ما الذي يعرقل محاكمة عناصر تنظيم داعش؟

سامر ياسين – نورث برس

لا يزال ملف محاكمة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المنتشرين في العديد من السجون التي تحميها وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، معلقاً إلى الآن، في ظل رفض الدول التي لديها رعايا من هؤلاء العناصر استلامهم أو إعادتهم إلى دولها أو حتى محاكمتهم.

ويبقى السؤال إلى متى سيبقى الآلاف من عناصر “داعش” محتجزين في سجون ومعتقلات ومخيمات الإدارة الذاتية دون الإفراج عنهم أو محاسبتهم أو تسليمهم لدولهم؟

ومع بداية انهيار التنظيم عسكرياً في ريف دير الزور الشرقي عام 2019، قام أكثر من 10 آلاف عنصر من “داعش”، تسليم أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية مدعومة من قوات التحالف الدولي، التي أعلنت الانتصار على التنظيم عسكرياً عقب السيطرة على مدينة الباغوز السورية بريف دير الزور الشرقي آنذاك.

وتضم السجون والمخيمات التي تحوي عناصر وعوائل التنظيم في مناطق الإدارة الذاتية، أكثر من 60 ألف شخص، من أكثر من 58 دولة عربية وأجنبية، مصيرهم مجهول حتى الآن، ولم تقم أي دولة أو جهة حقوقية دولية بتبني ملف محاكمتهم أو إعادتهم لبلدانهم.

محاكمة “داعش”

وعن موضوع محاكمة هؤلاء العناصر، صرّحت رئيسة مجلس العدالة العام في الجزيرة السورية، ريما بركات، لنورث برس، بأن “محاكمة عناصر التنظيم السوريين، استمرت منذ بداية تأسيس محكمة الدفاع عن الشعب عام 2014 ولغاية الآن”.

وأضافت: “كانت المحاكمات تجري في ثلاث محاكم (عفرين وكوباني والجزيرة)، ولكن بعد احتلال عفرين استمرت محكمتي كوباني والجزيرة بعملهما ولغاية الآن تتم محاكمة عناصر التنظيم السوريين فقط”.

وبالنسبة للأجانب، فقامت الإدارة الذاتية وما زالت مستمرة، بإطلاق نداءاتها عبر كافة الوسائل، كالإعلام واللقاءات الدبلوماسية وممثليها حول العالم، داعية لضرورة عقد محكمة لهؤلاء العناصر تكون دولية أو ذات طابع دولي.

وحتى الآن، “لم نتلقَّ أي جواب أو مساعدة بهذا الخصوص، سواء من جهات رسمية أو غير رسمية، لذلك فمحاكمة العناصر الأجانب ما زالت معلقة حتى الآن”، بحسب “بركات”.

وأوضحت المسؤولة، بأن الإدارة الذاتية وجدت نفسها أمام خيار وحيد وهو “القيام بمحاكمة هؤلاء العناصر من خلال المحكمة المحلية، التي قامت بمحاكمة السوريين فقط لحد الآن، في ظل استمرار الصمت الدولي أمام مناشدات الإدارة في إطار محاكمة العناصر الأجانب”.

تجاهل دولي

ويشكل أولئك المعتقلون عبئاً على الإدارة الذاتية، في ظل تجاهل الدول التي يحمل هؤلاء العناصر جنسياتها لمهامهم ومسؤولياتهم تجاه هذا الملف، أو استلام مواطنيها الذين ساهموا وشاركوا في هذه المعارك وارتكبوا الجرائم على أراضي شمال شرقي سوريا.

وعن سبب عدم تقديم عناصر التنظيم الأجانب للمحكمة المحلية، قالت ” بركات”: “هناك أمور كثيرة تقف أمامنا وهي وجود أماكن خاصة للتوقيف وإجراءات المحاكمة وبرامج إعادة التأهيل التي يتوجب تطبيقها على المحكومين، ومصير المحكومين بعد خضوعهم للمحاكمة”.

وأشارت إلى أنه “هناك احتمالية حصول أحد المتهمين على حكم البراءة أو انتهاء محكوميته، فيتوجب مناقشة مصير هؤلاء بعد انتهاء محكوميتهم، وعليه يجب التنسيق بين الإدارة الذاتية والدول التي يحمل المعتقلين جنسيتها في سجون الإدارة الذاتية، لذلك هناك عبء كبير على الإدارة يجب أن تقوم به قبل البدء بالمحاكمة”.

غياب صيغة المحاكمة

وفي تصريح سابق لنورث برس، أشار الباحث في مركز الفرات للدراسات لزكين إبراهيم، لعدم وجود صيغة متفقٍ عليها بين دول التحالف الدولي لمحاربة “داعش” والذين شاركوا في الحرب ضد التنظيم واعتقلوا عناصره، لكيفية محاكمة هؤلاء العناصر.

وأضاف: “حتى وإن قامت دولة معينة باستعادة عناصر يحملون جنسيتها، فهم بحاجة لملفات مفصلة لكل شخص على حدى، وعن الجرائم التي ارتكبها، وعن الشهود الموجودين على الأرض، كل هذه التفاصيل تبقى معوقات أمام محاكمة هؤلاء بالشكل المطلوب”، حسب قوله.

