أصيب العالم بهلع نتيجة النزاع المرعب بين إسرائيل وغزة منذ السابع من شهر تشرين الأول، ومن الممكن أن تتفاقم الحرب بشكل أكبر.
يقوم وكلاء إيران في اليمن (الحوثيين) بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على السفن التجارية والسفن البحرية في جنوب إسرائيل منذ أسابيع. وازداد الرعب في الأسواق العالمية حيال ارتفاع خطر الملاحة عبر مضيق باب المندب.
تتزايد الضغوط على إدارة بايدن لضرب إيران وشريكها الحوثي لوقف هذه الهجمات. ويعتقد أنصار الرد القوي أن هذا سيردع حدوث حرب أكبر، ولكن إذا تجاوزت الولايات المتحدة الحد المسموح به، فإنها قد تنخرط في حرب تحتاج بشدة إلى تجنبها. إن رعب الصراع بين إسرائيل وغزة سيء بالفعل بما فيه الكفاية، ولكن اندلاع حرب أكبر سيكون كارثة للولايات المتحدة وإسرائيل والشعوب في جميع أنحاء المنطقة.
يمكن أن تمتد الحرب الأوسع نطاقاً إلى اليمن وسوريا ولبنان والعراق وإسرائيل وإيران نفسها. ستأتي في توقيت حرج بالفعل فيما يتعلق بالأمن العالمي حيث تعمل الولايات المتحدة لتوفير مزيد من المساعدة لأوكرانيا وإدارة التوتر المتصاعد في شرق آسيا بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. وستكون الآثار الإقليمية والعالمية أمر لا مفر منه وقد تستمر لعقود، مما يعيد الولايات المتحدة إلى صراعات واسعة النطاق في الشرق الأوسط لا تستطيع تحملها.
ومنذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تم تفادي حدوث حرب إقليمية. إيران، التي قدمت تاريخياً الدعم المالي والسياسي لحماس، سمحت لوكلائها في العراق وسوريا ولبنان بشن هجمات على أهداف أمريكية وإسرائيلية. وقد ردت الولايات المتحدة على وكلاء إيران وفي إحدى الحالات ردت على القوات الإيرانية نفسها أيضاً.
لحسن الحظ, لم تتطور هذه الهجمات إلى صراع أكبر بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. كما أن الحاملتين الجويتين الأمريكيتين المتواجدتين قبالة ساحل إسرائيل قد ساعدتا في ردع حزب الله عن شن هجمات كبيرة على إسرائيل من الشمال. في الوقت نفسه، قيدت إدارة بايدن إسرائيل من تنفيذ عمليات كاملة النطاق في لبنان, وللأسف، يشكل استمرار الحوثيين بالشحن عبر البحر الأحمر خطراً على توسع الحرب.
والحوثيون مجموعة متطرفة تسيطر على جزء كبير من اليمن، بما في ذلك العاصمة وهم عدوانيون للغاية تجاه إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر، هاجمت وحدات الحوثيين السفن التي تمر عبر البحر الأحمر باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، وفي تشرين الثاني/نوفمبر قاموا بخطف سفينة تجارية واحتجاز طاقمها. وقامت البحرية الأمريكية بإسقاط العشرات من هذه الصواريخ والطائرات المسيرة، ولكنها لا يمكنها أن تتوقع أن تعترض كل ما يطلقه الحوثيون بصورة دائمة.
يشير بعض المحللين إلى إمكانية التأثير على مبدأ حرية الملاحة وما يثير المزيد من القلق هو التكاليف الاقتصادية المباشرة على الشحن العالمي وأسعار النفط، وخاصة في الوقت الذي يبدو فيه أن التضخم قد تم السيطرة عليه مؤخراً.
من الصعب توقع الحجم الدقيق للأضرار الاقتصادية، ولكن يمكن أن تحدث أضرار عميقة ومن المحتمل أن تزداد مع مرور الوقت إذا ما تم تحويل المزيد والمزيد من السفن. قبل الأزمة، كانت 12% من التجارة العالمية و30% من شحن الحاويات تمر عبر طريق البحر الأحمر. ورأس الرجاء الصالح هو الطريق البديل الرئيسي، ولكنه يستغرق وقتًا أطول وأكثر تكلفة.
