كيف يقرأ خبراء روس التصعيد التركي في الشمال السوري؟

غرفة الأخبار ـ نورث برس

لم يحل انشغال روسيا بالحرب الدائرة مع أوكرانيا ووقوعها تحت أقسى عقوبات تتعرض لها في التاريخ، دون متابعة حثيثة من قبل دوائر صنع القرار والمراقبين الروس، على حد سواء،  للتطورات الدراماتيكية في الشمال السوري، على ضوء مواصلة تركيا مسلسل التصعيد هناك.

ويكاد يسود إجماع لدى المراقبين الروس بأن المنطقة باتت على أعتاب مرحلة إعادة خلط أوراق جديدة، تهدف أنقرة من وراءها إلى تعطيل جهود التسوية السياسية المتعثرة أصلاً في سوريا، والتراجع عن تفاهمات تم التوصل إليها في وقت سابق على هذا الاتجاه.

وتشير تقارير صحفية وتحليلات سياسية داخل روسيا، إلى أن العلاقات بين موسكو وأنقرة تتجه نحو “فتور قوي” وتباعد برز بين الجانبين على إثر التصعيد التركي في الشمال السوري، والذي جاء ليكمل مسلسل خطوات اتخذتها أنقرة مؤخراً، أثارت حالة عدم ارتياح في روسيا كإنعاش ملف صفقات السلاح مع واشنطن، والتساهل الذي أبدته تركيا في موضوع انضمام السويد لحلف الناتو.

وبرأي مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، فإن الجنوح التركي الجديد نحو التصعيد يعيد إحياء المقاربة التقليدية للملف السوري من جانب أنقرة، لجهة الإبقاء على حالة عدم الاستقرار في هذا البلد، وإعادة توفير الأجواء اللوجستية للمجاميع “الإرهابية” كتنظيم “داعش” ودفع الأوضاع في الشمال السوري وفي بقية مناطق البلاد إلى المربع الأول.

 وحسب ما يقوله لنورث برس”، فإن “التصعيد يحمل في ثناياه كذلك خلق ثغرات أمنية تكون في مصلحة تفعيل نشاطات التنظيمات الإرهابية، والتي بدأت مؤخرًا بإنعاش عملياتها في مناطق مختلفة من البلاد”.

أبعاد اقتصادية

يوافقه على الرأي محلل الشؤون الدولية، دميتري كيم، الذي يضيف بعدًا آخر إلى الخطوات التركية، يتمثل، من بين أمور أخرى، في التسبب بحالة دمار للمنشآت النفطية والبنى التحتية والخدمية وخلق ظروف معيشية واقتصادية صعبة من الممكن أن تدفع أعداداً ضخمة من سكان المنطقة إلى التفكير بالهجرة كخيار أوحد، بعد تحويل أماكن عيشهم إلى مناطق منكوبة غير قابلة للحياة والتطور.

وبرأيه، فإن “تدويل” الملف على مستوى المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان هي واحدة من الخيارات التي يجب على الإدارة الذاتية الاهتمام بها، وجعلها من الأولويات التي من شأنها إعادة لفت الاهتمام الدولي بخصوصية الأوضاع في مناطق الشمال السوري.

إلى جانب ذلك، يحذر “كيم” في تصريح لنورث برس، من وجود أهداف إضافية وراء التصعيد التركي تكمن في محاولات أنقرة التمهيد لإحداث تغييرات ديمغرافية في مناطق الشمال، وفق خطة طويلة الأمد تعيد الاعتبار إلى الحلم التركي ببسط السيطرة على تلك المناطق، وإن بشكل غير مباشر.

رسائل في أكثر من اتجاه

من وجهة نظر أخرى، لا يستبعد الخبير في الشؤون الاستراتيجية، سيرغي بيرسانوف، وجود رسالة إلى القوى الضامنة، روسيا والولايات المتحدة، بأن المقاربة التركية للمشهد في شمال شرقي سوريا “ستبقى أحادية الجانب، ولا تأخذ في الاعتبار ضرورات الانتقال التدريجي إلى تسوية متكاملة للملف السوري، أو الحسابات القائمة على إنهاء الحرب في البلاد”.

وبحسب رأيه، في تصريح لنورث برس، فإن الجانب التركي يعتقد بأنه حصل على فرصة الاستفراد في الخطوات والإجراءات العسكرية، على قاعدة أن موسكو وواشنطن منشغلتان بالملفات التي اشتعلت مؤخرًا في المنطقة، وعلى رأسها ملفي الحرب في غزة والتطورات الحساسة في البحر الأحمر والمنطقة عمومًا.

جمود على جبهة التطبيع

ويضيف في هذا السياق، أن تركيا باتت ترى أمام هذه المعطيات وكأنها أصبحت في حلٍّ من عملية التطبيع “المجمدة” مع دمشق، والتي دعمتها موسكو بقوة.

ولكن يبدو أن الملف الآن أصبح في “ثلاجة” مراكز اتخاذ القرار في تركيا، أو تم التراجع عنه لأجل غير مسمى، حسب تعبيره، وهو ما يظهر بشكل واضح في توقف عمل الفرق الأمنية والتقنية والتي كان يقع على عاتقها الوصول إلى خارطة تطبيع للعلاقات بين دمشق وأنقرة.

وردًا على سؤال، رفض بيرسانوف، فكرة أن موسكو أصبحت أقل اهتماماً بالشأن السوري، ولا التطورات الأخيرة في شمال شرقي البلاد، وأعرب عن رأي مفاده بأن “دبلوماسية ما تحت الطاولة هي الفاعلة الآن مع أنقرة”.

في ذات الوقت، يرى الخبير الروسي، بأن ما يمكن أن يضيف زخمًا إلى الحراك الروسي على خط تدهور الأوضاع في الشمال السوري هو بدء عملية “تطبيع مضادة” بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية.

ويعتبر أن التقدم على هذا الخط يخدم جميع الأطراف المعنية بعودة الاستقرار في سوريا وتحييد التدخلات الخارجية إلى أبعد مدى.

تحرير: معاذ المحمد