غرفة الأخبار- نورث برس
تشن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، منذ 18 من حزيران/ يونيو الماضي، حملة اعتقالات طالت العشرات من قيادييها وعناصرها بتهمة “العمالة لجهات معادية”.
الاعتقالات شملت قياديين بارزين، بينهم أبو ماريا القحطاني والأمير السابق لقاطع حماة أبو يوسف حلفايا وابنه، ما دفع محللين سياسيين وخبراء عسكريين بوصف الحملة بسياسة تصفية يتبعها أبو محمد الجولاني.
وتتزامن اعتقالات القياديين مع حملات أخرى تستهدف مجموعات من عناصر الهيئة وآخرين من معارضيها.
وداهمت هيئة تحرير الشام، أمس الجمعة، مخيم كللي شمال إدلب، واعتقلت 13 شخصاً من بينهم امرأة ثلاثينية، بتهمة التخطيط للقيام بمظاهرات ضدها.
وذكر مصدر إداري في المخيم، لنورث برس، أن عناصر جهاز الأمن العام نقلوا المعتقلين إلى المركز الرئيسي في مدينة إدلب لاستكمال التحقيق معهم تحت بند “مكافحة الإرهاب”.
وتسيطر تحرير الشام على نحو 75 بالمئة من إدلب وأجزاء من أرياف حماة وحلب واللاذقية، وهي صاحبة النفوذ في شمال وغرب سوريا حيث فصائل المعارضة التابعة لتركيا.
وفي مسألة اعتقال أسماء بارزة في صفوف الهيئة، يتبادر للأذهان موقف بعض قيادييها المعارضين لتوجهات التطبيع مع حكومة دمشق، إلى جانب اعتقاد بعضهم بأحقيتهم في قيادة التنظيم.
محاولات تمرد
يرى محمود حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي المنضوي ضمن قوات سوريا الديمقراطية، أن هذه الإقصاءات أو التصفيات تهدف لإحباط محاولات بعض قادة الصف الأول الانقلاب على قيادة جبهة النصرة حالياً، مستغلين تباعد التيارات والأجنحة ضمن التنظيم.
ويضيف حبيب، لنورث برس، أن الرغبة في السيطرة والحكم سبب آخر، إذ يعتقد البعض أنهم أحق بالقيادة من غيرهم وأن التخلص من الآخرين مباح له.
وغالباً ما يتم التخلص من أصحاب النظريات الفكرية التي تستخدم نظرياتها للوصول الى السلطة، وخاصة القادة المحليون الذين تم إبعادهم عن مراكز القرار، بحسب حبيب.
كما يستأثر من يستفرد بقيادة الهيئة بالموارد الاقتصادية لمنطقة النفوذ، والتي تبلغ ملايين الدولارات الأميركية شهرياً.
وتحصل هيئة تحرير الشام على الأموال من خلال واردات المعابر والجبايات المفروضة على السكان بحجة الزكاة والضرائب وغيرها.
يعتقد حبيب أن الأموال أفرزت مراكز قوى مالية في تركيا، تمثل المصدر الأكبر لتمويل التنظيم.
وأن تلك القوى تتحكم بالتنظيم من خلال منح تسهيلات لحركة الأفراد والمشاريع وفتح مجالات الاستثمار والحماية لعناصر محددين من النصرة.
وأدرجت الولايات المتحدة الأميركية، منذ كانون الأول/ ديسمبر 2012،ة”جبهة النصرة” على لوائح الإرهاب، وجددت موقفها في أيار/ مايو 2018 بعد تغيير الاسم إلى “هيئة تحرير الشام”.
وشددت واشنطن في إعلانها آنذاك على أن “أساس الهيئة هي جبهة النصرة المدرجة على لائحة الإرهاب، وهذا التصنيف نافذ بغض النظر عن إعادة تسميتها أو من يندمج معها”.
فواشنطن تعتبر أن التصنيف كمنظمة إرهابية ينسحب أيضاً على البناء التنظيمي والفكري، وفقاً لقراءة الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي.
اتهامات فضفاضة
ولا تسمح القيادة الهرمية للهيئة لأحد من العناصر أو القادة بالخروج عن السياسة المحددة، فكل من يحاول تخطي توجهات قيادة التنظيم يكون مصيره التصفية أو الاعتقال.
ويرى حبيب أنه لا يمكن التحقق من صحة الاتهامات الفضفاضة “كالعمالة لجهات معادية”، في وقت تبدو علاقة قيادة الهيئة مع مخابرات النظام متحسنة، بمن فيهم الجولاني.
ولا يوجد أي إثبات حول شخصية الجولاني، كنسبه أو مكان ولادته ونشأته، ما يثير الشكوك حول كونه “ضابط استخبارات زرع لتنفيذ دور وظيفي”، على حد قول حبيب.
يقول فراس قصاص، وهو سياسي سوري، إن تحرير الشام ما تزال تعمم التطرف والتكفير على المشهد العام في شمال غربي سوريا، ما يحمل تهديداً لمشروع سوريا على المدى البعيد، وحتى بعد زوال “استبداد النظام”.
ولا يستغرب من شن الهيئة حملة اعتقالات حتى بين صفوفها، متسائلاً ما الذي يتوقعه المرء من تنظيم بتركيبة “أيديولوجية إسلامية بالغة التطرف، يعتبر الديمقراطية كفراً وتهمة، وينظر لحقوق الإنسان على أنها بدعة وضلالة”.
ويضيف أن ما سيثير الاستغراب لو أن الهيئة تقبلت وجود أي موقف اجتماعي سياسي لا يدور في فلكها.
وعن اعتقال القحطاني وحلفايا، يعتقد قصاص أن قيادة تحرير الشام تريد إعطاء مؤشر للمجتمع الدولي على أنها تتغير، وذلك على أمل أن تصبح مقبولة بدعم من تركيا التي تحاول أن تكون الهيئة جزءاً من مستقبل سوريا.
فتجميل صورة الهيئة يدفع قيادتها للتخلص من معارضي سياسة التطبيع مع حكومة دمشق، بالإضافة لحملات باسم مكافحة الإرهاب.