بعد ابتلاع البحر لأحبائهم .. ذوو ضحايا من كوباني يحذرون من قوارب الموت
كوباني – نورث برس
كل ما تأمله سلافا، هو أن يتعظ الأشخاص الذين يفكرون بالهجرة، مما جرى مع سابقيهم ويفكروا بخطورة الطريق قبل العزم على الأمر، وألّا يخاطروا بحياتهم ويهاجروا مناطقهم، لأن ما رأته من خوف وخطر “لا يوصف”.
عادت سلافا ويسو خليل (22 عاماً)، إلى مسقط رأسها في كوباني، بعد خمسة أيام من حادثة غرق قارب، تاركة جثث طفليها وزوجها وأصدقائها مدفونة في مقبرة جماعية بمكان لا تعرفه قرب السواحل الليبية.
ومطلع نيسان/ أبريل 2023، فقد 16 مهاجراً سوريا حياتهم غرقاً، قبالة السواحل الليبية أثناء ركوبهم البحر بقارب صغير باتجاه إيطاليا، وكان على متن المركب 25 مهاجراً غالبيتهم من السوريين.
تروي “خليل” تفاصيل رحلة لجوئها التي باءت بالفشل، بل وفقدت خلالها طفليها وزوجها، نقول لنورث برس، إنها خرجت مع عائلتها من كوباني باتجاه دمشق، وبعدها قرروا اللجوء إلى أوروبا عبر ليبيا.
انتظرت “خليل” رفقة عائلتها ستة أشهر في ليبيا، إلى حين موعد رحلتها، منها أربعة أشهر عاشتها في مستودع بمنطقة مهجورة (صحرواية) أشبه بسجن كان يقطنه نحو 200 مهاجر أغلبهم من سوريا، بينهم ثمانية عائلات من كوباني والمتبقين من درعا وريف اللاذقية.
وتقول “خليل” إنه في الثالث من شهر أذار/ مارس من العام الجاري، أخبروهم بموعد رحلتهم، حيث ركب 35 شخصاً في قارب صيد خشبي صغير.
قوارب تحمل فوق طاقتها
ولصغر القارب مقارنة بعدد الركاب، فإن امرأة وطفلها سقطوا منه بعد مسافة سير في البحر، وبعد مسير نحو 5 كيلومترات في البحر انقلب القارب بهم نتيجة تسرب المياه إلى داخله حيث فقدت “خليل” الوعي.
وتتذكر “خليل” كيف تم إخراج الغارقين من البحر ووضعهم بمكانين، فمنهم الأموات وبينهم طفليها وزوجها، ومنهم من كانوا على قيد الحياة، وستة أشخاص فقط نجوا من الغرق.
وبحسب حصيلة، تم نشرها من قبل السلطات السورية، فقد 17 شخصاً من درعا حياتهم، ومن بين 18 شخصاً من كوباني نجا سبعة أشخاص.
تقول “خليل” إن المهربين حاول إقناعها بالسفر مجدداً عبر البحر لكنها رفضت قررت العودة بعد أن عانت من الخوف وصدمت بأهوال البحر.
وتضيف “خليل” أن معظم من كان معهم في المستودع في تلك المنطقة انتظروا طويلاً وبعدها عادوا إلى إقليم كردستان العراق ومن ثم عادوا إلى منازلهم.
مجهول المصير
لا يزال محمود علي بركل (50عاماً) وهو والد لطفل فقد الاتصال به في البحر، بعد ركوبه قارباً قرب السواحل الجزائرية، ينتظر أي خبر عن مصير ابنه مع 16 شخصاً آخرين.
وسافر ابنه في حزيران/ يونيو من العام الفائت، إلى لبنان ومنه توجه إلى ليبيا ثم الجزائر، وبقي هناك 11 شهراً ، حيث تنقل من مهرب لآخر وبعدها ركب القارب وأخبرهم بأنه يسير في البحر منذ عشر دقائق ثم انقطعت أخباره حينها ولا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن.
