هل توضع النتاجات الأدبية في شمال شرقي سوريا تحت مجهر النقد والتقييم؟
أفين يوسف ـ القامشلي
يرى كتاب ونقاد في الجزيرة السورية، أن النقد الأدبي شبه معدوم في شمال شرقي سوريا، وأنه من الضروري وضع النتاجات الإبداعية تحت المجهر، وتقييم الكتب الأدبية والفكرية وغيرها بعد صدورها لاستخراج الجيد منها من الرديء.
ويَطبع معظم الكتاب والشعراء في شمال شرقي سوريا، نتاجاتهم عن طريق المؤسسات الثقافية واتحادات الكتاب والمثقفين، التي تقوم بتوجيه تلك النتاجات لديوان الأدب في المنطقة، لتقييمها عبر لجان التقييم المختصة ومن ثم إرسالها للطباعة في حال قبولها.
تقول الإدارية في ديوان الأدب لشمال شرقي سوريا، بوتان هوشي، لنورث برس: “يتم تقديم النتاجات الأدبية من خلال المؤسسات والاتحادات الثقافية في المنطقة، إضافة إلى الأكاديميات والمؤسسات الأخرى للطباعة باللغتين العربية والكردية”.
وتوضح، “يتم تقييم عن طريق عدة لجان وكل لجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل ومختصة بإحدى الأجناس الأدبية كالشعر والرواية أو القصة، كما يتم تقييم الكتب الفلسفية أو الدينية أو البحثية والتاريخية وغيرها من قبل مختصين بتلك المجالات”.
وتشدد “هوشي” على أن الكتب تقدم للجان التقييم دون ذكر اسم الكاتب لضمان حيادية اللجنة ونزاهتها.
ويتم طباعة الكتب عن طريق دار شلير للطباعة والنشر حصراً، باعتبارها المطبعة الرسمية في الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرقي سوريا. بحسب “هوشي”.
75% من الكتب غير إبداعية
يقول الكاتب عباس موسى، لنورث برس، إن “الحركة النقدية في مناطقنا شبه معدومة، يتم طباعة عشرات الكتب سنوياً ورغم أنها ليست أعداداً كبيرة إلا أن هذه الكتب لا يتم تقييمها أو قراءتها من قبل مختصين، وتقتصر القراءات على الانطباعات الأولية أو ما يسمى بالنقد الانطباعي للقارئ العادي”.
فيما يشدد الكاتب والناقد خالص مسور، على أن “المؤسسات الثقافية ودور النشر يجب أن تتبع معاييراً خاصة لقبول النتاجات الأدبية، وأن يكون النتاج على سوية عالية جداً”.
ويعتبر “مسوّر” أنه رغم وجود قامات جيدة إلا أن “75% من النتاجات المحلية هي كتابات عادية لا ترقى للمستوى الإبداعي”، وأن عدداً قليلاً جداً من الشعراء مثلاً “يمتلكون الموهبة”، وتتميز قصائدهم بالصور الشعرية التي تلفت نظر القراء.
وتوضح الإدارية في ديوان الأدب، بأنه “لا يتم رفض الكتب بشكل قاطع” لكن يتم تقييم الكتاب والإشارة إلى النواقص ونقاط الضعف فيه من خلال تقرير كتابي، ليقوم الكاتب بتعديل الكتاب والعمل على تصحيحه وفق التقييم، وفي حال عدم إمكانية التصحيح يتم رفض الكتاب.
وتشدد على أن ديوان الأدب يتبع معايير أساسية منها: عدم التحريض على الكراهية والنعرات الدينية والطائفية، وعدم المساس بالمفاهيم المجتمعية أو الثقافات المختلفة، وعدم التحريض على العنف ضد المرأة أو الأقليات العرقية والدينية والتقليل من شأنها. بالإضافة إلى ضرورة ذكر المصادر والمراجع بالنسبة للكتب التاريخية والبحثية والعلمية وعدم تحريفها.
