أعياد ميلاد تنقصها الفرحة.. أشوريو الجزيرة يستذكرون أقربائهم المهاجرين
سامر ياسين – نورث برس
تفرغ وردية سكاكرها وحلواها التي أحضرتها للتو من السوق في أوانٍ للضيافة، وتتخيل بأنها تحضر نفسها للاحتفال بعيد الميلاد المجيد مع أقاربها وجيرانها، لكنها لبرهة تتذكر أنهم صاروا مهاجرين خارج البلاد.
وردية خوشابا (67 عاماً)، من بلدة تل تمر، بريف الحسكة، لم تتزوج لتعاني قسوة فراق الأبناء، لكنها تبكي اشتياقاً لأقاربها وإخوتها وأخواتها وجيرانها، الذين هاجر أغلبهم من البلاد، وترى بأن الأعياد دونهم لن تكون مثل الأعياد السابقة.
“فرق من الأرض إلى السماء”، بهذه الجملة بدأت وردية حديثها لنورث برس، مقارِنةً الأعياد السابقة مع أعياد هذه الأعوام وبالأخص العيد القادم. وتذرف السيدة دموعها على أهلها وجيرانها وتقول: “كيف يكون للعيد طعم وأنت بعيد عن أهلك؟!”
تصف وردية حال تل تمر في السابق، “كان عدد سكان بلدة تل تمر كعدد حبات تراب البلدة نفسها، كانت تبدأ الاحتفالات بعيد الميلاد قبل شهر من موعدها، ورغم العدد الكبير للسكان هنا، كنا نعتبر أنفسنا كأننا أبناء في بيت واحد، كنا جميعاً نأكل من صحن واحد وبملعقة واحدة”.
“غصة وحسرة”
وتشبه الأعياد بعد هجرة السكان بـ”الغصة”، وتضيف: “حتى أننا عندما نكلمهم في الهاتف، يأتينا شعور بأننا نريد الدخول إلى داخل الهاتف من اشتياقنا لهم، وتبقى هذه حسرة بقلبي حتى الموت، ومن الممكن أن أموت قبل أن أرى أقربائي وأهلي”.
وكان يقطن الآشوريين في بلدة تل تمر – ذات الأغلبية الآشورية سابقاً – وفي قرى تتبع لها على ضفتي نهر الخابور وصولاً إلى مدينة الحسكة، والتي يبلغ عددها 34 قرية، بالإضافة إلى بعض الأسر والعوائل في مدينتي الحسكة والقامشلي، وعدد قليل في الداخل السوري، كالعاصمة دمشق ومدينة حلب.
كرديانوس ماروكيل (60 عاماً)، من بلدة تل تمر، فضّل الحياة في بلدته عن حياته في ألمانيا، التي لجأ لها قبل 4 أعوام، وعاد قبل أشهر إلى بلدته ليكمل حياته هنا، رافضاً الخروج منها، تحت أي ظرف كان.
“ماروكيل” تحدث لنورث برس عما يشعر به عندما يرى بلدته فارغة من الآشوريين، “عندما أنظر إلى شارع بلدة تل تمر التي كانت تسمى (عروس الجزيرة)، وأراه فارغاً هكذا، أشعر بانهيار نفسي وحسرة، بعد أن سافر أغلب معارفنا وأصدقائنا”.
وعن سبب عودته من ألمانيا، يقول: “عدت لأنه لا يوجد حياة اجتماعية أبداً، أغلب الأوقات تكون جالساً والحياة معدومة هناك، ولم أستطع تحمّل ذلك، على عكس بلدتي هنا، بالقرب من منزلي وأهلي، ولكن البلد أيضاً باتت فارغة من سكانها بسبب المؤامرة التي أحكيت ضدنا في سوريا، والأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة، فهاجر أغلب السكان”.
أزمات وهجرة
من جهته صرّح المسؤول في الحزب الآشوري الديمقراطي (أدونيا كينا) لنورث برس، بأن “عدد السكان الآشوريين على ضفتي نهر الخابور كان يصل إلى 21 ألف نسمة، ولكن بسبب الأزمة السورية، والأزمة الاقتصادية التي حلت في البلاد هاجر الكثير من أهالي شعبنا الآشوري”.
وأضاف: “وبعد الهجمة الداعشية على حوض الخابور 23 شباط عام 2015، هاجر أكثر من 90% من شعبنا الذي كان متبقياً على أرضه هنا، والآن لا يتجاوز عدد السكان الآشوريين في الجزيرة السورية 1200 نسمة”.
وهاجر أغلب السكان الآشوريين من حوض الخابور مع بداية هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بداية عام 2015 على المنطقة، حيث سيطر التنظيم حينها على أكثر من 30 قرية أشورية، وقتل العديد من الآشوريين، وخطف أكثر من 220 آشورياً بينهم أطفال ونساء، قبل أن يتم إعادة الأغلبية منهم، بوساطة دولية.
وبالمقارنة بين أيام تواجد الآشوريين في الجزيرة والآن، أضاف “كينا”: “في هذه الأيام التي تشهد احتفالات بعيد الميلاد، كانت الاحتفال بشكل واسع وكبير، في السابق، من ناحية الأسرة الواحدة، ومن ناحية المجتمع، حيث كانت على مستوى الأسرة الواحدة عدة أشخاص في المنزل الواحد، ومن ناحية القرية كانت تمتلئ بسكانها”.
أما حالياً على المستوى الأسري، لا تتجاوز الأسرة الواحدة شخص أو شخصين، “لتكون البهجة والفرحة بشكل ضئيل جداً، وعلى المستوى الاجتماعي كانت هناك مبادرات بفرحة العيد، بالتبركة والتهنئة ما بين السكان، ولكن حالياً مقتصرة جداً على عدة أفراد فقط”.
ومن الناحية الدينية أيضاً، الكنيسة كانت تمتلئ بالمصلين، وخاصة الأطفال الصغار الذين كانت بسمة العيد لا تفارق وجوههم وعيونهم، أما الآن الكنيسة شبه خالية من الأطفال، بحسب المسؤول.