وبحسب ما سبق فإن ذلك “يتطلب وجود إجراءات أولية هنا في المنطقة قبل محاكمتهم، على الأقل جمع كافة الملفات التي تدين هؤلاء العناصر، أو الحصول على شهادات ضحايا عمليات التنظيم، ليكونوا شهود عيان عليهم، ولكن حتى الآن لم تتحرك أي دولة باتجاه إقامة هكذا محاكم لهؤلاء العناصر”.

وأشارت رئيسة مجلس العدالة العام، في حديثها، على وجود محاولات من قبلهم للتواصل مع بعض الدول من خلال ممثلي الإدارة في تلك الدول.

ولفتت إلى أنهم تواصلوا مع العديد من المنظمات الحقوقية والقضاة السابقين والمحاميين ذوي الخبرة في محاكمة أشخاص ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، وذلك للحصول على دعم ولزيادة التنسيق ضمن هذا الإطار، حسب “بركات”.

مناشدات دون رد

وكان هناك مناشدات عديدة من الإدارة الذاتية والمنظمات الحقوقية والناشطين والباحثين السوريين بضرورة إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، وتبني مجلس الأمن الدولي ملف محاكمة عناصر التنظيم الأجانب، ولكن كل هذه المناشدات والمحاولات باءت بالفشل.

وحول هذا الموضوع أردفت “بركات”: “إحالة أي قضية لمحكمة الجنايات الدولية تتم بثلاث حالات ألا وهي قرار من مجلس الأمن الدولي، أو إذا باشر المدعي العام الخاص بمحكمة الجنايات الدولية بالتحقيق، أو إذا طلب أحد الأطراف العضو في (نظام روما) إحالة قضية إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذه الحالات لم تتحقق بالنسبة لملف داعش، وهذا ما سبب التعقيدات المتعلقة بالملف”.

ومن جهته بيّن الباحث لزكين إبراهيم بأن الأسباب الرئيسية لعدم محاكمة عناصر التنظيم حتى الآن، بسبب وجود الآلاف منهم من الأجانب، وهؤلاء يحتاجون لقرار الدولي، وخاصة من محكمة الجنايات الدولية، وخاصة أن الجرائم التي ارتكبها عناصر التنظيم تندرج تحت الجرائم الدولية، والمحكمة الدولية هي المخولة لمحاكمتهم.

وباعتبار أن سوريا ليست عضوة في هذه المحكمة، لذلك يحتاج الأمر إلى قرار دولي عن طريق رفع ملف عناصر التنظيم إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم.

وأضاف في تصريحه لنورث برس: “هناك إشكالية أخرى هنا، وهي الفيتو الروسي والصيني، الذي يمنع محاكمة هؤلاء العناصر بعيداً عن الحكومة في دمشق، وباعتبار عناصر التنظيم موجودين في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، يحظى القرار بالفيتو الروسي والصيني حتماً، مما يعرقل سير عملية محاكمة هؤلاء العناصر دولياً”.

وبعد العمليات التي شنها عناصر التنظيم وخلاياه في مناطق شمال وشرق سوريا آخرها محاولتهم الهروب من سجن الصناعة بمدينة الحسكة في يناير/كانون الثاني عام 2022، والذي يضم أكثر من 4 آلاف عنصر تابع للتنظيم، ازداد الخوف لدى سكان مناطق شمال شرقي سوريا من بقاء هؤلاء العناصر محتجزين سوية بهذا العدد الكبير دون وجود أي حل لهذا الملف.

وقالت “بركات”، بأن بقاء عناصر التنظيم محتجزين دون محاكمة لحد الآن، “يزيد العبء على الإدارة الذاتية من عدة نواحي، سواء من الناحية الحقوقية حيث تنص جميع العهود والمواثيق الدولية والعقد الاجتماعي الخاص بالإدارة الذاتية، على ضرورة حصول كل إنسان على محاكمة عادلة، وضرورة أن يقدم كل إنسان لمحاكمة، وبقاء عناصر التنظيم دون محاكمة لفترة طويلة يشكّل عبء حقوقي وقانوني على الإدارة الذاتية”.

بالإضافة للعبء على السجون بسبب كثرة عدد العناصر المحتجزين، وذلك يحتاج لحماية ورعاية صحية، والتغذية المناسبة وكل هذا يشكّل أعباءً اقتصادية كبيرة على عاتق الإدارة الذاتية.

ولفتت إلى وجود “خطر أهم”، وهو أن “يقوم العناصر بإعادة تنظيم نفسهم في السجون، حيث تعتبر من أكبر المعاقل التي تقوم هكذا تنظيمات بإعادة هيكلة نفسها داخلها، وهذا ما يعرّض المنطقة ككل لخطر الانفجار مرة أخرى والوقوع تحت خطر وإرهاب التنظيم مجدداً”.

تحرير: معاذ المحمد