آردو جويد – حلب
يعاني الطفل محمود البالغ من العمر (14 عاماً)، وهو من قرية تل الضمان بريف حلب الجنوبي، شمالي سوريا، من الوحدة، بعد أن بترت يده اليمنى جراء إصابة تعرض لها أثناء قيامه برعي الأغنام في المناطق الزراعية المحيطة بقريته. مما أدى إلى انعزاله وتشوه صورة جسده.
ومخلفات الحرب في سوريا، واحدة من أخطر آثار الحرب الممتدة منذ أكثر من عقد، حيث تعمدت أطراف النزاع، وعلى رأسهم تنظيم “داعش”، خلال سنوات الحرب، زرع الألغام والأجسام المتفجرة بين مناطقها ومناطق الأطراف الأخرى من أجل حماية نفسها من الهجمات البرية المعادية, دون أن تشير إلى أنها منطقة خطرة وحتى لم تشارك المدنيين، في مناطقها، والجهات المعنية، خرائط توزعها, مما تتسب بزيادة حصيلة ضحايا مخلفات الحرب في البلاد.
فقدان الرعاية الأسرية
عائلة “محمود” المكونة من والديه وإخوته الستة، لا تملك أي أغنام لترعاها ولكنهم يجمعون الأغنام من القرية والقرى المجاورة ويسيرون بهم نحو المراعي الزراعية القريبة من القرى ويتقاضون عليها المال الذي يعيشون منه.
“محمود” الذي يعيش مع أسرته في منزل متهاوٍ يفتقر للأساسيات، يروي لنورث برس، تلك اللحظات المؤلمة حيث ظن أن بإمكانه إبعاد قطعة المعدن الموجودة عن المرعى والأغنام بعد مرحلة الحصاد الماضية، فأصيب. ليستيقظ في المشفى، وتكون الصدمة الكبرى والقاسية إذ وجد أنه خسر يده، لم يكن سهلاً عليه أن يتقبل هذه الإصابة.
وبعد الإصابة، لم تتمكن عائلته من توفير طرف صناعي له بسبب ارتفاع تكلفة تركيب الأطراف الصناعية، مما أدى إلى تحوله لأسيرٍ الوحدة، وخجولاً من تشوه جسده ويده المبتورة.
وحتى الجمعيات الأهلية التي قصدتها عائلته، للحصول على المساعدة، لم يتم الاستفادة منها لأن أغلبها تعالج الأطراف السفلية فقط، ما جعل من حالة “محمود” أكثر تعقيداً وصعوبة.
وقالت مصادر طبية محلية غير حكومية، لنورث برس في المنطقة، إن الأراضي الزراعية في الأرياف بحاجة لعمل من منظمات أو قوى مختصة في إزالة الألغام التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً على السكان وأطفالهم.
وبينت دكتورة وفاء العلو وهي طبيبة جراحة عامة تعمل ضمن المنطقة منذ عام 2016 بالتعاون مع منظمة SOS برعاية وحماية الأطفال المعرضين لخطر فقدان الرعاية الأسرية، أنه “وخلال السنوات الخمس الأخيرة سجل تعرض أكثر من 2000 طفل للإصابة بسبب عوامل ناجمة عن الأعمال العسكرية في الأرياف”.
وأشارت “العلو” أن الكثير من الأطفال المصابين لم يتم تقديم الرعاية الأسرية لهم، بسبب الأوضاع الاقتصادية للعوائل، ومنهم من هو مقعد وبحاجة دعم في أدوات صناعية لمعاودة التأقلم مع حياتهم الحالية والتعايش مع أوضاعهم من بتر أطراف وإصابات منها فقدان البصر والسمع أيضاً.
إزالة الألغام مأجورة
يشكل خطر الألغام ومخلفات الحرب تهديداً جسيماً لحياة الأطفال والسكان المحليين في ريف حلب الجنوبي، ويتوجب على الحكومة المحلية والمجتمع الدولي العمل سويا لإيجاد حلول إنسانية وفعالة وإنقاذ حياة الأطفال والمجتمعات المتضررة.
وتعتبر عملية تطهير المناطق من الألغام والأجسام المتفجرة واحدة من أطول العمليات بعد الحروب, حيث تستغرق عقوداً من العمل وبإشراف دولي,
وسجل قسم الرصد والتوثيق في النصف الأول من العام الجاري، في عموم سوريا، مقتل وإصابة 543 شخصاً بسبب مخلفات الحرب المنتشرة في سوريا، 70% منهم مدنيون, حيث بلغ عدد الوفيات 288 والإصابات 255.
وكحصيلة أدق، بلغ عدد الضحايا المدنيين من المجموع العام، 389 شخصاً، منهم 206 قتلوا و183 أصيبوا, بينهم 55 طفلاً قتلوا وأصيب 74 آخرون, كما قتلت 16 سيدة وأصيب 7 أخريات.
ويصف هشام سلوقجه (40 عاماً)، وهو من قرية هوبر في الريف الجنوبي لمدينة حلب، إصابة ابنة أخيه “نوره” بـ”الكارثة” فهي يتيمة الأبوين، وتبلغ من العمر تسعة أعوام وهي تعيش عند جدتها المسنة وعائلة عمها.
ويقول “سلوقجه”، لنورث برس: “المشهد كان مرعباً، عندما كانت تلهو مع أطفال آخرين قرب المنزل منذ 3 أشهر مضت، بترت ساقها بفعل لغم كان بالقرب من منزلنا، وعانى الأطفال الآخرين من إصابات مختلفة”.
ويضيف الرجل الأربعيني، إنه قصد الجهة الأمنية في منطقة تل الضمان للحصول على مساعدة في تمشيط المنطقة والتخلص من خطر الألغام، لكنه تفاجأ أنه يتوجب على سكان المنطقة دفع مبلغ مالي يصل لأكثر من 25 مليون ليرة سورية لقيام الفرق الهندسية المختصة في عملها.
ويشير إلى أنه عند استفساره عن سبب دفع هذا المبلغ، كانت الإجابة: “المنطقة آمنة وتمت معالجة موضوع الألغام فيها، ومعاودة العمل يفرض كلفة عالية بالنقل وعمل الكاسحة في المناطق الزراعية المفتوحة”.