مصطفى الخليل – الرقة
تساهم العشائر العربية في مدينة الرقة في حل الإشكاليات الاجتماعية والنزاعات القبلية جنباً إلى جنب مع أجهزة الأمن الداخلي والمحاكم الرسمية التابعة للإدارة الذاتية في الرقة.
ويُعد العرف العشائري المرجعية الأساسية لهذه العشائر لدى مواجهة المجتمع القبلي أو أحد أفراده، إشكالية ما، تستلزم الحل السريع، منعاً من تفاقمها وحدوث ما لا تُحمد عقباه.
يقول الشيخ رمضان الرحال، الناطق الرسمي باسم مجلس الأعيان في الرقة، وشيخ عشيرة العلي- قبيلة الولدة، إن جوهر الأعراف العشائرية هو الميل للسلم والتهدئة، وذلك حقناً للدماء، خشية من الصراعات، ومخافة من تطورها وعدم السيطرة عليها في حال عدم التدخل الفوري من قبل شيوخ العشائر والوجهاء والعقلاء وذوي الشأن.
“نظام داخلي”
يُعرف “الرحال” العرف العشائري بأنه بمثابة “النظام الداخلي” للعشيرة، والذي يعود إليه أبناء العشيرة حال حدوث طارئ اجتماعي أو خلاف داخل العشيرة أو مع أحد أبناء العشائر الأخرى.
ويلفت “الرحال” إلى أن ركيزة المحافظة على السلم الأهلي هي النقطة الأبرز التي يتقاطع فيها العرف العشائري مع قوانين الإدارة الذاتية، في الوقت الحالي، لأن غالبيتها تدعو إلى الصلح والسلم.
وشدد “الرحال” على أن العشيرة معنية بشكل مباشر بمسألة السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، لأن تخليها عن هذا الدور، يعني تفكك أفرادها وتشتت شملهم، على حد تعبيره.
وبيَّن، أن للعشيرة قوانين وتشريعات ناظمة لحياة أفرادها فيما بينهم، ولعلاقاتهم مع القبائل والمكونات الأخرى، حيث أنها تقوم في مرات عديدة بمعاقبة من يتسبب بالمشاكل، ومنها عقوبة الإجلاء أو “الجلوة” أي “الترحيل القسري” إلى خارج المنطقة التي حدثت بها المشكلة، وذلك تمهيداً لعملية الصلح بين الأطراف المتخاصمة.
وكذلك يوجد عقوبة دفع الدية، وهي غرامة مالية يدفعها المتسبب بالقتل أو الأذى الجسدي أو النفسي بحق الغير، وتختلف قيمتها من عشيرة إلى أخرى، بحسب “الرحال”.
وأضاف، وفي حال عدم الوصول إلى حل بين المتخاصمين، يتم تحويل القضية إلى المحاكم المدنية في شمال شرقي سوريا ليتم البت بها، وليأخذ كل ذي حق حقه، بحسب الأنظمة والقوانين الرسمية.
وفي مطلع عام 2022 توسع نطاق عمل مجلس الأعيان في الرقة، وانضم إليه شيوخ عشائر ووجهاء يمثلون جميع العشائر والقبائل ومن كافة المكونات في المنطقة، وتبلغ نسبة تمثيل المكون العربي فيه 80 بالمئة.
ويُعد مجلس الأعيان صلة الوصل ما بين المجتمع والمؤسسات المدنية والعسكرية في الرقة، إضافة لدوره الأساسي في حل النزاعات وإرساء السلم الأهلي بالتعاون مع المحاكم ولجان الصلح وأجهزة الأمن الداخلي.
“مجلس استشاري”
قال الشيخ إبراهيم الهادي من عشيرة الموسى الظاهر، تكمن أهمية الأعراف والتقاليد العشائرية التي تدعو إلى المحافظة على السلم الأهلي، في شمال شرقي سوريا، من الواقع المجتمعي للسكان، كونها ذات طابع قبلي منذ مئات السنين.
وأضاف الهادي، لنورث برس أن العشيرة كانت حاضرة في كل المراحل التي مرت بها المنطقة، ويتباين هذا الحضور من مرحلة إلى أخرى.
واستدرك، “لكن في الوقت الحالي، وبعد تحرير المنطقة من تنظيم داعش على أيدي قوات سوريا الديمقراطية، أخذت العشائر دوراً كبيراً من خلال وجود ممثلين لها في جميع المفاصل الإدارية والسياسية والعسكرية في الإدارة الذاتية”.
وأشار الهادي، إلى أنه لكل عشيرة، مجلس استشاري يضم مجموعة من الأشخاص من أبناء العشيرة، وهم من ذوي الرأي الرشيد، للمساهمة وإبداء الرأي في حل النزاعات والإشكاليات حال حدوثها.
واستطاع مجلس الأعيان في الرقة خلال السنة الماضية 2023 من حل العشرات من القضايا والإشكاليات الاجتماعية بشكل ودي، فيما أحال العديد منها إلى الجهات المختصة ليتم النظر بها قانونياً.