سلام حسين الذي ملأت عفرين ذاكرته.. فملأ رواياته بها

الرقة- زانا العلي

يتجول الروائي سلام حسين بين رفوف المكتبة الوطنية في الرقة، فالثقافة والفن هو أحد العوالم التي ما يزال بإمكانه الوصول لها، على عكس ما يفتقده من أمكنة تعج بالذكريات والطبيعة والأشخاص، الأمكنة ذاتها التي ساهمت في تشكيل الفضاء العام لرواياته.

سلام كاتب وروائي كردي ولد ونشأ في بلدة جنديرس بريف عفرين شمال حلب، تمكن خلال الأعوام الخمسة الماضية من نشر ست روايات باللغة العربية، بالإضافة لمجموعتين قصصيتين باللغة الكردية.

ويتخذ الروائي الأمكنة الحقيقية التي نشأ فيها ساحة لأحداث رواياته، بالإضافة لتلك التي دفعته الحرب مع ملايين السوريين نحوها.

ويعيش حسين، الذي يبلغ 37 عاماً، مع شقيقه ووالدتهما في مدينة الطبقة غرب الرقة، بعد نزوح عائلته من عفرين إبان غزو تركيا للمنطقة عام 2018.

عفرين الحب والحرب

في إحدى زوايا المكتبة يروي سلام حسين، لنورث برس، كيف كانت بدايته في الكتابة منذ أن كان طالباً في قسم اللغة العربية  بجامعة حلب، حيث كانت الأشعار والقصص القصيرة التي يكتبها مهددة دائماً بعدم نشرها محلياً بسبب قمع السلطات لكل فكر حر، فكيف إذا كانت مكتوبة باللغة الكردية الممنوعة أيضاً.

واستغرق الكاتب عدة سنوات لإكمال روايته الأولى ” خطايا زهرة الزيتون” التي طبعت عام 2018، والتي تروي قصة حب وسط بيئة عفرين الطبيعية والاجتماعية ما قبل الحرب والواقع السياسي الكردي آنذاك.

الرواية الثانية “إله الورق” والتي كتبها سلام بعد نزوحه عقب اجتياح تركيا وفصائل المعارضة السورية الموالية لها لمنطقته، كانت عن فترة عمل الإدارة الذاتية ما بين عامي 2012 و2018.

العمل الروائي رصد في قسمه الأول زوال القيود عن الكتابة واللغة الكردية، وافتتاح اول جامعة كردية في منطقته، بالإضافة لاستمرار التسامح والتعايش في أوج الصراعات المندلعة في مناطق سورية أخرى.

وفي القسم الثاني للرواية تبدأ الحرب على عفرين في شباط/ فبراير 2018والمجازر بحق أهلها ثم مآسي النزوح من  المنطقة، وهي أحداث عاصرها الروائي في الواقع.

وطبعت الرواية في المرة الأولى عن “دار بوهيمة” في الجزائر بعد تغيير العنوان إلى “سبعة الكوبة” لاعتبار العنوان الذي اختاره كاتبها يمس معايير دينية، لكنها صدرت لاحقاً بعنوانها الأصلي في تونس عن “دار نقوش” عربية عام 2020.

وتتناول الرواية الثالثة “دوار النعيم” تجربة النزوح بعد الحرب على عفرين إلى مخيمات منطقة الشهباء شمال حلب ثم كوباني فالرقة، وتتاخل مع هذه الأحداث قصة سبية إيزيدية من شنكال نقلها مسلحو تنظيم داعش إلى الرقة.

ويُعرّف سلام رواياته الثلاثة الأولى بثلاثية الحب والحرب التي تركز بشكل عام على منطقة عفرين.

“حتى مناماتي داخل عفرين”

الحديث عن الذكريات في عفرين يبدو أعمق من أي رواية، فهو يفتقد الآن ارتباطه بالطبيعة والبيئة الزراعية، يذكر بحسرة طقوس جمع الفطر، التجول بين أشجار الزيتون، إشعال النار وسط برد الفجر، وجمع السماق.

ويكشف الروائي الشاب عن سر صغير، فما زالت مناماته كلها هناك في ضيعته “تتران” وجنديرس وعفرين، حتى الأشخاص الذين تعرف عليهم سابقاً لا يظهرون في المنامات.

وما بين الرواية والذاكرة والمنامات والحياة الحالية، يسرد الروائي خلال المقابلة، طقوس اجتماع الأهل والأصدقاء، زيارة الجبل والتوجه لبحيرة مديدانكي.