ووضعت هجمات الحوثيين إدارة بايدن أمام خيار صعب للغاية كما أن الطيف السياسي الأمريكي اليميني، الذي كان يستهدف إيران منذ فترة طويلة، يطالب الولايات المتحدة بالرد بشدة على إيران ويقول هؤلاء الخبراء والمسؤولون السابقون إن عرض القوة سيثني على المزيد من الاستفزازات من إيران ووكلائها وسيساعد في استقرار المنطقة. وانتقد جون بولتون، المستشار الأمني السابق لترامب، مؤخراً عدم تأسيس إدارة بايدن لقوة ردع ولو بسيطة داعياً إلى شن ضربات أمريكية أكثر تأثيراً، بما في ذلك الهجمات المباشرة على إيران.
وسيكون هذا مقامرة كبيرة بدلاً من ردع إيران، من شأنها أن تحفز الضربات الأكثر تأثيراً طهران على الانتقام في محاولة لحماية مصالحها وسمعتها، أو لتحذير الولايات المتحدة من الذهاب أبعد من ذلك, إذا تسببت الهجمات الإيرانية المضادة في وقوع خسائر كبيرة للولايات المتحدة، فستتعرض واشنطن فوراً لضغوط للرد بالمثل, هذا هو الطريق نحو حرب إقليمية أوسع قد تلحق أضراراً هائلة بمصالح الأمن القومي الأمريكي.
وقد سعى البيت الأبيض وبحكمة لتجنب هذا المخاطرة حتى الآن، وبالتالي قد يختار الرئيس بايدن الاستمرار في التسامح تجاه مضايقة الحوثيين للشحن التجاري رغم التكلفة الاقتصادية. وكانت أحدث استجابة من واشنطن لهذه الهجمات هي الإعلان في 18 أيلول/ديسمبر عن تشكيل تحالف بحري دولي للمساعدة في حماية الشحن عبر البحر الأحمر, وجعل الاستجابة تأخذ طابعاً دولياً لهجمات الحوثيين فكرة جيدة، ولكن التحالف صغير للأسف وقدراته ومفهوم عملياته غير واضحة.
في النهاية، قد تصبح التكاليف مرتفعة لدرجة أن العمل العسكري ضد الحوثيين يصبح أمراً لا مفر منه, و يمكن أن تقتصر الضربات التكتيكية ضد وحدات الحوثيين على الأرض في اليمن على تقليل الأضرار على الاقتصاد العالمي من خلال تقليل قدرة الحوثيين على الإطلاق في المقام الأول.
ينبغي أن يكون واضحاً أن هذه الضربات التي تأتي على مستوى منخفض قد لا تردع إيران عن دعم هجمات أخرى من قبل شركائها في المنطقة, كما سيعاني اليمنيون أيضاً تماماً كما تحاول الولايات المتحدة التباعد عن الارتباط بمعاناة مواطني غزة وستزداد الآثار الإنسانية إذا قررت واشنطن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية خارجية، وهو مقترح قام بطرحه بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً.
في الوقت الذي يعمل صانعو القرار الأمريكيون لإيجاد حل، يجب ألا يغيب عن أذهانهم أن هذه مشكلة عالمية، وليست مشكلة فقط خاصة بالولايات المتحدة وهناك العديد من الدول الأخرى التي لديها مصلحة كبرى في الحفاظ على تدفق التجارة وينبغي أن يشعروا بالضغط للمساهمة والمساعدة في حل المشكلة.
وفوق كل شيء، الصين، التي تعمل للخروج من ركودها الاقتصادي بعد جائحة كورونا، لديها الكثير لتخسره إذا تعرض الشحن التجاري عبر المضيقات للمزيد من التهديدات وينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم الضغط على الصين لاستخدام علاقاتها مع طهران لتشجيع ضبط النفس الإيراني, كما إن اتخاذ إجراءات بناءة يصب في مصلحة بكين الذاتية.
من المحتمل جدًا أن ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى شن ضربات على الحوثيين في اليمن إذا استمروا في هجماتهم على الشحن العالمي، ولكن يجب أن تظل هذه الضربات محدودة على المستوى التكتيكي, حيث تذكرنا تاريخ العمليات العسكرية من البوسنة إلى كوسوفو وأفغانستان وليبيا بأن الضغط لتوسيع الضربات يتزايد دائماً بمجرد بدء تلك الضربات.
وفي حال تأجيج المشاعر نتيجة العنف المروع في غزة وحرص الصقور في واشنطن على إلقاء طهران في النار وتعرض الاقتصاد العالمي للخطر، ستكون ممارسة ضبط النفس وتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقاً أمراً صعباً للغاية. وستكون هذه النتيجة الأسوأ بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة.