حطابون مسلحون وفصائل ضد أشجار عفرين
شيلا عبدالحليم- نورث برس
يشعر خالد حنان بالألم والعجز معاً، وهو يراقب مسلحي فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وهم يقتلعون عشرات أشجار الزيتون التي يصل عمرها إلى 50 عاماً في عفرين شمال غربي سوريا.
ومنذ اجتياح تركيا وفصائل المعارضة المدعومة منها منطقة عفرين عام 2018، يقوم مسلحو الفصائل بقطع الأشجار وتحويل مساحات شاسعة من طبيعة خضراء إلى أراضٍ قاحلة.
ويتكرر مشهد قطع الأشجار في قرى ونواحٍ مختلفة في عفرين، لتذكّر العائلات الفارة بعد الغزو التركي بالدمار الذي حل بممتلكاتها ومن تبقّى من السكان الأصليين.
وتمنح تركيا تسهيلات لقادة الجيش الوطني السوري وعناصره، تسمح لهم بفرض رسوم على أصحاب الأراضي، وتتغاضى عن انحسار المساحات الخضراء، وتسهل عبور شحنات الخشب بين المناطق التي تسيطر عليها في الأراضي السورية وإلى تركيا.
وسجل قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس قطع 8,429 شجرة في عفرين على يد فصائل الجيش الوطني السوري منذ بداية العام الحالي 2023.

ملكيات خاصة
يقول حنان، وهو اسم مستعار لرجل من بلدة بلبل في عفرين يبلغ 65 عاماً، إن مقاتلي فصيل السلطان مراد، قطعوا 40 شجرة زيتون من أرضه، متهمين إياه بالتعامل مع الإدارة الذاتية سابقاً في عفرين.
ويشير إلى أنه قضى معظم حياته في زراعة الأشجار والعناية بها، وأنه لا يجيد القراءة والكتابة حتى، ليستنتج أن الاتهام ضده هو فقط للاستيلاء على ممتلكاته.
وفي حادثة أخرى، يقول ريناس أحمد، وهو أحد سكان قرية كفر شيل في شمال عفرين، لـنورث برس، إن مسلحين قاموا بقطع 50 شجرة زيتون من أرضه.
وتوجه المالك إلى نقطة التفتيش (تتبع الجيش الوطني) عند مدخل القرية،بعد عجزه عن الدفاع عن أشجاره أمام “العديد من حطَّابي الأشجار المسلحين”.
لكن موظفي نقطة التفتيش لم يعتقلوا أحداً من المعتدين بل اكتفوا بحجزالأشجار المقطوعة، بحسب ما يروي أحمد.
ويعتقد المزارع أن المسلحين كانوا متفقين مع مسؤولي نقطة التفتيش على عدم اعتقالهم.
يتحسر الرجل الآن على أشجاره التي كانت أعمارها تزيد عن 70 عاماً.
حصص واتفاقات
وتنسق فصائل الجيش الوطني السوري مع عناصر من عائلاتهم أو آخرين تم توطينهم في المنطقة لقطع الأشجار وتسهيل نقلها وبيعها مقابل حصص لكل منهم، بحسب أصحاب الأراضي.
وبحسب مصادر في المنطقة، يكون السبب الأبرز لقطع الأشجار في هذا الوقت من العام هو بيع الحطب للتدفئة، واستخدام تلك الأموال لصالح فصائل الجيش الوطني أو قيادييها.
لكن تقارير حقوقية رصدت خلال الأعوام السابقة عمليات تحطيب بهدف إنشاء مجمعات سكنية لتوطين عائلات مقاتلي الجيش الوطني السوري وعائلات نازحة قدمت من مناطق سورية أخرى.
فقد بدأت تركيا، منذ بداية العام الحالي 2023، في إنشاء 21 مستوطنة في عفرين، بدعم من منظمات كويتية وقطرية وسعودية وفلسطينية وتركية، بحسب قسم الرصد والتوثيق في وكالة نورث برس.
وفي تسجيل صوتي مسرب عبر تطبيق واتساب، يؤكّد تاجر من مدينة الباب شمال شرق حلب، التعاون بين تجار الحطب وفصائل السلطان مراد ولواء الشام والعمشات المنضوية في الجيش الوطني المعارض.
وتبلغ أسعار خشب أشجار الزيتون نحو 150 دولاراً أميركياً، بينما يُباع حطب الحراج كالأرز والصنوبر بما يتراوح بين 90 و110 دولارات، وترتفع هذه الأسعار كلما انخفضت درجة الحرارة، وفقاً للتسجيل الصوتي.
حراج وغابات
وتُعتبر غابات عفرين، التي تضم أشجاراً تاريخية تعود لقرون، ملكاً عاماً بحسب القانون البيئي والقانون الدولي الإنساني الذي يرى تدميرها أو الاستيلاء عليها غير قانوني، وتصفه بجريمة حرب ما لم يكن الاستيلاء مبرراً بضرورة عسكرية.
وذكر تقرير نشرته منظمة “باكس” الهولندية للمبادرة السلمية أن الغابات التي كانت تغطي أجزاء من منطقة عفرين التركية المحتلة انخفضت بحوالي 57 في المئة منذ العام 2018.
ونشر فايز الدغيم، وهو صحفي من مدينة تل أبيض شمال الرقة، مقطع فيديو على حسابه في فيسبوك، يظهر قطع الآلاف من الأشجار خلال ساعات قليلة في غابة تحيط ببحيرة ميدانكي بريف عفرين.
وأوضح الصحفي أن قطع هذه الأشجار لم يكن عملاً فردياً، بل تم بواسطة جرافات، وهذه ليست المرة الأولى، مشيراً إلى التهديد المستمر بحق الأشجار القليلة المتبقية.

ووثق بعض المراقبين المحليين، بما في ذلك منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بعض حالات قطع الأشجار وتأثيرها على المجتمع المحلي في ظل عدم توفر إحصاءات شاملة.
وكشف ممدوح طوبال، وهو مهندس زراعي من عفرين يقيم في الطبقة، لنورث برس، نتائج إحصاء للأشجار نفذته مديرية الزراعة في عفرين عام 2011.
وبلغ اتساع المساحات الغابية حينها حوالي 18,500 هكتار، ومساحات الغابات المزروعة 21 ألف هكتار، بينما وصلت المساحات المزروعة بأشجار الزيتون إلى حوالي 130 ألف هكتار.
وتفيد الأرقام بأن أكثر من 60 في المئة من المساحة الإجمالية لمنطقة عفرين كانت مزروعة بأشجار الزيتون.