فاطمة وأسينات.. رضيعتان توفيتا وسط نقص الرعاية في مخيم بالحسكة
سامر ياسين – نورث برس
يزعم علي خلف المحمد (28 عاماً)، وهو نازح يعيش مع عائلته في مخيم واشو كاني في الحسكة، شمال شرقي سوريا، أن الجهات الصحية المحلية والمنظمات العاملة في المخيم ومن خلفها منظمة الصحة العالمية، حرمت طفلتيه الرضيعتين من الرعاية الصحية المجانية ما تسبب بوفاتهما.
ويعتقد الرجل وزوجته أن انشغالهما بمراجعة مراكز المنظمات المحلية والمحاولات المتكررة على أمل موافقتها على رعاية الطفلتين، تسبب بتفاقم حالة الرضيعتين البالغتين أربعة أشهر من العمر ووفاتهما خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ويعيش المحمد مع زوجته مريم خالد وطفلين لهما، بالإضافة لاثنتين من بنات شقيقته، في المخيم بعد فرارهم من قرية العريشة بريف سري كانيه / رأس العين إبان الاجتياح التركي عام 2019.
وتعتمد العائلة على عمل الزوج كسائق لصهريج نقل المياه بأجر يومي أساسي 25 ألف ليرة (أقل من دولارين أميركيين).
ويقع مخيم واشوكاني قرب قرية التوينة، 15 كم شمال مدينة الحسكة، ويأوي 2377 عائلة تضم حوالي 16800 فرد.
وتشرف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على المخيم الذي تعمل فيه منظمات دولية ومحلية أبرزها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والهلال الأحمر الكردي.
وتحصل العائلات في المخيم على سلة غذائية تحتوي مواد أساسية محدودة، كما تحصل على مخصصات من الخبز ومازوت التدفئة من إدارة المخيم، وتعتمد على مياه خزانات يتم تعبئتها من الصهاريج.
مراجعات تتالى
قصة الرضيعتين فاطمة وأسينات بدأت مع ولادة مبكرة في الأول من حزيران/ يونيو الماضي.
تقول الأم إن طبيبة النسائية أوصت بحاجتهما لحاضنة، لكن الجهات الصحية المحلية لم توافق على تأمين الطلب.
تتحسّر الأم الآن: “ربما لو قبلوا حضانة الطفلتين بعد الولادة المبكرة، لكانوا اكتشفوا مسببات المرض منذ ذلك الحين”.
لكنها تعود فتتذكر فحوصات مخبرية أجرتها للطفلتين بعد أيام من ولادتهما، إذ أخبرها طبيب الأطفال والطبيبة النسائية اللذين كانت تراجعهما بسلامتهما من الأمراض وانتهاء فترة احتياجهما للحاضنة.
في الخامس والعشرين تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هرع الوالدان للنقطة الطبية في المخيم (تابعة لمنظمة الهلال الأحمر الكردي) بسبب ارتفاع درجة حرارة فاطمة مع إسهال وإقياء، وحصلا على “مياه أملاح”، لكن الطفلة لم تتحسّن، بحسب الأب.

وفي الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر، وصل الوالدان لعيادة خاصة في بلدة تل تمر، هي لطبيب الأطفال عبد العزيز حسن الذي شخّص الحالة ” ترفع حروري وإسهالات وتجفاف شديد”.
قام الطبيب بتحويل الطفلة للمشفى الوطني (مشفى عام) في العزيزية، لكنهم لم يمنحوا إقامة للحالة بذريعة عدم وجود أسرة شاغرة، بحسب الأم.
عاد الوالدان إلى الطبيب الذي أكّد حاجة الرضيعة لرعاية ضمن مشفى او مركز طبي مجهّز، لكن العائلة رفضت التوجه لمركز اللؤلؤة الذي يتبع الحكومة السورية، والذي يقع ضمن المربع الأمني الخاضع لسيطرتها وسط الحسكة.
ورفضت جهة خاطبتها منظمة الهلال الأحمر الكردي قبول إحالة الرضيعة المريضة لمشفى الحكمة الخاص الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية لتقديم الرعاية الطبية في الحسكة ومخيماتها، بحسب رواية الوالدين.
وبحسب الأب، علل الممرض في النقطة الرفض بأن الحالة مصنفة كـ”باردة” ولا يوجد فشل كلوي أو أية أعراض أخرى مصنفة كـ”ساخنة” لدى فريق منظمة الصحة العالمية.
مخاطر تكبر
عاد الوالدان بالطفلة فاطمة إلى مشفى العزيزية، حيث حصلت على سيرومات وأدوية أولية، لكن تورّم جسدها زاد بعد يوم، كما لم يتوفر طبيب أخصائي بالأطفال في المشفى، بحسب الوالدين.
إدراك تفاقم المخاطر دفع الوالدين لنية تحمل التكاليف بدل تضييع الوقت في البحث عن رعاية مجانية والتوجه لمشفى الحكمة الخاص مصطحبين فاطمة وشقيقتها التوأم أسينات والتي ظهرت عليها الأعراض ذاتها.
