عام على الزلزال: الفرص السورية الضائعة من جديد

خلال حدث الزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية وعلى مساحة ربع البلاد تقريباً، حاولت مختلف الجهات السورية المحلية، وكل جهة قدر استطاعتها وقدرتها، تقديم ما لديها من إمكانات ومواد إغاثية لعلها تساهم في التخفيف من وقع الكارثة على السوريين، ورغم هول الكارثة التي أودت بحياة قرابة عشرة آلاف سوري وسورية بين تركيا وسوريا، إلا أنّ السياسة والتخندق السياسي كانا حاضرين في مسألة قبول المساعدات ورفضها، وبالتالي تكريس القطيعة المستمرة بين السوريين وتفويت فرصة ذهبية كان يمكن البناء عليها في فتح حوار حقيقي بين القوى الفاعلة على أرضية جديدة قد تكون منطلقاً للخلاص السوري من كارثة سياسية مستمرة منذ عقد فأكثر.

ما يزعج أن الفاعلين في البلاد تناسوا الحدث الجلل وذهبوا باتجاه الاستثمار فيه وتحويله إلى منصة للتجاذبات واستعراض القوة وتفويت فرصة إعادة ربط السوريين ببعض على وقع التضامن اﻹنساني في مثل هكذا مناسبة مؤلمة.

هذا الاستعراض للقوة كان واضحاً في رفض المساعدات التي قدمتها اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سواء في جانبها الرسمي أو في جانبها الشعبي، العربي والكردي، لمناطق المعارضة شمال غرب البلاد، وفي رفض موازٍ أعلنته دمشق إن هي لم تتمكن من إدارة المساعدات المقدمة من اﻹدارة الذاتية وتوزيعها حسب رؤيتها.

وفي وقت لم تكن فيه الأضرار في شمال شرق البلاد كبيرة، فإن الإدارة الذاتية اقترحت تحويل مناطق سيطرتها لتكون معابراً لنقل المساعدات إلى الأجزاء الأخرى من البلاد، وجهزت عدة قوافل للوصول إلى مناطق سيطرة دمشق عبر معبر التايهة، الذي يصل مناطقها بمناطق حلب، ومعبر أم جلود الذي يصلها مع جرابلس الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، ولكن هذه القوافل بقيت عالقة على تلك المعابر لعدة أيام، ووفق ناشطين فإنّ الحكومة السورية أوقفت القافلة الأولى، التي نظمها الهلال الأحمر الكردي، واشترطت تسليم نصف الإمدادات إلى الهلال الأحمر العربي السوري، الذي يعمل تحت إمرتها.

في العاشر من شباط/فبراير، أوقفت دمشق قافلة ثانية أيضاً عند معبر التايهة، نظمتها الإدارة الذاتية، مؤلفة من مئة شاحنة وقود وشاحنتيّ مواد غذائية ومعدات طبية تبرعت بها عدة منظمات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية موجهة لمنكوبي حلب.

أما ما يسمّى “الحكومة السورية المؤقتة” المدعومة من أنقرة فقد رفضت إدخال مساعدات اﻹدارة الذاتية معتبرةً أن قسد “تستثمر بآلام السوريين لتحقيق مكاسب سياسية تظهر فيها بالمظهر الحسن”، كما جاء على لسان رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، في 9 شباط/فبراير. في وقت أشارت فيه تصريحات إلى أنّ “القائمين على المعبر من الفصائل المدعومة من تركيا لا قرار لهم في هذا السياق، ويخشون أن تؤدي موافقتهم على دخولها إلى تصفيتهم من قبل المخابرات التركية أو اعتقالهم”. كما نقل عن مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن.

وفي رفض مبطن للمساعدة من اﻹدارة الذاتية قبلت الحكومة المؤقتة في 12 شباط/ فبراير دخول شاحنات المساعدة المقدّمة من قبل “الأهالي والعشائر في المناطق الشرقية”، في تلميح إلى السماح بدخول القوافل عبر خطوط التماس، ما لم تأتِ كمساعدات رسمية من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.  

في 13 شباط/فبراير تمكنت قافلة مساعدات مقدمة من منظمة طبية دولية، وأخرى من منظمات مجتمع مدني في شمال شرق سوريا من الوصول أخيراً إلى مناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي، عبر معبر أم جلود. أعطى دخول القافلتين من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق المعارضة بارقة أمل للسماح بدخول شحنات مساعدة أخرى مُرسلة من قبل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في الأيام والأسابيع المقبلة. وفي وقت لاحق تمكنت بعض القوافل من الوصول أيضاً إلى مناطق سيطرة دمشق.

من الواضح وعبر عام كامل من حدث الزلزال، أنّ القوى السورية بمختلف جهاتها لم تنظر إلى الكارثة على أنها فرصة إنسانية قبل أن تكون سياسية للبناء عليها، وفي حين أنّ مسألة شرعية الدولة السورية أو قدرتها المركزية على فرض سيطرتها على جغرافيا البلاد الكاملة كانت حاضرة في تفكير دمشق من خلال اﻹصرار على عدم فتح معابر إلا بموافقتها، وحتى الاستفادة من أي تحرك أو حراك وصبّه في مصلحتها بغض النظر عن ثقل الكارثة وضرورة الاستعجال في الحصول على المساعدات المحلية قبل الدولية، فإنّ مناطق المعارضة خضعت بالكامل للتفكير التركي الرافض بالمطلق للتعامل مع اﻹدارة الذاتية وقبول تفكير آخر يتعاطى مع المكوّن العربي لوحده في تلك المنطقة من الباب العشائري، وهذا التفكير أيضاً يصب في خانة الرفض للتواصل مع المكونات السورية اﻷخرى وإقصائها عن الخارطة.

كان يمكن لدمشق إنشاء لجان ثنائية أو ثلاثية للتنسيق مع اﻹدارة الذاتية للحصول على المساعدات وتوزيعها بشكل مشترك، وهو أمر كان يمكنه فتح بوابات أوسع للتخفيف من ثقل الأعباء التي عانت منها دمشق في إغاثة الناس والتأخير في عمليات اﻹنقاذ، وإذ لا نذكر مناطق المعارضة فلأن قرارها “ليس من رأسها”، ومن جانب ثان كان هذا الفعل سيعتبر كسراً للجمود السياسي بينهما، ويفتح قنوات مباشرة بدل الاعتماد على القنوات اﻹقليمية أو الدولية (الروسية بالدرجة الأولى) ولكن وعلى مدار السنوات الماضية من الكارثة السورية اﻷكبر، فإنّ عدم القناعة بالتوجه للداخل وللقوى الفاعلة فيه، والتواصل معها لبناء قواعد لحوار جدي ينهي المأساة السورية بشكل جدّي، سيبقى أحد أكبر الغائبين عن تفكير السلطة السورية.  وهو ما يحتاج الخلاص منه إلى تفكير غير تقليدي يكسر الجمود والرؤى المسبقة الجاهزة، ويمكن من خلال هذا التفكير الوصول إلى نقطة بدء مشتركة قد تكون مفتاح الخلاص السوري.