تحت وطأة الحصار الحكومي.. معاناة الكرد في حلب تصل ذروتها
محمد حبش – نورث برس
تتجدد مأساة نحو 300 ألف مدني من السكان الكرد في حلب وريفها، حيث يواجهون حصاراً تفرضه القوات الحكومية منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
وتمثل المناطق المحاصرة (مناطق الشهباء) في ريف حلب الشمالي، بالإضافة إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بمدينة حلب، النقاط الأخيرة الواقعة تحت سيطرة مؤسسات الإدارة الذاتية. وغالبية السكان في تلك المناطق هم نازحون فروا من هجوم تركي على مدينة عفرين في عام 2018.
ويحاول السكان التأقلم مع قرارات حكومة دمشق، “الصارمة” التي تمنع دخول المحروقات والمواد اللوجستية والأدوية، مما يجعل حياتهم تتأرجح على حافة كارثة إنسانية في ظل حصار يفتك بمخزونهم الاحتياطي.
ضرائب دون وجه حق
بدأت إجراءات الحصار بمنع الفرقة الرابعة دخول المحروقات بشكل نهائي، ومنعت سابقاً دخول المواد الغذائية والأدوية عبر حواجز تابعة لها أو فرضت ضرائب باهظة، دون وجه حق، على المواد الداخلة لتلك المناطق المحاصرة.
ووفقًا لمصادر خاصة لنورث برس، فإن حكومة دمشق، تسمح بدخول المحروقات ولكن بشرط حصولها على ضعف الكمية الواردة إلى المناطق المحاصرة في حلب وريفها، بالإضافة لدفع ضرائب للفرقة الرابعة.
ويدفع عن كل برميل 110 دولار أمريكي بعد أن كانت 90 دولاراً، كضريبة للفرقة الرابعة بشكل مستقل، تُفرض من قبل مسؤولين في الفرقة دون استناد لقرار رسمي أو مرجع دستوري، بحسب مصادر أخرى.
نازحون عاجزون
وتشتد معاناة السكان في هذه المناطق المحاصرة، وسط إقامتهم في مخيمات النزوح أو منازل متضررة بسبب معارك شهدتها تلك المناطق.
وفي منزل متهالك بريف حلب الشمالي، يحاول عزيز، وهو اسم مستعار، لنازح من عفرين، التكيف مع الوضع الحالي، ليقوم بتصميم مدفئة تشبه التي تستخدم لحرق الحطب، كوسيلة فعالة واقتصادية.
ولأنه لا يملك قدرة شراء الحطب على اعتبار غياب المحروقات، يقوم عزيز بحرق المواد البلاستيكية وقصاصات الأقمشة للتدفئة، وأي مواد أخرى.
وفي صورة تظهر المدفأة وسط دخان يملئ المنزل، يقول عزيز الذي يعيش مع عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال: “إننا مجبرون على التكيف مع رائحة البلاستيك والمخلفات، المهم أن نحظى ببعض الدفء”.
صورة لمدفئة ارسلها عزيز في منزله بريف حلب الشمالي – نورث برس
وكحال الرجل، يعجز أغلب السكان عن شراء الحطب الذي وصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى 3500 ليرة سورية، مع انعدام توفره بسبب منع السلطة المحلية قطع الأشجار.
وبالمقابل، لا يتوفر المازوت إلا في السوق السوداء، ويباع اللتر الواحد بـ 12 ألف ليرة، وهو مبلغ باهظ بالنسبة لأغلب السكان وسط قلة فرص العمل وتحديات اقتصادية تتزايد يوماً بعد يوم.
ويعيش عثمان وهو اسم مستعار لشاب عشريني، على أمل مفقود بتحسن حياته، يقول لنورث برس: “نعيش في سجن كبير، نحن محاصرون من كل الجهات، لا أحد يسمع صوتنا، لقد فقدنا الأمل”.
وتحاصر القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها، مناطق نازحي عفرين في ريف حلب الشمالي من ثلاث جهات، بينما لها منفذ وحيد يربطها بمدينة حلب، وتتحكم به حكومة دمشق.
ويضيف عثمان الذي يسكن مع والديه المسنين في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب: “لا كهرباء، لا محروقات، لا أدوية للمرضى، نعاني من الحصار منذ 6 أعوام”.
حي الشيخ مقصود المحاصر في حلب – نورث برس
استنزافٌ رغم التقنين!
وصف نائب الرئاسة المشاركة للإدارة الذاتية في ريف حلب الشمالي جمال رشيد، مناطقهم بأنها على شفى “كارثة إنسانية”، بسبب الحصار المفروض.
وأوضح نائب الرئاسة المشتركة، أن القطاع الطبي هو الأكثر تضرراً “كونه يوجد مشفيين فقط وتقتصر أعمالهما على استقبال الحالات الإسعافية العاجلة”.
وأضاف “رشيد” في تصريح لنورث برس، أن “السكان يعانون الأمرين سواء المضايقات على الحواجز الأمنية أو فرض الإتاوات على البضائع، بالإضافة لمنع إدخال الكثير من المواد الرئيسية الحياتية”.
وحذر “رشيد” من تفاقم الأوضاع الإنسانية، “في حال لم تدخل المحروقات في وقت قريب، فهذه المنطقة على شفى كارثة إنسانية، حيث خفضنا إنتاج الأفران والمياه باتت قليلة”، بحسب كلامه.
ويعيش سكان تلك المناطق ظلاماً دامساً مع غياب الكهرباء بسبب فقدان المحروقات، بالإضافة إلى أن البلدية أوقفت معظم أعمالها.
وأدى شح المحروقات لتوقف جميع أعمال مؤسسات الإدارة الذاتية ما عدا بعض الخدمات الأساسية مثل الأفران والمياه.
وتوصف الأعمال الخدمية التي تقع على عاتق البلدية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بـ”الإسعافية فقط”، نظراً لأن المخزون الاحتياطي من المحروقات شارف على النفاذ، لاستخدامه في الفترات الماضية، بحسب أمين عليكو الإداري في البلدية.
وأشار عليكو، إلى أن الحصار المفروض على المنطقة، “ما هو إلا نتيجة اتفاقات وتفاهمات بين دمشق وأنقرة، لتجويع السكان وتحقيق مكاسب سياسية تهمُّ الطرفين”.
وحمَّل إبراهيم شيخو، وهو ناشط حقوقي، في حديث لنورث برس، الحكومة السورية مسؤولية تقديم الخدمات لهؤلاء السكان بدلاً من فرض حصار عليهم، خاصة أن هؤلاء فقدوا كل ما يملكون بسبب العمليات العسكرية التركية على مناطقهم.