مؤيد الأشقر- نورث برس
لم تتصور عبير الخالدي، وهو اسم مستعار لسيدة من درعا تبلغ 45 عاماً، أنها قد تقف بين ابنتها وفرصة زواجها مهما كانت الظروف والأسباب.
لكنها ترى ابنتها الشابة اليوم “ضحية” بين مئات الفتيات الأخريات بسبب عدم تناسب العادات والتقاليد مع الظروف المعيشية للعائلات.
وتفرض التقاليد المتوارثة في درعا وأريافها تحمل عائلة الفتاة حين زواجها تكاليف ومصاريف لإقامة ولائم وتقديم هدايا.
ويحتاج ذوو الفتاة المقبلة على الزواج في درعا إلى ما يقارب عشرة ملايين ليرة سورية لتحمّل أعباء تبادل الزيارات والولائم والهدايا بين العائلتين.
مسميات وتقاليد
وقبل شهرين، تقدم لخطبة الفتاة شاب يمتلك مواصفات جيدة، تصفه الأم (بأنه من النوع الذي لا يُرفض)، لكنها اضطرت للرفض بسبب عدم قدرتها حالياً على تحمّل مصاريف سيفرضها الزواج.
وتعتمد العائلة في عيشها على عمل الأب كعامل بناء بأجرة يومية، واضطر مؤخراً للعمل في قطاف الزيتون بسبب ركود حركة البناء في المنطقة.
تقول الخالدي، لنورث برس، إنها تتمنى لو امتلكت أي شيء يمكن بيعه والانتفاع بثمنه لتحمل الأعباء المترتبة عليها في الفترة ما بين خطوبة ابنتها وزفافها.
لكنها مع عدم امتلاكها حتى لقطعة ذهب واحدة، ترفض استدانة المبلغ لما سيتسبب ذلك لزوجها من ضغوطات وإزعاج.
وتفرض العادات والتقاليد على أهل الفتاة المقبلة على الزواج تقديم عدة هدايا رفقتها إلى منزلها الجديد، قد تشمل أدوات كهربائية كشاشة تلفاز أو مكنسة كهربائية، وبعض الأغطية، إلى جانب المشاركة أحياناً في شراء ملابسها.
ولما يسمى “بقرص البخت” قصة أخرى، إذ يتوجب على أهل الفتاة العروس تجهيز الفطور للزوجين في أول يوم لهما، وتقوم الأم وسيدات من أقاربها بنقل الطعام إلى منزل الفتاة الجديد.
وقد تتعرض العائلة لانتقادات أحياناً، إذا لم تشمل الوجبة لحماً ودجاجاً ومقبلات، بالإضافة للفاكهة والعصائر والحلويات والمكسرات، تقدر سيدة في درعا تكلفتها بثلاثة ملايين ليرة سورية.
ورغم سطوة التقاليد، تعتبر عائلات أخرى أن الأمر لا يصل لدرجة رفض الزواج أو تأجيله لفترات طويلة، بل يمكن حل التفاصيل بالتفاهم بين العائلتين اللتين ستجمعهما صلة المصاهرة.
تفاهم وتيسير
وتروي سلمى رمضان (48 عاماً) أنها كانت شاهدة على زفاف شقيقة زوجها قبل أربعة أشهر، دون التقيد بالكثير من الأعباء المكلفة للعادات المتوارثة.
تقول إن عائلة الشاب أيضاً من ذوي الدخل المتوسط ولم يكن بإمكانهم تحمّل المصاريف الزائدة، لكن الأمور تمت بالتفاهم ودون تعقيدات.
وأعفت العائلتان بعضهما من تقليد الولائم على الغداء، مكتفيتين بزيارات اعتيادية، وحددتا تكلفة محددة لكل من المستلزمات، كستة ملايين ليرة للملابس وإكسسوارات التجميل، في الوقت الذي قد تصل فيه قيمتها الاعتيادية إلى عشرين مليون ليرة.
وتوضح رمضان أن تخفيض المصاريف كان لصالح عائلة الشاب كونها تتحمل الجزء الأكبر منها، كالاكتفاء بقطع الذهب الضرورية والتخلي عن إقامة الحفل في صالة.
وتشير إلى أن الكثير من العائلات لا تشرح ظروفها المعيشبة لتفادي الحرج الاجتماعي الذي قد يسببه ذلك، كاتهامهم بالبخل أو التركيز على الماديات.
يقول فيصل العيسى (52 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد وجهاء مدينة درعا، لنورث برس، إن من واجب العقلاء وضع حد لتحكم التقاليد في زواج الشباب والشابات.
ويشير إلى تكرر هذه الدعوة في المجالس التي يجتمع فيها السكان كمناسبات الزفاف والعزاء وخطب الجمعة، لكن البعض يعتقد أنه لا يمكن تغيير التقاليد أو تجاوزها.
ولا تخلو المناسبات الاجتماعية من تطرق أحد الوجهاء لهذه المشكلة، ونصح العائلات بتجاوز هذه الأعباء التي تقف في وجه سعادة أبنائهم وبناتهم.