غياب الحركة النقدية
يقول الكاتب عباس موسى: “لا يمكن للمنتج الأدبي أن يتطور أو ينتشر أو يتم قراءته وتقييمه ما لم يكن هنالك حركة نقدية، لأن النقد مرتبط بشكل مباشر بالمنتج الأدبي أو الفكري أو أي نوع من أنواع الكتابة”.
ويشدد “موسى” في حديثه على ضرورة وجود “حركة نقدية أكبر”، ويشير إلى وجود محاولاتٍ فردية لبعض الشباب المهتمين بالأدب لنشر ثقافة النقد الأدبي من خلال تنظيم جلسات نقاش للكتب المحلية الصادرة حديثاً، حيث يتم تقييم العمل الأدبي من قبل المهتمين وبحضور كاتبها.
ومؤخراً، بدأت بعض المؤسسات والاتحادات الثقافية بإقامة جلسات أدبية بشكل منتظم تدار من قبل كتّاب أو قراء بهدف تعزيز ثقافة النقد في المنطقة، ولاقت تلك الجلسات استحسان الكثير من الكتاب والمهتمين بالمطالعة.
يعتبر “موسى” تلك الجلسات “غير كافية” ويصفها بأنها “لا تسد مكان النقد الأكاديمي بأي شكل من الأشكال”، ويشدد على أن المنطقة “بحاجة للنقد الأكاديمي، وأن تكون حركة النقد رديفة للنتاجات الأدبية”.
فيما يصف الكاتب والناقد، عبد الوهاب بيراني، المشهد الأدبي في المنطقة بـ “المخيف”، وأن هناك أزمة ثقافية لا يمكن الخروج منها بسهولة، خاصة مع انحسار القراء، وأن النقد بمهامه الرصينة فقد الكثير من أدواره.
ويقول لنورث برس: “باتت الكتابات تسرح وتمرح، وسط لا مبالاة بقواعد اللغة، أو الالتزام بشروط الكتابة الإبداعية، فالقليل مما نجده من المطبوعات يستحق الالتفات إليه وتناوله بالنقد والدراسة الأدبية”.
ويوضح “بيراني”، أن “غياب النقد الرصين هو ليس غياباً من قبل النقاد، وإنما هو غياب للمادة الإبداعية، وهو غيابٌ جعل باب الكتابة مفتوحاً ومتاحاً لكل من هب ودب”.
ويشدد على أن وسائل الإعلام يمكن أن تحد من ظاهرة العشوائية الأدبية من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية واستضافة النقاد لتقييم الحالة الأدبية والاحتفاء بدور النقد في العملية الأدبية”.
ويضيف، أنه يجب على المؤسسات الثقافية دعم جهود النقد من خلال المهرجانات الأدبية لما لذلك من أهمية قصوى في دعم الأقلام النقدية التي هي أيضاً تعاني من دخول “مدعين وأشباه نقاد إلى عالم النقد”.
ويقول الكاتب: “للأسف لا يوجد أي مسعى حقيقي لتعزيز دور النقد، والتي كان ينبغي للأكاديميات وأقسام الأدب أن تعمل على إعادة دور النقد في تلقي المادة الأدبية، كما لم تلعب مهرجانات القصة والشعر أو المسرح على إنصاف النقاد إلا نادراً”.
ويشير، إلى أن الاتحادات الثقافية والأدبية الموجودة على الساحة ساهمت إلى حد ما في بقاء النقد، ولكنها تتحمل المسؤولية في عمليات التغييب للنقاد وتهميشهم من خلال عدم تخصيص جائزة للنقاد.
كما يشدد على أن هناك غياباً لدراسة النقد في المناهج الدراسية، وانعدام شبه كلي للدراسات النقدية في الأدب المقارن، أو أدب الترجمة وغيرهما.
ويشير إلى أن هناك عدداً لا يستهان به من النقاد سواء في الداخل أو الخارج، ورغم وجود العلاقات الخاصة بينهم، إلا أنه لا توجد رابطة تنسيقية بينهم، وأنه من الضروري وجود منصة أو رابطة للنقاد للتصدي للمشهد الأدبي والتفاعل مع النتاجات الأدبية في المنطقة.
