حق المرأة في الميراث.. تفاصيل وجزئيات لم يتضمنها العقد الاجتماعي

القامشلي -نورث برس

يعتبر “حق المرأة في الميراث” من المواضيع الاجتماعية الإشكالية التي تصطدم بالواقع الاجتماعي والأعراف والتقاليد المجتمعية المتبعة في المنطقة حتى يومنا الحاضر.

وأثار العقد الاجتماعي الجديد في الإدارية الذاتية والذي صادق عليه مجلس شعوب شمال وشرق سوريا (المجلس العام سابقاً) في 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الجدل، حيث لم يتضمن بنداً صريحاً يتعلق بحق المرأة في الميراث أو آلية توزيعه ضمن العائلة.

وتقول عضوة لجنة صياغة العقد الاجتماعي الدكتورة عبير حصاف لنورث برس، “رغم عدم وجود بند متعلق بحق المرأة في الميراث في العقد الاجتماعي، لكنه يشير إلى قانون الأسرة والعائلة الديمقراطية، وعدة بنود ترتكز على حق المساواة بين المرأة والرجل”.

وتضيف أن “الدستور السوري مثلاً يعتمد في عدة مسائل على الشريعة الإسلامية ومنها الميراث، بينما يشدد العقد الاجتماعي على المساواة وعلى حقوق المرأة في المجتمع والعائلة والأسرة”.

قوانين سارية في شمال شرقي سوريا

ينظم قانون الأسرة الذي تم إقراره من قبل المجلس التشريعي في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 ، العلاقات الأسرية ضمن الأسرة الواحدة ويبين الحقوق والواجبات فيها دون تمييز، ويتضمن كل ما يتعلق بالحياة الزوجية والأسرية “عدا” موضوع الميراث. وهو شبيه بقانون الأحوال الشخصية.

وإبان تأسيس الإدارة الذاتية صادق المجلس التشريعي على “قانون المرأة” الذي أصدرته هيئة المرأة عام 2014، والذي ينص على بنود تجرّم الممارسات والانتهاكات بحق المرأة، ويُقر بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والأجور والشهادة في المحاكم وغيرها.

وحسب المادة 117 من العقد الاجتماعي الجديد، فإن مجلس المرأة للعدالة الاجتماعية مسؤول عن التنظيم والإشراف على مجالس العدالة للمرأة ويقوم بالدور القيادي في ترسيخ وتعزيز العدالة الاجتماعية.

ويستند على المبادئ الأساسية الـ 26 للأحكام العامة الخاصة بالمرأة والتي أقرها مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا خلال مؤتمره الأول في 11حزيران/ يونيو 2021، والذي يشدد في البند الـ 20 منه على المساواة بين المرأة والرجل في المسائل الإرثية.

مؤسسات تتبع آليات بديلة

توضح مسؤولة “دور المرأة” في القامشلي، بهية مراد، أن دُور المرأة تعمل على تلبية احتياجات المرأة واستقبال الشكاوى الأسرية والعائلية والاجتماعية المتعلقة بالمرأة، ويقتصر عمل الدار على تقديم الدعم والمشورة.

وتقول لنورث برس: “في قضايا الميراث، نقوم بتوجيه صاحبة الشكوى إلى مجالس الصلح واللجان التابعة لها، والتي تتبع آليات معينة لحل المشكلة”.

وتشير إلى أن دُور المرأة نظمت العديد من جلسات التوعية للنساء، من ضمنها جلسات حول “حق المرأة في الميراث”.

وتعمل مجالس الصلح على فض الخلافات بالطرق الاجتماعية وبالتراضي بين الأطراف المتخاصمة، وفي حال عدم استجابة الورثة الذكور لمطلب المدعية، يتم تحويل القضية إلى مجالس العدالة الاجتماعية في الإدارة الذاتية.

عشرات الدعاوي خلال عام

وتقول القاضية في ديوان العدالة بمدينة القامشلي روجين عثمان، لنورث برس: “نستقبل الدعاوي عن طريق لجان الصلح في حال تقدمت المرأة بشكوى للمطالبة بالميراث، ولم تتمكن اللجان من حل المشكلة بالتراضي، ولا تُقبل الدعوى إلا عن طريقها”.

وبلغ عدد الدعاوي الإرثية الخاصة بالمرأة، والتي تم تحويلها من دور المرأة ولجان الصلح والكومينات إلى دواوين العدالة (89) دعوى في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا خلال عام 2023، منها (31) دعوى في القامشلي.

وتضيف، أنه في “حال تقدمت المرأة بدعوى للمطالبة بحقها في الميراث لدى ديوان العدالة، يتم تسجيلها ثم يتم تبليغ المدعى عليه (الشخص الذي يستحوذ على الميراث)”.

وتمتنع معظم النساء عن التقدم بشكاوى متعلقة بالميراث لأسباب عديدة منها: “عدم وعيهن بالقوانين السارية في المنطقة وآليات تقديم الشكوى، وأيضاً تقيد بعضهن الآخر بالعادات الاجتماعية، أو التنازل عن حق الميراث تحت الضغط أو التهديد”.

إجراءات معقدة وتداخل في القوانين

ويطالب ديوان العدالة المرأة بعدد من الإجراءات كحصر الإرث، وإثبات وفاة الأب أو الأم (صاحب الأملاك)، إضافة إلى إبراز المستندات التي تثبت ملكيتها للمتوفى.

وتوضح القاضية “روجين” أنه، بعد تقديم المستندات المطلوبة يعمل “مصفي التركة” وهو شخص (مختص بتصفية التركات والأملاك) على تصفية التركة، وتقديم تقرير مفصل عن كل ممتلكات المتوفى، من ثم يتم إلزام الورثة بتسليم المدعية حصتها مع حفظ حقوق بقية الورثة في الميراث.

 على الرغم من وجود “ثمانية مواد” وعدة بنود أخرى تتعلق بحقوق المرأة، إلا أن العقد الاجتماعي الجديد لا يحتوي على تفاصيل أو جزئيات واضحة، خاصة بما يتعلق بالميراث، ويقتصر على الخطوط العريضة للحقوق والواجبات والأحكام.

وصاغت الإدارة الذاتية أول عقد اجتماعي إبان تأسيسها في “مقاطعات الجزيرة، وكوباني وعفرين عام 2014”. ثم تم تعديله إلى ميثاق الإدارة الذاتية عند إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في العام 2018، إلا أنه أغفل العديد من المبادئ الحقوقية الأساسية ومنها حق المرأة في الميراث.

وعلى الرغم من وجود “ثمانية مواد” وعدة بنود أخرى تتعلق بحقوق المرأة، إلا أن العقد الاجتماعي الجديد الذي تم المصادقة عليه في 12كانون الأول/ ديسمبر الفائت، لا يحتوي على تفاصيل أو جزئيات واضحة، خاصة بما يتعلق بالميراث، ويقتصر على الخطوط العريضة للحقوق والواجبات والأحكام.

وبهذا الصدد يقول المحامي فاضل قرموتي لنورث برس، إن “العقد الاجتماعي هو الأساس لكافة القوانين والتشريعات التي تتخصص بتنظيم العلاقات المختلفة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات الخاضعة لبنود هذا العقد”.

ويضيف، أن قضية الإرث وإنصاف المرأة التي حرمت خلال عقود ماضية وإلى الآن من حقها في الإرث سواء وفق الشرائع الدينية أو الوضعية وبنسب متفاوتة، فإنه “من الواجب إفراد بند خاص بحق المرأة في نيل حقها في الإرث بمختلف مفرداته سواء كانت أموال منقولة أم غير منقولة من عقارات ملك أو أميرية”.

ويشدد الحقوقي على ضرورة “توضيح شكل وكيفية حساب حصة الإناث من الميراث، إما استناداً إلى الشرائع الدينية المختلفة أو استناداً للقوانين الوضعية”.

ويشير إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار “التراكيب الدينية”، بحيث لا تتناقض المواد القانونية الخاصة بهذا الحق مع ما صدر من قوانين تخص المرأة، مع بيان أوجه ومفردات تساويها مع الرجل في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأحوال الشخصية.

إعداد: أفين يوسف ـ تحرير: معاذ المحمد