“قنويج”.. نساء من عفرين يحافظن على تراثهن عبر نقشه على المنسوجات​

أفين يوسف ـ القامشلي

خوفاً من الاندثار والنسيان، تسعى نساء من عفرين، للحفاظ على تراث وثقافة منطقتهم التي نزحوا منها. وبإبرة وخيط تعمل تلك النسوة بعض المنسوجات التراثية والحرف والأشغال اليدوية، وتجهدن لتعليمها للأطفال حتى يحملن التراث من جديد. 

وتشتهر منطقة عفرين وقراها بصناعة المنتوجات والمنسوجات التراثية التي تسمى “قنويج”، حيث تناقلت النساء العفرينيات هذه الصنعة على مدار عقود من الزمن.

وبعد تطور التكنولوجيا واعتماد أغلب الناس على الماكينات والآلات في إنتاج المنسوجات التراثية، باتت الحرف والأشغال اليدوية مثل “قنويج” معرّضة للاندثار.

ولإحياء هذه الصنعة والتراث العفريني الأصيل، قامت مجموعة من النساء بتنفيذ مشروع باسم “قنويج” في مدينة القامشلي، بهدف توثيق هذه المنتوجات النسيجية التراثية، وتعزيز الهوية الثقافية الكردية للمهجرين قسراً من عفرين.

الهدف من مشروع “قنويج” هو إحياء التراث العفريني والمشغولات اليدوية العفرينية

حماية التراث من الضياع والنسيان

وبهذا الصدد تشير منسقة مشروع قنويج، شهيرة إيبو، إلى أهمية هذا المشروع وتقول لنورث برس: “بعد تهجيرنا قسراً إبان العدوان التركي على مدينة عفرين عام 2018، أهمل الناس بشكل عام والنساء المسنات من ضمنهم، تراثهم بسبب مشاغل الحياة والضغوطات النفسية وتبعات الحرب”.

وتضيف، أن الهدف من مشروع “قنويج” هو إحياء التراث العفريني والمشغولات اليدوية العفرينية.

وتستطرد بالقول: “نحن لا نركز على هذه الأعمال لمجرد كونها أعمالاً يدوية فقط، بل لأنها ذاكرتنا وتراثنا وثقافتنا التي يجب أن نحافظ عليها ونعلمها لأطفالنا، ولنشجّع من هن أصغر سناً لتعلم وحمل هذا التراث من جديد بغية استمراره للأجيال اللاحقة”.

وتعتقد “إيبو” بأن هذا العمل اليدوي واسمه مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالتراث والثقافة الكردية، وإذا لم يتم تعليمه للأجيال القادمة فإنه معرض للاندثار والنسيان خلال سنوات.

وتضيف: “نحن لا نعلم إن كنا سنعود إلى عفرين أم لا، لكن علينا على الأقل الحفاظ على التراث العفريني”.

وبدأ مشروع “قنويج” في 20تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، برعاية كل من منظمة العمل للأمل ومنظمة فاعل سوريا، وبادر للتنمية والإعلام المجتمعي، ومركز مالفا للفنون، واستمر لمدة شهرين، حيث خضعت المتدربات خلالهما لست عشرة جلسة تدريبية.

مزج الثقافات

وبلغ عدد المتدربات في المشروع عشرة متدربات، سبع سيدات من عفرين، وثلاث أخريات من القامشلي.

 تعكس النساء طبيعة عفرين من خلال نقش صور النباتات والطيور الكثيرة والمتنوعة

وتميز المشروع بتفاوت أعمار المتدربات واختلافهن العرقي والديني، حيث شاركت سيدات كبيرات في السن ممن كنّ قد اشتغلن في عمل قطع “قنويج” بعفرين، بينهن امرأة إيزيدية أثمر عملها عن قطعة قنويج تتمثل بطائر الطاووس الذي يعبر عن ديانتها. إضافة إلى امرأة عربية من مدينة القامشلي.

وفي نهاية المشروع تم تجميع القطع التي أنتجتها السيدات، ليتم عرضها خلال المعرض الذي أقيم في 28 كانون الثاني/ يناير الجاري، والذي حضره عدد من النساء في مدينة القامشلي.