وتورد الأم اسم الطبيبة هيلين في مشفى الحكمة التي استقبلتهم، وحين تحدثوا لها عن محاولاتهم في الحصول على موافقة للحصول على رعاية مجانية، أخبرتهم ألا يكترثوا بالأوراق لأن الطفلتين بحال سيئة وهي ستتولى تيسير هذه الأمور.
وبالفعل تم قبول الرضيعتين في المشفى في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي الليلة التالية، تم نقل فاطمة إلى غرفة العناية المشددة.
تقول الأم إن شقيقتها أسينات كانت تبدو بحالة أفضل وكانت ترضع، إلا أن الطبيبة أخبرتها أن أسينات تعاني من سوء التغذية بدرجة أكبر من فاطمة.
وتتذكر أنها أخذت أسينات سابقاً بسبب سقوطها عن السرير لمشفى الحكمة وتم تشخيص معاناتها من سوء تغذية، “لكنها لم تخضع لمتابعة مستمرة”.
وليلة الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، توفت الرضيعة فاطمة في مشفى الحكمة الخاص في الحسكة.
وفي الليلة نفسها تم نقل شقيقتها أسينات للعناية المشددة، لكنها توفت أيضاً بعد أسبوع.
ولم تقبل المنظمات والجهات الصحية التي راجعها الوالدان التعليق حول وفاة الرضيعتين وما إذا كان نقص الرعاية قد فاقم حالتهما.
وفي مقابلة سابقة حول الصحة الإنجابية، قالت قائد فريق منظمة الهلال الأحمر في مخيم واشوكاني، خناف أحمد، لنورث برس، أن المنظمة تقدم خدمات لرعاية الحامل والأم، تتضمن زيارات الحوامل ووصفات المقويات والمتتمات الغذائية، والإشراف على الولادة الطبيعية ومتابعة صحة الأم والمولود.
وأشارت إلى أنشطة توعية تتعلق بالصحة الإنجابية والتأثير السلبي لزواج الأقارب والحمل في سن متأخرة.
“ظلمونا حين رفضوا إحالتنا”
تقول الأم إنهم أضاعوا الكثير من الوقت، أربع إحالات عبر منظمة الهلال الأحمر الكردي تم رفضها، بالإضافة لطلب المساعدة من مراكز منظمات أخرى في المخيم.
وتعتقد أنهم كانوا سيتمكنون من إنقاذ رضيعتيها لو تم قبول الإحالة الأولى، وترى في ذلك ظلماً.
كما تفصح عن شعورها بالذنب حيال الارتباك الذي جعلها وزوجها يتأخران في نقل الطفلتين لمشفى خاص مهما كانت التكاليف وصعوبات تأمينها.
ويتفق الأب معها في تحميل الجهات الدولية التي قصرت في تقديم الرعاية مسؤولية وفاة ابنتيه، رغم إبدائه تقديراً للعاطفة التي أبداها اطباء وممرضون وموظفون معه.
“دمعت عينا الممرض في نقطة الهلال الأحمر الكردي حين تكرر الرفض ونصحني أن أجد حلاً لتحمل النفقات”.
ويتذكر أيضاً أن الطبيبة في مشفى الحكمة “صفقت فرحاً” حين شاهدت مؤشراً قد يقود للتفاؤل في فحوصات مخبرية للرضيعة أسينات.
وانتشر في مخيم واشوكاني، خلال الأشهر الأربعة الماضية، مرض الجرب، كما ظهرت حالتا إصابة بالحصبة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بحسب المنسقة الطبية للهلال الأحمر في المخيم.
وتنتشر حالياً في موسم البرد إصابات الأنفلونزا والتهاب القصبات في ظل عدم تمكن النقطة الطبية من تأمين الأدوية بكميات كافية، بسبب نقص الدعم.
وتتابع الهلال الأحمر حالات صحية أخرى، لأمراض مزمنة وسوء التغذية، لكنها لا تتمكن من تقديم خدمات علاجية لها، بحسب المسؤولين في المنظمة.
ويؤكد طبيب الأطفال عبد العزيز، الذي عاين الرضيعتين في عيادته الخاصة، على أنهما كانتا تحتاجان للرعاية في مشفى، “لأهمية سرعة تقديم الرعاية والعلاج المبكر في تعافي أي حالة صحية”.
يقول: ” التهاب المعدة والأمعاء مع التجفاف الحاد، تؤدي لازدياد الاختلاطات التي قد تصل إلى قصور كلوي أو قصور قلب”.
ويضيف: “وقد تتحول مشكلة غير مشخصة سابقاً إلى سبب للوفاة بعد تحريض من بالإنتان وبعد التجفاف، كما يمكن أن الإنتان نفسه لا ينضبط على العلاج لسبب ما قد يكون نقص مناعة أو غيره”.