وفي نهاية نيسان/ أبريل 2023، فُقد الاتصال، بقارب يحمل مهاجرين سوريين وجزائريين، بعد إبحاره من شواطئ وهران الجزائرية، متجهاً إلى إسبانيا.
وحينها قال أحد المهربين لـ “بركل” إن خفر السواحل القى القبض على ركاب القارب وسجنهم، ولكنه لم يتأكد من صحة تلك الأقاويل حتى الآن، ولا يعلم اذا ما كان ابنه على قيد الحياة أم فارقها.
ويناشد “بركل” حكومة الجزائر والمنظمات الإنسانية والأمم المتحدة بالعمل لمعرفة مصير ابنه ومن كان يرافقه في تلك الرحلة.
ويتمنى والد الطفل، أن لا يهاجر أحد من سكان المنطقة عبر البحر، “لا أريد أن يعاني والدٌ آخر كما عانيت أنا”.
ومطلع تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، فقد 18 شخصاً حياتهم في شواطئ وهران الجزائرية، بعد ركوبهم البحر أملاً بالوصول إلى أوروبا، وكان غالبية من فقدوا حياتهم من كوباني شمالي سوريا.
وفي التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت، وصلت إلى مدينتي كوباني ومنبج، جثامين تسعة سوريين قضوا في حادثة غرق قارب للمهاجرين قبال السّواحل الجزائرية.
تأثر الشباب باللاجئين
يقول المسن مصطفى إمام محمد (60 عاماً)، وهو والد أحد ضحايا الغرق في البحر، إنه لم يوافق على مخاطرة ابنه بركوب البحر، ولكن ابنه تأثر بأخبار المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، فقرر الهجرة.
وكان الشاب مسعود مصطفى محمد (34 عاماً) وزوجته علا عبد الرزاق (23 عاماً) وطفلتهما لارين محمد (4 سنوات) والذين ينحدرون من قرية “قره مزرعة” بريف كوباني الجنوبي، يعيش في لبنان ويعمل في مهنة الخياطة، فقرر هو وزوجته مع طفلتهما السفر من لبنان إلى الجزائر للتوجه إلى أوروبا.
ويضيف “محمد” أن ابنه بقي فترة طويلة مع عائلته في الجزائر بعد أن احتال عليهم المهربون، وفي شهر حزيران/ يونيو من العام الجاري، ركب القارب مع نحو 25 شخصاً منهم 18 من كوباني وعفرين وآخرين من الجزائر، فانقلب القارب بهم وغرقوا في البحر.
وكسابقيه، يرفض المسن فكرة السفر، ويأمل أن لا يفكر أحد بالهجرة إلى أوروبا عبر الطرق غير الشرعية، وخاصة عبر البحر.
يقول “محمد” إن من بين 25 شخصاً ركبوا القارب، نجا شخصين أحدهم من كوباني والآخر من الجزائر أما البقية فغرقوا وماتوا، منهم 17 من كوباني وعفرين والبقية من الجزائر.
ويضيف “محمد” أن جثامين 11 شخصاً بينهم جثامين ابنه وعائلته وصلت في شهر تموز/ يوليو الفائت، عبر مكتب العلاقات العامة في الإدارة الذاتية، وذلك بعد شهر من وفاتهم، حيث تم دفنهم بمقبرة القرية.
ويشير “محمد” أن على العائلات عدم إرسال أبنائها بطرق غير شرعية وطرق التهريب إلى أوروبا، لأنهم “يموتون في الجبال والغابات والبحار والمياه، ولا أحد يعرف مصيرهم، وخاصة أن الهجرة تتم من دول بعيدة لا نستطيع الوصول إليها بسهولة، فهم يدمرون بذلك حياتهم ويتركون حسرة في قلوب أهلهم وعائلاتهم”.