سكان دون خدمات.. القصف التركي يخلف أزمة إنسانية في الجزيرة السورية
دلسوز يوسف ـ القامشلي
مع عودة الهدوء نسبياً إلى المدن الحدودية في شمال شرقي سوريا، عقب أيام شهدت قصفاً تركياً خلف دماراً هائلاً في البنى التحتية والمنشآت الحيوية، تجلت بوضوح بوادر أزمة إنسانية تتمثل في نقص حاد في الخدمات الأساسية لسكان المنطقة، أبرزها الماء والمحروقات والغاز والكهرباء.
أمام محله وسط السوق المركزي بمدينة القامشلي، يصف ميلاد صبحي تأثير الضربات التركية على مناطقهم بـ”المأساة”، ويقول: “حتى نؤمن المياه تنقطع الكهرباء وكذلك الحال بالنسبة للغاز، تفاجأت أن شخصاً أخبرني اليوم أن جرة الغاز وصلت إلى 20 دولار أمريكي”.
ويتساءل “صبحي”، في حديث مع نورث برس: في ظل فقدان أهم مقومات الحياة، كيف سيعيش الفقراء مع هذا الغلاء؟
وشنت القوات التركية عبر الطائرات والقذائف المدفعية في الـ 12 من كانون الثاني/ يناير الجاري، هجمات مكثفة لمدة خمسة أيام متتالية على معظم مناطق شمال شرقي سوريا.
وأسفرت هذه الهجمات عن خروج قطاعات الطاقة والنفط والغاز عن الخدمة في الجزيرة السورية، وسط فقدان المياه وتوقف عمل بعض المشافي والمطاحن، بالإضافة لإصابة أكثر من 6 أشخاص، وفق بيان للإدارة الذاتية الديمقراطية التي تدير مناطق شمال شرقي سوريا.
ومع صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية، يخشى السكان المحليون أن تتفاقم الأوضاع نحو الأسوأ وسط ظروف اقتصادية صعبة مع استمرار نزيف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
ويشير “صبحي” الذي يعمل سكافي، أن أوضاعهم الإنسانية صعبة “لا نستطيع وصف ما يجري على أرض الواقع، المعاناة أضعاف ما تظهره وسائل الإعلام”.
وفي الشارع الموازي لمحله، يصف السبعيني عبدالكريم أحمد، الذي يعمل على إحدى البسطات، الدولة التركية بالــ”منافقة”، ويقول: “تركيا تحاول إبادة هذا الشعب بقطع المياه والكهرباء والغاز عنه، فهذه الحرب غير مقبولة في جميع الديانات والقوانين”.
وبغضب شديد يضيف لنورث برس: “بالطبع سيتأثر الشعب بتداعيات هذا الدمار، ولكن لتعلم تركيا أننا لن نتخلى عن وطننا ونهاجر”.
ويشير المسؤولون في الإدارة الذاتية، أنه “ليس بمقدور الإدارة إعادة صيانة المنشآت النفطية والغازية والطاقة، بعد الدمار الهائل الذي طالها نتيجة القصف التركي.
فيما أوضح عكيد عبد المجيد، مدير محطة السويدية للغاز، في حديث لـنورث برس، أن التكلفة الأولية لصيانة المحطة تقدر بمليار دولار أمريكي.
وأثارت هذه الهجمات حالة من الغضب في الشارع المحلي الذي خرج في تظاهرات عارمة ضمن مناطق شمال شرقي سوريا، وسط مطالبات للمجتمع الدولي بإيقاف هذه الهجمات.
وقالت بيريفان عمر، نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الإدارة المحلية في مقاطعة الجزيرة، أنهم يجدون صعوبة في تأمين مياه الشرب للسكان بعد خروج محطات الكهرباء عن الخدمة، والتي كانت تغذي الآبار بالكهرباء.
وأوضحت عمر، بأنهم يعتمدون على مولدات الكهرباء لتشغيل الآبار، وأضافت: “من الصعب الاعتماد على المولدات نتيجة الأعطال والحاجة الدائمة للوقود في ظل خروج المنشآت النفطية عن الخدمة”.
ولفتت المسؤولة في الإدارة الذاتية، أنهم بحاجة إلى خبرات وتجهيزات أساسية من الخارج لصيانة الأعطال التي خلفها الدمار في ظل عدم توفر الآليات المطلوبة في مناطق شمال شرقي سوريا.
وتحدثت عبير خالد الرئيس المشارك للإدارة العامة للمحروقات في شمال شرقي سوريا، الخميس الفائت، لـنورث برس، عن سعيهم “لتأمين بعض مصادر الطاقة عبر الاستيراد، وستكون بتكاليف مرتفعة”.
وكانت مصافي وآبار النفط تؤمن الغاز والمحروقات لأكثر من خمسة ملايين نسمة، بحسب الإدارة الذاتية.
ويقول عباس موسى، من رابطة تآزر للضحايا، إن مناطق شمال شرقي سوريا بحاجة إلى جهود دولية لدعم بناء البنية التحتية الهشة أساساً.
ويضيف لنورث برس: “ثمة الكثير من الأمور لا تستطيع الإدارة الذاتية الإيفاء بها والعمل عليها بوتيرة متسارعة تتوافق مع احتياجات الناس، نتيجة عدم توفر المياه والكهرباء والغاز المنزلي، وهذه الأمور تؤثر على حياة السكان لدرجة كبيرة، الأمر الذي يحتاج إلى جهود دولية خاصة لدعم واستمرارية البنية التحتية”.
وأدانت الإدارة الذاتية، في بيان سابق، ما وصفته بـ”الصمت الدولي” حيال الهجمات التركية، ودعت المنظمات الدولية والإنسانية لإعادة المؤسسات المدمرة إلى الخدمة ودعم الاستقرار في المنطقة.
وقال حسن كوجر، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، في تصريح سابق لـنورث برس، إن الصمت الدولي على القصف التركي “دليل على أنهم متضامنون مع تركيا بقصفها للمنطقة، بالرغم من أن الهجمات خارجة عن القوانين الدولية”.
فيما يرى “موسى” أن المجتمع الدولي منقسم ما بين الجانب السياسي والداعم للجهود المدنية، “من الناحية السياسية هناك الكثير من الاعتبارات، التحالف الدولي مثلاً لم يصدر أي تصريحات رادعة لتركيا”.
ويستدرك: “لكن في المقلب الآخر بإمكان المجتمع الدولي التحرك عبر العشرات من المنظمات الدولية التي تعمل في مناطق الإدارة الذاتية، للقيام بواجباتها عبر البرامج الدولية الداعمة للمناطق المنكوبة ومنها سوريا”.