” أحببت تربية الحيوانات الأليفة الدجاج والحمام والأرانب والكلب، أتذكر حزني على الحمام الذي مات بسبب سم الحشرات الذي رشه الجيران”.

 والذهاب بدراجته النارية إلى قريته المعروفة محلياً باسم “تترو”، منزل جده والمصطبة أمامه، الغابة وأشجار التين واللوز والجوز، الفطروالبلوط والزعرور.

ويجد سلام أن من الصعب ممارسة هذه الطقوس مع أشخاص جدد في أماكن مختلفة، ذلك ما اكتشفه حين ملأ البلكونة في الطبقة بأحواض الزراعة المنزلية.

ويتوقف… “الموضوع ليس شخصي، تشتت العائلة وافتقاد الأمكنة يشمل أرجاء سوريا، يؤلمني أن يتوفى والد سوري في منزله ولا يكون ابناؤه حاضرين في جنازته”.

وفي عودة لرواياته، كتب “حسين” روايته الأخرى بعنوان ” الحذاء” التي صدرت في تونس وفي شمال وشرق سوريا، والتي تتحدث عن تجربته وأصدقاءه في ثانوية جنديرس التي درس فيها وتم تدميرها خلال الحرب.

أحداث الرواية تمزج بين الذاتية والواقع من جهة، لكن الكثير من التفاصيل متخيّلة وليست تسجيلية، بحسب الكاتب.

آخر عمل هو “كل شيء بدأ في بيروت” صدر مؤخراً في شمال وشرق سوريا، كما ستصدر قريباً في تونس.

“الفن إنسانية”

إلى جانب رواياته باللغة العربية، لـ “حسين” مجموعتان قصصيتان بلغته الأم الكردية، هما “Sêdarên Bajarên Sêwî” وتعني “مشانق المدن اليتيمة”، و””Darbesta Vala” وتعني “التابوت الفارغ”.

المجموعتان صدرتا عن دور نشر في شمال وشرق سوريا، وحازتا على جائزة أوسمان صبري الأدبية المحلية.

ورغم أن سلام حسين كغالبية الكرد السوريين لم يتعلم العربية إلا مع المدرسة، وتعمق فيها لاحقاً خلال تخصصه الجامعي، إلا أنه تأخر في النشر بلغته الكردية بسبب منعها سابقاً من السلطات في دمشق.

تكلم الكاتب في مجموعته الأولى على قصص حدثت أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” على منطقة شنكال، في حين ضمت المجموعة الثانية قصص مدن كردستان التي تعرضت للتنكيل على أيدي الأنظمة الحاكمة وويلات الحروب.

وبقيت للكتابة بالكردية تحديات أخرى، فدور النشر المحلية تعاني مشكلة في التسويق، إضافة لوجود غزارة وفوضى في طباعة الكتب دون مرورها على لجان مختصة، ما يكرر للمتلقي قراءة نماذج سيئة، بحسب سلام حسين.

وتعمل أربع دور للنشر في منطقة الإدارة الذاتية، وطبعت هيئة الثقافة خلال العام الجاري 2023 نحو 45 كتاباً، في حين مجموع الإصدارات إلى ما يقارب 300 كتاباً، بحسب هيئة الثقافة.

ويرى سلام أن الأدب الكردي مكتوب بعدة لغات بالإضافة الكردية، ولا يجد مشكلة في اللغة التي كتب بها، فهوية الأدب تحدد جنسيته.

ويتطلع إلى يوم يتمكن فيه السوريون من تجاوز الشروخ التي خلفتها الحرب بسبب الانتماء الأثني أو العقائدي، والعودة للتعايش بسلام.

يقول: “أعتقد أن من الصعب تجاوز كل ذلك، لكن يمكننا أن نصنع السلام، كلُّ بأدواته، الكاتب والفنان والسياسي والإداري وحتى العسكري، لإنهاء معاناة السوريين ابتداء بالمازوت والدواء وحتى الحصول على كتاب والتمكن من مشاهدة فيلم أو حضور معرض لوحات”.

فالفن، بحسب سلام حسين، قيمة جمالية في النهاية، وعندما يحرم الإنسان منه يفقد جزءاً من إنسانيته.

ويبحث الروائي اليوم عن الصفاء الذهني والوقت الكافي للوفاء لرسالة الأدب وإيصال تجربته للبعيد، فرغم أن تجربة الكتابة لا توفر مصدر دخل، وأن الضغوط على الكاتب تظهر في نتاجه، “لكن الصدق يبقى”.

تحرير: حكيم أحمد