وتتميز قطع “قنويج” بنقوشها وألوانها المختلفة، حيث تختلف دلالات تلك النقوش حسب المنطقة، ويلاحظ الاختلاف من خلال الألوان والرسومات والأشكال، فتعكس النساء طبيعة عفرين من خلال نقش صور النباتات والطيور الكثيرة والمتنوعة.

وكان من أنشطة المشروع أيضاً، تسجيل بودكاست بصوت النساء العفرينيات حيث يتحدثن من خلاله عن الطقوس والأجواء والمواد التي ترافق عمل “قنويج”.

وفي نهاية المشروع أعدت المنسقة، شهيرة ايبو، كتيباً يتضمن تاريخ “قنويج” والمواد المستخدمة في صناعته، والمناسبات التي يُستخدم فيها، وما هي القطع التي يتم العمل عليها، بدءاً من القطع الكبيرة وانتهاء بالقطع الصغيرة.

استخدامات “قنويج”

ويستخدم في صناعة “قنويج” القماش القطني الأبيض ويسمى (الخاصة)، إضافة إلى قماش الإيتامين القطني ذو الألوان المختلفة، والغربول (الكنفة) وهو قماش على شكل شبكة من المربعات الصغيرة، والخيوط القطنية اللامعة والناعمة، وإبر من مختلف القياسات.

تتنوع وتختلف قطع “قنويج” بحسب الوظيفة التي تؤديها، فهناك قطع تستخدم كأغطية للمخدات، ووسائد “كوشه” إضافة إلى البقجه، ولوحات الزينة الجدارية، والمناديل أو محارم الجيب، ومريول الحلاقة.

ويستخدم “قنويج” في عدة مناسبات، كجهاز العروس، والهدايا، وللمواليد الجدد.

مشاركات من المجتمع المضيف

وتعبر رقية الأحمد، وهي إحدى المشارِكات من مجموعة أحلام صغيرة للأعمال اليدوية في مدينة القامشلي، عن سعادتها في المشاركة بالمشروع مع السيدات العفرينيات لإحياء التراث العفريني، “كوني من المجتمع المضيف من مدينة القامشلي، وعملنا معاً على مدى شهرين في هذا المشروع”.

وتضيف لنورث برس: “تعلمنا من بعضنا البعض واستفدنا من خبرات النساء العفرينيات، جمعنا خلال المشروع روح المحبة والجماعة، وأنتجنا قطعاً جميلة، كانت فرصة رائعة بالنسبة لي”.

وتتمنى “الأحمد” أن تستمر مثل هذه المشاريع في المستقبل وأن تشارك فيها لأهميتها.

وتشير “الأحمد” إلى أن مشاركتها كانت بهدف إحياء التراث العفريني رفقة النساء العفرينيات، خاصة بعد ما واجهن خلال الأزمة التي مرت بها عفرين إبان العدوان التركي عليها، ولحماية هذا التراث من الضياع والنسيان.

ومن جانبها تفتخر كاميليا الجاسم، من المكون العربي في مدينة القامشلي بمشاركتها في المشروع، وتبدي سعادتها في مشاركة النساء العفرينيات بمشروع قنويج الذي يهدف إلى حفظ التراث العفريني.

وتقول “الجاسم” لنورث برس: “أنا فخورة بمشاركتي في مشروع قنويج، لقد تعلمت من النساء العفرينيات العديد من النقوش التي تتميز بالدقة والإتقان”.

وتضيف بأن النساء العفرينيات تستخدمن مختلف الرسوم والألوان الزاهية التي تمثل طبيعة منطقتهن.

وتقول لنورث برس: “لم أكن أتقن هذا الفن، لكنني تعلمته خلال الدورة التدريبية، والقنويج صنعة جميلة جداً، ومن الجميل أن نحيي من خلالها تراث جداتنا”.

وتوضح، “أدخلنا منتوجات حديثة إلى عمل قنويج، حيث كان يقتصر على المخدات والمناديل والبقجات، لكننا أضفنا عليها صناعة الحقائب اليدوية والجزادين المصنوعة من قماش الجينز”.

وتعتبر “الجاسم” مشاركة النساء من مدينة القامشلي ميزة إضافية للمشروع، وتصف ذلك بالتمازج بين ثقافات المجتمع العفريني والمجتمع المضيف.

تحرير: معاذ المحمد