من جانبه يرى الكاتب والناقد، خالص مسور، أن غياب النقد الأدبي في المنطقة مرتبط بخشية الكتاب والشعراء من النقد لأنه يميز بين الجيد والرديء، ويستخرج الصالح من الطالح.
ويقول لنورث برس: “نحن متخلفون عن الدول الأخرى من الناحية الأدبية، ولم يتخطَّ الأدباء حدود المحلية في المطالعة، ويجب عليهم قراءة ومطالعة النتاجات العربية والإقليمية والعالمية، إضافة إلى الكتب المحلية، والمقارنة بينها”.
ويرجع ذلك التخلف إلى أن الكتّاب “لا يهتمون بتطوير أنفسهم”، وأن الكثير من الناس بمجرد أن يتقنوا قواعد اللغة العربية أو الكردية فإنهم يبدؤون بكتابة الشعر، ظناً منهم أن قواعد اللغة تكفي للكتابة الابداعية.
ويشدد “مسوّر” على أن الشعراء والأدباء يجب أن يستفيدوا من النقد لتحسين نتاجاتهم الأدبية، كما أن المطلوب من الناقد أن يكون منصفاً، ويقول: “على الناقد أن يكون متجرداً من العواطف الشخصية في تقييم النتاج الأدبي”.
إضافة إلى أن الناقد يجب أن يعتمد على أدوات النقد الأدبي ومناهجه بكل أنواعه، إن كان المنهج الانطباعي أو الفلسفي أو التفكيكي أو البنيوي وغيره، وأنه يجب على الناقد اعتماد منهج من هذه المناهج، وتوضيح نقاط الضعف في النتاج الأدبي ونقاط القوة أيضاً.
ويقول: “يجب أن تكون اللغة الأدبية قوية ومعززة بالصور والخيال الأدبي، كون الكتابة عمل إبداعي لا يتقنها إلا من يمتلك القدرة على التفكير والتعبير خارج المألوف”.
وسائل التواصل الاجتماعي “منبر التهليل”
ويشير “بيراني” إلى أن الجيل الحالي يفقد ذائقته الأدبية، ويتحول تدريجياً إلى “قارئ سطحي يشبع فضوله المعرفي بقراءات ضحلة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويضيف: “غياب النقد هو انتقاص من حق الكاتب المبدع ومن حق المتلقي، إذ يتحمل النقد مسؤولية أخلاقية في تردي المستوى الأدبي”.
ويعتقد “بيراني” أن ظهور “الكتابات الفيسبوكية” وظهور حالة نقدية موازية من المتابعين، وهو “نقد ممسوخ ومشوه”، لا يمتلك شيئاً من أدوات النقد، إضافة إلى اضمحلال الصحافة الأدبية المتخصصة، وبالتالي غياب المساحة النقدية المستقلة.
ويشدد، على أن حالة النشر الالكتروني تستلزم آليات نقدية جديدة، وأن أزمة القراءة تحدٍّ بارز يترك أثره على مجمل الأدب وليس على الجانب النقدي وحده. ويشير إلى أن هناك تحديات تتعلق بالرقابة والإعلام.
ويشير “بيراني” إلى أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة “لأشباه الكتّاب والمدّعين”، وبالتالي ظهور كتابات لا علاقة لها بالأجناس الأدبية.
ويأسف لما وصفه بـ” التهليل الأهوج” من قبل المتابعين، والذين لا علاقة لهم بالنقد الأدبي.
ويشدد “بيراني” على أن “النتاجات الكتابية المطبوعة ليست بالضرورة أن تكون ذات مستوى مقبول إبداعياً، كما أنه ليس من الإنصاف نعت َكل الكتابات الفيسبوكية بالرداءة”.
ويشير إلى أن هناك كتابات جادة ورصينة وتمتلك الشروط الحقيقية للكتابة، وأنه إزاء هذه الحالة لابد من المجابهة ومواصلة الاهتمام ومتابعة الأقلام والكتابات الجادة، وخلق آلية نقدية مرنة تعتمد على النشر الإلكتروني في غياب المساحات النقدية في الصحافة الأدبية التي تعاني من انكماش حقيقي.