القامشلي- نورث برس
في مجتمع يعدُّ الطفل فيه “عجينةً وورقةً بيضاء، ورجلاً صغيراً، ومشروع جندي بل أكثر من ذلك، أو ربما شيطاناً يحتاج إلى تدجين بالعنف اللفظي والمادي، لا يمكن له أن يخدم الطفل فنياً أو تربوياً أو سياسياً”، بهذه الجمل استهلّ القاص والكاتب المسرحي “أحمد إسماعيل إسماعيل” حديثه لنورث برس.
ولا يعتبر الكاتب المسرحي هذا الكلام محبطاً، “بل حقيقة واقعة لا تكف عن التكرار على مر الأزمان وتعاقب الأجيال”. ويوضح، أن “مسرح الطفل” يعد من أهم المواضيع التي يمكن أن تساهم في تنمية الطفل بشكل سليم.
بين الترفيه والتعليم
ويشير “إسماعيل”، إلى أنه ككاتبٍ أصبح همّه ومشروع حياته مسرح الطفل، وأصدر العديد من الكتب في هذا المجال، فإنه لتحقيق الأهداف المرجوة، ولتحسين واقع المسرح فإنه “لابد أن نبدأ بالطفل، باحترام وإسعاد الطفل الحي والواقعي، وليس إحياء الطفل الميت في دواخلنا”.
ويشدد على أن الطفل “يحتاج إلى مسرح طفل حقيقي، لا مسرح يقتصر دوره على الإضحاك المجاني أو الإبهار”.
ويبين أن مسرح الطفل رغم أنه فن، والفن متعة، والمتعة ليست مجرد تسلية وإضحاك وإبهار, فإن الضحك فيه موظّف، والمتعة مدروسة، وهذا يحتاج من العاملين فيه، بداية، وقبل كل شيء، ليس التمكن من “الصنعة” وحسب، بل “يجب فهم طبيعة الطفل المستهدف في العرض، وأساليب التعامل معه، وفهم ظروفه الحالية والتي تشغل باله وتفعل فعلها في حياته”.
ويشدد “الكاتب”، على أن هذا “يحتاج إلى سياسة رشيدة من أولي الأمر، لتولي هذا الفن العناية وليس الوصاية”، وذلك من خلال الدعم المادي للفرق الجادة، وإقامة ورشات مسرحية، والدعاية الإعلامية لها، وتوفير مستلزمات العروض، بل وإدخال مادة المسرح ضمن المنهاج التربوي.
توجه لتطوير مسرح الطفل
ويبدي “كومين المسرح في روج آفا” اهتماماً كبيراً بمسرح الطفل، خاصة مسرح الكبار للصغار، و “يقدم الدعم الكامل (المادي والمعنوي) لإنتاج هذا النوع من المسرح”، بحسب الإداري “المخرج المسرحي وليد عمر”.
ويقول “عمر” لنورث برس، إن “مسرح الطفل هو من أهم اختراعات القرن العشرين، لأنه يستطيع التنقل من مكان إلى آخر، ويقدم عروضاً تهم الطفل، وتسعى لتطويره ذهنياً ونفسياً”.
ويضيف، أن كومين المسرح قام بتجربة مسرحية للأطفال بعنوان (جحا والملك زعفران) والتي تم عرضها في عدة مناسبات وأماكن، ولاقت نجاحاً كبيراً، وهناك طلبات لعرضها في مناطق أخرى من شمال شرقي سوريا.
ويشير “عمر” إلى سهولة تنقل المسرحية في المناطق كونها تستخدم أدوات وديكورات بسيطة ومعبرة يمكن نقلها بسهولة واستخدامها في كل الأماكن المتاحة للعرض كالمدارس والتجمعات والمسارح.
ويشدد المخرج المسرحي “عمر”، أنه “على كل المخرجين في سوريا عموماً تبني هذا النوع من المسرح لأنه البديل لكثير من الأمور التي تؤذي الطفل كأجهزة الموبايل، إضافة إلى ظروف الحرب التي تعيشها البلاد”.
