مقابل أجور زهيدة.. نساء في القامشلي تعملن لساعاتٍ طويلة ولا قوانين تحميهن
أفين يوسف- القامشلي
تقصد “منى علي” (اسم مستعار)، عملها في السابعة صباحاً، وتعمل في تحميل البضائع (العتالة) لصالح إحدى شركات المواد الغذائية في القامشلي.
ومنى فتاة من بلدة “ذبانة” جنوب القامشلي تبلغ من العمر (16) عاماً، وهي طالبة في الصف العاشر. تعمل لتأمين المال اللازم لدفع تكاليف دوراتها التعليمية، مقابل أجر يومي قدره 30 ألف ليرة سورية.
ولأن والدها بالكاد يؤمن مصاريف المعيشة اليومية، تقول “علي” لنورث برس: “أنا في الصف العاشر الفرع العلمي، وثمن الدورات الخاصة بهذا الفرع باهظ جداً، لذلك اضطر للعمل لأستطيع دفع تكاليفها”.
وتتأسف الفتاة لأن أخاها الوحيد ما زال صغيراً، وتقول بأسى: “نحن خمسة بنات وصبي، لو كان أخي شاباً كبيراً لساعد والدي، ولما اضطرت للعمل، لكنه مازال صغيراً”.
ولأنها اعتادت على أن تكون طالبة تذهب إلى المدرسة وتعود إلى البيت فقط، تعاني “علي” من التعب الجسدي والنفسي، فهي تواجه صعوبات في التكيّف مع أجواء العمل والضغوطات التي ترافقه.
وتضيف لنورث برس: “لست مرتاحة في العمل ولا في المدرسة، فعندما أذهب إلى المدرسة أشعر بأنني لا أستوعب الدروس، فقدت تركيزي بسبب العمل، وهو يؤثر على مستواي الدراسي”.
وتعتقد “علي” أنه “ليس على الفتيات العمل”، وتشدد على أنهن “يجب أن يكملن دراستهن”.
وقت عمل طويل
وتعمل فتيات ونساء في مدينة القامشلي لساعات طويلة تتراوح ما بين 10- 12 ساعة يومياً مقابل أجور قليلة جداً، في ظل غياب القوانين التي تحمي حقوق النساء العاملات في القطاع الخاص.
وتضطر النساء للعمل في أعمال لا تتناسب مع بنيتهن الجسدية، كتحميل البضائع بسبب تدني المستوى المعيشي وتردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
وتشكو النساء العاملات بمدينة القامشلي من قلة الأجور وطول ساعات العمل، وتعملن في الشركات التجارية والمستودعات والمطاعم والمنازل، بأجرة يومية تتراوح بين 16 إلى 30 ألف ليرة سورية مقابل 10إلى 12 ساعة دوام يومياً.
وتعمل “أم علي” (اسم مستعار) منذ سبع سنوات في شركة للمواد الغذائية، تقول لنورث برس: “لا توجد عقود بيننا وبين الشركة، نتقاضى الأجرة باليومية، وفي حال تغيبت إحدانا عن العمل لأي سبب فإن ذلك اليوم لا يحسب”.
وتضيف، بأنه في حال حصول إصابات ضمن العمل فإن الشركة تتكفل بمصاريف العلاج.
وفي 31 كانون الثاني/ يناير الفائت، أثارت عدد من المنظمات النسوية موضوع “الحماية القانونية للمرأة العاملة في القطاع الخاص” خلال منتدى عُقد في القامشلي، شاركت فيه عدد من النساء العاملات، إضافة إلى حقوقيات وممثلات عن مؤسسات الإدارة الذاتية.
وكانت عمشة علي طه (44 عاماً) ضمن النساء العاملات اللاتي شاركن في المنتدى لمناقشة معاناتها.
