اتهامات متبادلة.. كيف ضربت عاصفة الانشقاق أحد أقدم الأحزاب الكردية في سوريا؟
أفين يوسف
لم يسلم الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، من عاصفة الانشقاقات التي طالت معظم أشقائه، لتكون مرحلة جديدة، وقد تكون أصعبها، في تاريخ الحزب الساعي للحفاظ على علاقات متوازنة مع محيطه.
وحافظ عبد الحميد درويش، وهو أول سكرتير للحزب على وحدته لنحو خمسة عقود إلا أن خمس سنوات بعد رحيله كانت كافية ليظهر الشقاق للعلن وتفرع الحزب إلى جناحين أحدهما بقيادة شقيقه صلاح درويش والآخر بقيادة أحمد بركات وأحمد سليمان، وعقد الجناحان مؤتمران منفصلان تحت المسمى نفسه.
مؤتمران وتسمية موحدة
كان المؤتمر الخامس عشر للحزب الديمقراطي التقدمي في العام 2018 هو آخر مؤتمر يحضره سكرتيره الراحل عبد الحميد درويش، وبات اليوم آخر مؤتمر موحد قبل الشقاق الظاهر.
وتقول أوساط مقربة من الحزب، إن مبادرات عدة ومحاولات كثيرة لحل الخلافات بين الجانبين قد جرت لكن دون نتائج، ويلقي كل جناح باللوم على الطرف الآخر ويصفه “بالكتلة المنشقة”، ويبدو أن الخلاف الرئيسي هو آلية إدارة الحزب.
وبعد خمس سنوات وتحت مسمى “المؤتمر السادس عشر” عقد جناح صلاح درويش مؤتمراً في 20 تشرين الأول / أكتوبر 2023 وانتخب كسكرتير للحزب، بينما عقد الجناح الثاني مؤتمراً آخر وفي 8 كانون الأول / ديسمبر، انتخب أحمد بركات سكرتيراً للحزب، وأحمد سليمان نائباً له.
ويعلق صلاح درويش لنورث برس، على سبب تأخر انعقاد المؤتمر، أنه كان “مفتعلاً من قبل الكتلة المنشقة” في إشارة إلى الجناح الآخر، بينما يقول أحمد سليمان “رغم كل الجهود والمحاولات للحفاظ على وحدة الحزب، إلا أنها لم تثمر، وأصرت الكتلة على الانشقاق وعقد مؤتمرها، واضطررنا فيما بعد إلى عقد مؤتمرنا أيضاً”.
ويعتبر صلاح درويش أن “للكتلة المنشقة” أهداف واضحة ضد شخصه، وأن التأخير بعقد المؤتمر كان لتقوية الكتلة في إشارة إلى جناح أحمد بركات، ويضيف درويش: “مشروعهم للنظام الداخلي قوبل بالرفض القاطع بنسبة 90% من قواعد الحزب”.
بينما يقول أحمد سليمان لنورث برس، إن “أكثر من 200 عضو شاركوا في المؤتمر، منهم 23 ممثلاً عن الحزب في أوروبا، وممثلين من مناطق حلب والشهباء وكوباني والرقة ومنبج، وممثلين من إقليم كردستان، بينما لم يتمكن ممثلو الحزب في تركيا من الحضور لأسباب أمنية”.
شقاق
ويُرجع درويش، الانقسامات إلى الفترة التي خرج فيها حميد حج درويش إلى إقليم كردستان، حيث تسلم إدارة الحزب في غيابه أحمد سليمان، مشيراً إلى تزامن ذلك مع الهجمات على سري كانيه/رأس العين، وتشكيل الحزب لجناح عسكري للوقوف والقتال إلى جانب وحدات حماية الشعب بزعامة وإدارة أحمد سليمان.
ويضيف: “ذلك كان بداية لدخول بعض الرفاق في عمليات فسادٍ ومحسوبيات من صفقات الأسلحة وغيرها”، حسب قوله.
ويشير درويش، إلى رفض شقيقه الأكبر تلك الممارسات التي جعلته يعود مسرعاً إلى الوطن حينها، مستشهداً بتساؤله لأحمد سليمان: “أحمد ما الذي يحدث؟ بعض القنوات ينشرون مقابلاتي ويضعون صورتك؟!
ويضيف، في المؤتمر الرابع عشر “هدد مؤيدو أحمد سليمان الأستاذ حميد بالخروج من المؤتمر أو الانسحاب من المجلس الوطني”، الأمر الذي جعله (حميد) يخضع لمطلبهم للحفاظ على وحدة الحزب.
بالمقابل، لا يعترف الجناح الآخر بجناح “درويش” وقال بيان نشرته اللجنة المركزية للحزب على فيس بوك، إن المؤتمر الذي سيترأسه صلاح درويش “لا يمثل” الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا.
ويرد “درويش” أن “المؤتمر جرى بأريحية تامة بمشاركة رفاق الحزب ومختلف الشرائح المجتمعية من مثقفين ووجهاء وعشائر وأحزاب وأطر سياسية مختلفة”.
بينما يتحدث أحمد سليمان الذي كان من المرشحين لنيل منصب سكرتير الحزب خلفاً لحميد درويش، عن تعديلات في النظام الداخلي، معتبراً “القضية الكردية قضية وطنية في إطار سوريا ديمقراطية موحدة”.
ويتقاذف الجانبان الاتهامات حول الانضمام لتشكيلات سياسية أو أطر معارضة جديدة، وقال قيادي من جناح أحمد بركات، إن جناح درويش سيعود للمجلس الوطني الكردي وجبهة السلام والحرية المعارضة، بينما قال عضو في جناح “درويش” لنورث برس إن الجناح الآخر “يسعى لجر بوصلة الحزب المتوازنة نحو جهات جديدة”.
وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر 2015، أعلن الحزب الديمقراطي التقدمي انسحابه رسمياً من المجلس الوطني الكردي.
ورداً على تلك الأنباء قال صلاح درويش، لنورث برس: “لا نرى في المجلس الوطني جسماً غريباً على الحركة الكردية وقد كنا من مؤسسيه، لكن ليس لدينا قرار في الوقت الحالي بالانضمام إليه”.
سياسة موحدة رغم الشقاق
ويضيف درويش، أنه تم اعتماد النظام الداخلي المنبثق عن المؤتمر الخامس عشر في 28/ 3/ 2021، والذي كان برئاسة الأستاذ حميد “تأكيداً على إرادة أغلبية قواعد الحزب”. مشدداً على أنهم مستمرون على نهجهم سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية.
وأن الحزب “سيعود كما كان المعبّر عن تطلعات وآمال الشعب الكردي في سوريا والرافعة المحقة للقضية العادلة للشعب الكردي”.
ومن جانبه يقول أحمد سليمان: “يجب ضمان نيل الشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة في سوريا”، مشدداً على “خصوصية الحركة الكردية في سوريا، وضرورة استقلالية القرار الكردي السوري”.
ويشدد على ضرورة أن تكون علاقاتهم وثيقة مع القوى الوطنية والفعاليات والقوى السياسية والشخصيات في سوريا، ويشير إلى وجود شبكة علاقات واسعة للحزب مع مختلف الأوساط الوطنية في سوريا، وأنهم منفتحون على الجميع دون استثناء.
خلط بين الحالة العشائرية والحزبية
ويقول الباحث في مركز الفرات للدراسات وليد جولي، لنورث برس: “للأسف إن الحركة الكردية منذ نشوئها تعاني من الخلط بين الحالة العشائرية والعائلية والحالة الحزبية، وبجميع الأحوال التسميات الحزبية التي تنتهي بمصطلح الديمقراطية لم تكن فعالة أو مجدية في نشاطهم أو أنظمتهم الداخلية”.
ويضيف، إن هذا ما حصل للحزب التقدمي مؤخراً، وتجلى من خلال الخلافات بين صفوف الحزب، ويعتقد أنها نتيجة “لتلك الثقافة المترسخة بين الأحزاب”.
ويوضح جولي، بأن عملية التحكيم يجب أن تجري على أساس النظام الداخلي للحزب، وإذا التزم أعضاء الحزب بأنظمتهم الداخلية ورؤيتهم السياسية فلن يكون هناك خلافات أو انشقاقات، ويشدد على أن المسألة هي مسألة استحقاقات بالدرجة الأولى، وهذا لا يخدم القضية الكردية بشكل عام ولا مسار الحزب السياسي.
ويشير الباحث السياسي، إلى أن المشكلة لا تتعلق بالحزب الديمقراطي التقدمي فقط، بل هي حالة تشمل معظم الأحزاب السياسية، ويشدد على أن هذه المشكلة يجب معالجتها ولابد من إحداث تغييرات كبيرة بهذا الشأن، ويعتقد أن ذلك يقع على عاتق الجيل الشبابي بالدرجة الأولى ومن الممكن أن يتم من خلالهم “تغيير تلك المفاهيم بالاتجاه الصحيح أو باتجاهات أخرى”.
من جانبه يصف الناشط السياسي فريد سعدون، حالة الانشقاقات التي تطال الأحزاب بشكلٍ عام بـ “الآفة”. ويقول في حديث لنورث برس، إن “هذه الآفة ليست خاصة بالحزب التقدمي وحده، بل هي مستشرية بين الأحزاب الكردية بشكل عام”.
ويضيف، أن معظم الانشقاقات تتعلق بأسباب موضوعية متعلقة بالنظام الداخلي وقواعد التعامل ضمن الحزب نفسه، وعدم التزام الأعضاء والقيادة بنظامهم الداخلي، بالإضافة إلى غياب الديمقراطية في مؤتمراتهم وانتخاب قيادة تأتي بشكلٍ شرعي عبر الأصوات في المؤتمر.
ويستطرد بالقول: “هناك أيضاً أسباب ذاتية متعلقة بالانتهازية والمصالح الشخصية، ومحاولة كل شخص الوصول إلى القيادة”.
ويوضح، أن حالة الانشقاق في الحزب التقدمي هي ليست الأولى منذ تاريخ تأسيسه، وأن انشقاقاتٍ كثيرة حدثت فيما سبق في جسم الحزب، وكان آخرها الانشقاق الذي حدث بعد رحيل سكرتيره الأستاذ حميد حجي درويش.
ويعتقد الدكتور “فريد سعدون”، أن الأسباب المباشرة لهذا الانشقاق هي “خلافات شخصية” لا أكثر ولا أقل، وهي غير متعلقة باستراتيجية الحزب أو بسبب تغيير في أفكار الحزب.
وينوه، أن الحزب التقدمي هو حزب براغماتي معروف بوطنيته ومعروف بأنه قريب من الحل السلمي والسياسي في سوريا، ومحاولة الحل في دمشق، ولديهم جملة من الأمور التي يؤمنون بها تختلف بينهم وبين الأحزاب الكردية الأخرى.
ويشدد، على أن الخلافات ليس لها علاقة بمسائل فكرية أو استراتيجية بل كلها منصبة على المسائل والخلافات الشخصية بين الطرفين الذين أديا إلى انشقاق الحزب.