كما يشدد، على أنه “من الهام جداً أن تكون العلاقة بين الطفل المتلقي وممثلي المسرحية وطيدة”. ويتجلى ذلك بإشراك الأطفال في العرض من خلال صعودهم على المسرح والغناء مع الممثلين.
نصوص محلية تحاكي واقع المنطقة
ويأسف الممثل والكاتب المسرحي آلان عبد الله، من اعتماد الفرق المسرحية بشكل شبه كلّي على النصوص العالمية.
ويقول لنورث برس: “رغم قلّتها توجد لدينا نصوص مسرحية محلية، إلا أننا للأسف اعتدنا الاعتماد على النصوص العالمية الحاصلة على الجوائز، لأن ذلك يشعرنا بأننا أنجزنا عملاً يرقى إلى مستوى العالمية، وهذا غير صحيح”.
ويضيف، أنه مهما كانت النصوص قليلة وبسيطة، يمكن للمخرج والفرقة المسرحية إنتاج مسرحية متكاملة وناجحة “كون النص المحلي يحاكي معاناة المجتمع وهو أقرب من الواقع فهو قريب من الناس ويخاطبهم بلغتهم ويفهم دواخلهم”.
مسرح الطفل كأسلوب تعليمي
ويشير “عبد الله”، إلى أن هناك طرق تعليم كثيرة يمكن استخدامها وتلقينها للأطفال عن طريق العروض المسرحية، ويشدد على أن المدارس يجب أن تدعم “المسرح المدرسي” وتقوي هذا الجانب، معتبراً أنه “أسلوب هام جداً وفعال” يمكن من خلاله تعليم الطلاب وإيصال المعلومة “بطريقة ترفيهية وغير مملة”.
ويرى المخرج والممثل المسرحي عبد الجابر حبيب، أن الطفل يكتسب الكثير من المهارات من خلال مشاركته في العروض المسرحية، منها المهارات “الحركية والعقلية والذاكرة” التي يجسدها في الشخصية التي يمثلها، إضافة إلى “المهارات اللغوية وتحسين النطق” لدى الطفل من خلال التدريبات المسرحية.
ويقول لنورث برس، إن “الطفل يكتسب الجرأة من خلال مواجهة الجمهور والتمثيل أمامه”.
ويضيف، أن المسرح بشكل عام سواء كان الموجه من الكبار إلى الصغار، أو من الصغار إلى الصغار، فإنه “ينمي قدرة الطفل السمعية والبصرية، فهو يركز هاتين الحاستين على العرض المسرحي ويتلقى المعلومة بكل سهولة وبشكل مباشر من الممثلين”.
إمكانيات ضئيلة وجهود ذاتية
ويشير الممثل المسرحي وسفير مسرح الطفل في سوريا فواز محمود، إلى أنه من خلال تجربته الطويلة التي استمرت (35 عاماً) في مسرح الطفل، تعلم أن “بناء وطنٍ ملؤه المحبة والسلام، يعتمد على التنمية السليمة للطفل”.
وينوه “محمود” خلال حديثه لنورث برس، بأن هناك تفاوتاً في واقع مسرح الطفل ما بين المحافظات السورية.
ويقول، إنه “في المحافظات الكبيرة كدمشق وحلب مثلاً، هناك إمكانيات ومدارس خاصة لهذا الفن، وهناك مدارس وأكاديميات وخريجين، واختصاصيين يذهبون إلى الخارج لدراسة المسرح، أما في المحافظات النامية كالحسكة ودير الزور، فإننا نفتقد لهذه الإمكانيات”.
ويشدد على أنه رغم ذلك، و”بإمكانياتٍ وجهودٍ ذاتية”، ومن خلال القراءة والتعلم والاستفادة من خبرات وزيارات الأكاديميين من الدول الأخرى إلى المنطقة، “استطاعوا تطوير واقع المسرح في المنطقة”.