قصف تركي لمنشآت مدنية.. عشرات العائلات في القامشلي فقدوا مصدر رزقهم
دلسوز يوسف/ سامر ياسين ـ القامشلي
في حي جمعاية الشعبي بمدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، تجلس الأربعينية نشمية محمد، بجانب والدتها المريضة في بهو منزلهم بعدما فقدت عملها بسبب القصف التركي الذي استهدف مستودعاً للقطن كانت تعمل فيه.
وتسبب القصف بإصابة ‘‘محمد’’ بشظايا قذيفة في بطنها ورأسها بالإضافة لإصابة ثلاث عاملات آخريات، بينما فقدت عاملة تدعى ‘‘آية السبعاوي’’ حياتها.
‘‘كنت أساعد أسرتي في مصروف المنزل، والدتي معها مرض بالقلب وشقيقتي مريضة أيضاً (..) لكن بتنا نعيش بالتنقيط’’
وتستذكر “محمد” لحظة تعرضهم للقصف، وتقول لنورث برس: ‘‘كنا في استراحة الغذاء وعندما عدنا للعمل لم تمضِ ثوانٍ حتى تعرضنا للقصف’’. لتفقد بذلك فرصة عملها هي وشقيها الأصغر ، إذ إنهما المعيلان الوحيدان لأسرتهما المكونة من 11 شخصاً.
وتضيف بنبرة يغلبها الحزن: ‘‘كنت أساعد أسرتي في مصروف المنزل، والدتي معها مرض بالقلب وشقيقتي مريضة أيضاً (..) لكن بتنا نعيش بالتنقيط’’.
لماذا تستهدفنا تركيا؟
وشنت القوات التركية وفي الـ25 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، سلسلة من الهجمات بالطيران المسيّر والحربي والقصف المدفعي، تسببت بدمار كبير في البنى التحتية والمنشآت الحيوية والخدمية النفطية، والمشاريع الصغيرة، الاقتصاد في المنطقة،
وأدى القصف التركي على مدار ثلاثة أيام، لفقدان 11 شخصاً حياتهم بينهم امرأتان وأصيب 30 آخرون، بحسب ما وثقه قسم الرصد والتوثيق في نورث برس.
المكان الذي نعمل فيه ليس عسكرياً ولا يوجد حولنا نقطة عسكرية، فهو مستودع لنفش القطن. فلماذا تستهدفنا تركيا؟!
وبينما أوصدت المنشأة التي كانت تؤمن لـ”محمد” وزميلاتها العاملات، لقمة عيشهن، أبوابها، خشية من تجدد القصف، تجد السيدة الأربعينية نفسها حائرة أمام مستقبل مجهول.
وتتساءل باستغراب: ‘‘المكان الذي نعمل فيه ليس عسكرياً ولا يوجد حولنا نقطة عسكرية، فهو مستودع لنفش القطن. فلماذا تستهدفنا تركيا؟!
وتؤمن المنشآت الخدمية الخاصة في القامشلي فرص العمل للعشرات من العائلات ذات الدخل المحدود، في ظل الظروف المعيشية الصعبة وسط تدهور حاد لليرة للسورية أمام العملات الأجنبية.
ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة لحجم الخسائر المادية التي سببها القصف التركي الذي طال أكثر من 100 موقع في شمال شرقي سوريا، مؤخراً، إلا أنها تقدر بملايين الدولارات، وفق مراقبين.
وعلى بعُد مئات أمتار قليلة من منزل نشمية محمد، لازال ينتاب ثريا الجاسم التي كانت تعمل برفقتها في ذات المستودع، هلع وخوف منذ ذلك الحين.
وتروي وهي جالسة على كرسي في بهو منزلها تفاصيل يوم الحادثة، لنورث برس: ‘‘قبل الحادثة كانت الأجواء طبيعية، كنا نتحدث أنا والعاملات الأخريات ولم نشعر سوى بضربة أصابتنا وعندما فتحنا أعيننا لم نر سوى الغبار لنخرج من المستودع ونبدأ بالصياح”.
وكان عدد العاملات في المستودع، خمسة، إلى أنه وبعد القصف، تقول “الجاسم”: “هرع إلينا السكان من الشارع وأسعفونا، ولكن غابت عنا إحدى العاملات. نادينا عليها ولكنها لم تجب، ذهب أحد الشبان للبحث عنها فوجدها قد فارقت الحياة جراء تعرضها لإصابة في رقبتها”.
“أنا الوحيدة التي أعيل أسرتي، ليس لدينا أحد يعيلنا، وحالياً توقف العمل لا يوجد أحد يصرف على والداي”
أصيبت “الجاسم” بشظايا في قدميها، أخرج الأطباء شظيتان بينما لازالت ثلاثة في الداخل، ما قد يستدعي عملية جراحية، وفق ما أخبرها الأطباء.
وكمثيلاتها العاملات، كانت “الجاسم” المسؤولة الوحيدة عن إعالة والديها المسنان وسط ظروف معيشية قاهرة.
وتقول: “أنا الوحيدة التي أعيل أسرتي، ليس لدينا أحد يعيلنا، كنت أعمل لأجلب مستلزمات للمنزل، وحالياً توقف العمل لا يوجد أحد يصرف على والداي”.
وتضيف واليأس ظاهر عليها: ‘‘حالياً لا أستطيع الذهاب إلى العمل، بسبب إصابتي، كما أنني لازالت خائفة. أحياناً وأنا جالسة في المنزل أشعر وأن السقف سيسقط فوقي، هذه المرة نجوت من الحادثة لكن قد لا يحالفني الحظ مرة أخرى”.
العمل في خوف
وخلال الهجمات الأخيرة، استهدفت تركيا 121 موقعاً بإجمالي 179 ضربة في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا، تركزت أغلبها على المناطق السكنية والمنشآت الصناعية والخدمية التابعة للمدنيين، الأمر الذي آثار سخطاً شعبياً كبيراً.
وفي الحزام الشمالي للقامشلي وبفصله عن الحدود التركية بضعة أمتار، يعمل حمود نزال (35 عاماً)، ينحدر من ريف المدينة، مع مجموعة من العمال في مستودع للمياه المعدنية، تعرض للقصف التركي وأسفر عن أضرار مادية كبيرة.
ولا يخفي “النزال” مخاوفه من تجدد القصف، إلا أنه مجبر على العمل فهو مسؤول عن عائلة مؤلفة من 9 أشخاص.
“هذا المستودع يعيل نحو 50 عائلة، لكن القصف التركي شل الحركة وهذا يؤثر على عملنا”
يقول لـنورث برس: “كنت في المعمل قبل الضربة بقرابة نصف ساعة، بعدها أصبح الاستهداف عشوائياً، وفي اليوم التالي افتتحنا المستودع فرأيناه مدمراً”.
وبينما تنهمك بعض العاملات في فرز العلب التي لم يطلها الضرر عن المتضررة، يقول “النزال”: “هذا المستودع يعيل نحو 50 عائلة، لكن القصف التركي شل الحركة وهذا يؤثر على عملنا”.
ويضيف: “في حال حدوث استهداف جديد ربما يتوقف العمل كلياً ولا يسعني حينها إعالة أسرتي أيضاً”.
ومع مرور أسبوع على الهدوء، عقب القصف الأخير، إلا أن الخوف لا يزال ينتاب العمال، يشير “النزال”، إلى أنه “عند سماع أي أصوات قوية، فالجميع يصابون بحالة هلع وخوف، ولكن إذا لم نعمل لا نستطيع العيش”.