إيران تستدرج سوريا إلى حرب أخرى

انخرط الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحزب الله بشكل مباشر في الحرب في سوريا دعماً لنظام الأسد منذ عام 2012. وقام الإيرانيون باستثمار الحرب في سوريا عسكرياً واقتصادياً لأن وجهة نظر طهران تكمن في إدراكها أن تحالفها مع سوريا أمر لا مفر منه ومن بين الأقدم والأكثر استدامة في المنطقة. والحفاظ على التوجه الجيوستراتيجي لسوريا كجزء من محور المقاومة هو هدف مشترك عالمياً بين القادة الإيرانيين. وهي بمثابة محور استراتيجيتها المتمثلة في “الدفاع المتقدم” ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وأصبح هذا النهج الإيراني أمراً علنياً الآن حيث تحولت سوريا وبسرعة إلى ساحة معركة ساخنة بين إيران وإسرائيل.

وأدت غارة جوية إسرائيلية مؤخراً على مشارف العاصمة السورية دمشق إلى مقتل مستشار كبير في الحرس الثوري الإيراني، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية. ويعتبر سيد راضي موسوي أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، وهو يعمل في هذا المجال منذ الثمانينيات. وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان تلاه التلفزيون الرسمي الإيراني إن “النظام الصهيوني الغاصب والوحشي سيدفع ثمن هذه الجريمة”. ومن المتوقع أن ينتقم الإيرانيون لهذه الخسارة الكبيرة، كما أن التصعيد متوقع بشدة.  

لم يكن مقتل عميل إيراني كبير حدثاً مفاجئاً. وقام الإسرائيليون بالتقاط ومهاجمة أهداف إيرانية في سوريا رداً على الهجمات التي تشنها الميليشيات الإيرانية المتمركزة في سوريا على الأراضي الإسرائيلية منذ فترة. وفي السابق، شنت إسرائيل العديد من ضرباتها داخل الأراضي السورية رداً على الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون التي يتم إطلاقها من سوريا. كما شنت إسرائيل غارات جوية على المطارين الرئيسيين في سوريا، دمشق وحلب، مما أدى إلى خروجهما عن الخدمة لفترة من الزمن. ومنذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة المجاورة، ظلت سوريا تعاني من التأثير غير المباشر، لكن إيران تستخدم سوريا الآن كجبهة ثانية ضد إسرائيل لرفع معنويات وكلائها في غزة. ومنذ بداية الصراع السوري، كان أحد أهم أهداف طهران هو تهيئة الظروف لمناورة تطويق الدولة الإسرائيلية. ولتحقيق ذلك، قام الإيرانيون بنشر أفراد ومعدات عسكرية على طول الحدود السورية الإسرائيلية وخاصة على مشارف مرتفعات الجولان.

وقد تم نشر قوات حزب الله، وكيل إيران الأكثر ثقة وقيمة، والميليشيات المتحالفة معه على طول الحدود اللبنانية السورية، حيث توجد جيوب كبيرة من الطوائف والمراقد الشيعية وبالقرب من معقل حزب الله في جنوب لبنان. كما نشر حزب الله مقاتلين في عمق سوريا، بما في ذلك حول مدينتي دمشق وحمص. وكانت هناك تقارير عن وجود مقاتلين لحزب الله في أماكن بعيدة مثل محافظة دير الزور في وادي نهر الفرات الأوسط. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت قوات حزب الله في مواقع عسكرية سورية بالقرب من الحدود الإسرائيلية السورية. وكان الهدف من هذا الانتشار والتمركز إشراك إسرائيل على جبهات متعددة. وحاول الإيرانيون في وقت سابق أيضاً استهداف إسرائيل من الأراضي السورية. وكان أبرز نشاط في هذا الصدد هو محاولة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، الرد على الحملة الدفاعية الإسرائيلية النشطة من خلال إطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل من منصة إطلاق مثبتة على شاحنة في سوريا. ودمرت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 50 هدفاً إيرانياً في سوريا رداً على ذلك. وأدت العمليات الجوية الإسرائيلية إلى إضعاف معنويات إيران لفترة قصيرة فقط، حيث بدأ الإيرانيون في استكشاف طرق أخرى لمهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية، وضمنت إيران إخفاء أنشطتها المستقبلية في سوريا من خلال الاندماج بعمق مع جيش الرئيس السوري الأسد ومع صناعة الأسلحة السورية.  

لقد أثر الوجود الموسع للإيرانيين، وخاصة في جنوب سوريا، على مفهوم إسرائيل للتهديد. ونتيجة لذلك، تزايدت الهجمات الإسرائيلية ضد المواقع التابعة لإيران. وتلعب إسرائيل دوراً دفاعياً عدوانياً، عازمة على إبعاد التهديد الإيراني عن جوارها المباشر في سوريا. ويمكن أن يكون هذا بداية دورة تصعيدية جديدة بين إيران وإسرائيل في سوريا مع تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها. ويجب على النظام السوري أن يفهم أنه إذا لم يتم احتواء هذه الحرب المستمرة بين تل أبيب وطهران في سوريا عندها لن تتردد إسرائيل في شن هجمات على مواقعها العسكرية التي تسلل إليها الإيرانيون.  

تصرفات إيران تعرض انتصار نظام الأسد للخطر، خاصة مع اقتراب الصراع الداخلي السوري من نهايته. ويتعين على الحكومة السورية أن تحول تركيزها نحو المهمة الضخمة المتمثلة في إعادة الإعمار، وألا تنجر إلى أي حرب مع إسرائيل. لكن إيران تبدو واثقة ومستعدة لخوض مثل هذه المخاطر، وتعتقد أنها لا تحتاج إلى أي موافقة من دمشق لمواصلة أنشطتها التدميرية. ويريد الإيرانيون سوريا غير مستقرة ومليئة بالصراعات، بحيث يمكنهم السيطرة عليها واستخدامها بسهولة. والآن يعود الأمر للحكومة السورية لتقرر ما إذا كانت تريد الجلوس على الهامش كمتفرج والسماح لإيران بجر بلادها إلى صراع آخر أو التدخل وتولي المسؤولية.  

كتبه مانيش راي لقسم اللغة الإنكليزية في نورث برس وترجم للعربية