وتعمل “طه” كمدبرة منزل لدى عائلة مقابل 250 ألف ليرة سورية في الشهر. وهي مطلقة من مدينة الرقة، مقيمة في القامشلي، ولديها سبعة أطفال، وهي المعيلة الوحيدة لهم.
تحاول الأم تأمين مصاريف أولادها، وتقول لنورث برس: “الحمد لله رب العالمين، أنا أجهد في العمل في سبيل تأمين لقمة العيش، وأمّن لي رب العمل منزلاً لأسكن فيه مع أولادي، لذلك يقول بأنه لا يستطيع زيادة الراتب”.
ومنذ سنوات تعاني مناطق شمال شرقي سوريا من أزمة اقتصادية بسبب الهجمات التركية المتكررة على المنطقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار البضائع بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية.
وتعمل “طه” خلال عطلتها يوم الجمعة، في تعزيل البيوت وغسل السجاد، كما أنها تعمل بدوام مسائي في مطعم للفلافل.
كما تعاني المرأة الأربعينية من آلام شديدة في الظهر بسبب الجهود التي تبذلها لتأمين لقمة العيش، ما أجبرها على ترك العمل المسائي مؤقتاً لحين شفائها.
لا حماية قانونية
ونظمت الإدارة الذاتية منذ تأسيسها عدة قوانين للحفاظ على حقوق المرأة العاملة، وتجلى ذلك من خلال نظام الرئاسة المشتركة الذي يتيح للمرأة المشاركة في اتخاذ القرارات، إضافة إلى المساواة في الأجور وساعات العمل، وتمثيلها في المجلس التشريعي بنسبة 40%، وعدة بنود أخرى في العقد الاجتماعي.
وتشدد الإدارية في هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل، نرجس محمود يوسف، على ضرورة وجود قوانين خاصة بنظام أي مؤسسة، يوضح من خلاله حقوق وواجبات الموظف أو العامل.
وتقول لنورث برس: “يمكننا اعتبار حقوق المرأة مصانة نوعاً ما في مؤسسات الإدارة الذاتية، إذا استثنيا بعض الأعمال التي تحتاج إلى المؤهلات والخبرات أو الاختصاص”.
وفي القطاع الخاص يلاحظ غياب القوانين الخاصة بحماية حقوق المرأة العاملة، وهو خارج صلاحيات هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل، فيما يُعتبر العاملون والعاملات في القطاع الخاص مرتبطين باتحاد العمال (الكادحين).
ومنذ تأسيس اتحاد العمال، في شمال شرقي سوريا، “لم يعمل الاتحاد على تطوير قوانين خاصة بالمرأة تحافظ على حقوقها في القطاع الخاص مثل المساواة في الأجور وتحديد ساعات العمل وعدم الاستغلال وغير ذلك”، بحسب “يوسف”.
كما لم يؤخذ بعين الاعتبار الجانب الصحي، وتعتقد الإدارية أنه “يجب أن يكون العمل مناسباً للمرأة إن كان من ناحية الجهد العضلي والتركيبة الفيزيائية لجسم المرأة”.
وشهدت المنطقة بعد بدء الحرب السورية، انفتاحاً ملحوظاً خاصة بما يتعلق بقضايا المرأة، وانخرطت العديد من النساء في قطاع العمل، لكن دون الالتفات إلى القوانين أو الأنظمة الداخلية للمؤسسات.
وتجزم “يوسف” بأن المرأة عندما تدخل قطاع العمل “لا تسأل عن القوانين التي تحميها”، لذلك يسهل على رب العمل الاستغناء عنها دون رادع.
وكل ما يشغل بالها هو معاناتها ووضعها المعيشي المتردي، وكيفية تأمين مستلزمات الحياة لأطفالها.
وتشدد الإدارية على ضرورة وجود قوانين خاصة لحماية حقوق المرأة العاملة في القطاع الخاص، إضافةً إلى توعية المرأة ورب العمل بتلك القوانين، ليعرف كلاهما حقوقه وواجباته.