصل لـ 1500 دولار.
أما المسابح، فيفضل الحرفي الاعتماد على مادة المسك لصناعتها بدل مادة العنبر غالية السعر، بالإضافة لمسابح أخرى معروضة تضم مواد عظمية وأحجاراً ثمينة.
ويذكر أن أعلى سعر لمسبحة باعها هنا في كوباني كان سبعة آلاف دولار، بينما شهد بنفسه على بيع واحدة بقيمة 100 ألف دولار أميركي.
“ليست خردة”
يدرك شامليان قيمة التحف التي يحتفظ بها، وينبه العائلات إلى ما قد تحتويه منازلهم من تحف قيّمة يعتبرها البعض خردة لا تنفع لشيء.
ويشير إلى أحد جيرانه الذي أهداه والده مسبحة في شبابه ليشغل أصابعه بها على أمل أن تعينه على الكف عن التدخين، ” ثمنها الآن حوالي 15000 دولار أميركي”.
رغم ذلك، تعد المنطقة غنية بتراثها، فالزي الشعبي الكردي يعد الأغنى عالمياً من حيث عدد القطع المختلفة التي يضمها، إلى جانب قطع معدنية خاصة به.
وأكثر ما يباع في كوباني، هي الحلي التي تلبسها النساء مع الزي الكردي كأحزمة وتيجان (كمبر وإيجقور ورشمه)، “معنوياً القطع التراثية من هذه الأنواع لا تقدر بثمن”.
ويمتلك شامليان أدوات وأجهزة صنع خرزات المسابح من المواد الخام المستوردة، والتي هي في الأصل مفرزات أشجار تحجرت خلال عصور طويلة.
كما يدعو السكان لعدم تصديق الخرافات حول روحانية الأحجار النادرة وغيرها لمجرد شكلها، فقيمتها للزينة وثمنها وليس لها علاقة بالشعوذة والقدرات الخارقة.
يخرج الحرفي أحجاراً محلية التقطها من ضفاف نهر الفرات القريب، ويقول إنه صقلها بيده، لكنه سمع أقاويل عن أنها تدر حليب الأمهات أو تجلب الرزق والحظ.
ويرى أن على الناس أن يدركوا أن هذه الحجارة لا بقدر الإنسان ومصيره، وألا يصدقوا معتقدات أخرى ليس لها أساس من الصحة.