جواز السفر السوري .. وسطاء منتفعون وسكان يضطرون للدفع

غرفة الأخبار – نورث برس

تقف مايا في طابور طويل أمام دائرة الهجرة والجوازات بالعاصمة دمشق، بعد أن حالفها الحظ بحجز دور على المنصة الحكومية الإلكترونية قبل ثلاثة أشهر، على أمل الحصول على جواز سفر.

بات جواز السفر عائق أمام مايا يونس (22 عاماً)، للقاء خطيبها المقيم خارج سوريا، حيث ينبغي على الطرفان الالتقاء في بلد ثالث حتى يتمكنوا من البدء بإجراءات لم الشمل.

وتشهد فروع إدارة الهجرة والجوازات السورية اكتظاظاً شديداً، وطوابير طويلة، على الرغم من إطلاق منصة إلكترونية تهدف إلى معالجة هذه المشكلة.

وانضم إلى “يونس” في الطابور، عمال وطلاب جامعات وأطباء وموظفون وربات منزل، الذين خيم بعضهم طوال الليل، وكلهم يتطلعون للحصول على جوازات سفر ومغادرة سوريا الغارقة في الحرب منذ 13 عاماً.

وقالت “يونس” لنورث برس: “يجب أن أنهي وثائق سفري خلال أسبوع، وإلا فإن تأشيرة حكومة إقليم كردستان ستنتهي، لقد انتظرت بالفعل أكثر من ثلاثة أشهر”.

تأخير

ويواجه السوريون صعوبات في حجز مواعيد جوازات السفر، حيث يقدمون أوراقهم ولكن يتم رفضهم دون تفسير أو يضطرون إلى دفع مبالغ كبيرة كرشاوي لتسهيل العملية.

فبينما كانت واقفة في طابور الانتظار، أخبرها أحد الموظفين أن جوازات السفر التي كان من المقرر إصدارها ذلك اليوم ستتأخر لمدة ستة أشهر. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يتأخر فيها جواز سفر “يونس”.

وعزا مسؤولون في الحكومة السورية، التأخير في إصدار جوازات السفر إلى العقوبات الدولية. ويزعمون أن العقوبات قيدت الوصول إلى المواد الورقية اللازمة لطباعة جوازات السفر.

وما يثير الشك في صدقية هذا الادعاء، هو تمكن السماسرة مرارًا وتكرارًا من الحصول على جوازات السفر من خلال تقديم رشاوى كبيرة للمسؤولين.

وسطاء

وبعد فشل “يونس” في الحصول على جواز سفر، وبسبب اضطرارها للتواجد في أربيل خلال أسبوع، لجأت إلى وسيط، الذي بدوره استغل حاجتها لجواز سفر “فوري”، لتدفع له 900 دولار أميركي (نحو 13 مليون ليرة سورية بحسب سعر صرف 14200)، وحينها تمكنت الشابة العشرينية من الحصول على جواز سفر فوري بأقل من 24 ساعة.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أطلقت الحكومة السورية منصة إلكترونية لطلبات ومواعيد جوازات السفر، وبدلاً من حل مشاكل الاكتظاظ والتأخير، قدمت هذه المنصة فرصاً إضافية للفساد والوساطة.

وقال موظف في دائرة الهجرة والجوازات بالحسكة شمال شرقي سوريا، فضل عدم ذكر اسمه، لنورث برس، إن “المنصة الجديدة تفتقر إلى القدرة على مواكبة الطلبات الكثيرة؛ وفشلت في حل أزمة التزاحم، وفتحت أبواباً جديدة للفساد والسماسرة”.

وافترض أن المسؤولين الحكوميين “متورطون” في الممارسات الفاسدة المتمثلة في أخذ جزء كبير من كتيبات جوازات السفر وتقديمها إلى السماسرة مقابل الرشاوى.

وأضاف أن “موظفي الحكومة يلجؤون إلى قبول الرشاوى لتكملة رواتبهم غير الكافية، معتبرين الرشوة وسيلة أساسية لكسب قوت العيش”.

وأوضح أن هناك عدداً محدداً من كتيبات الجوازات يتم توزيعها يومياً، ولكنه لا يكفي لاستيعاب العدد الكبير من المتقدمين.

ودفع محمود يوسف (40 عاماً) مبلغ 3300 دولار أميركي لوسيط في الحسكة للحصول على جواز سفر “مستعجل” وشطب اسمه من قائمة المطلوبين للخدمة العسكرية.

وقال: “على الرغم من أنني كنت مطلوباً للاحتياط العسكري، إلا أن الوسيط تمكن من الحصول على جواز سفر”.

وأضاف: “لم اضطر للذهاب إلى فرع الهجرة والجوازات شخصياً”.

ويبحث الوسطاء بشكل مستمر عن العملاء على موقع فيسبوك، ويقدمون خدماتهم للأفراد سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها وحتى المطلوبين للحكومة.

وقال معتز الحماد، وهو اسم مستعار لوسيط، لنورث برس، إن “السماسرة يتقاضون رسوماً تصل إلى 300 دولار للجواز المستعجل، و400 دولار للفوري، و3300 دولار لجواز السفر للمطلوبين للخدمة العسكرية”.

وبحسب مصدر في الهجرة والجوازات، تبلغ رسوم الحصول على جواز السفر المستعجل مليوناً و5 آلاف ليرة سورية (نحو 70 دولاراً)، فيما يطلب السماسرة 300 دولار، وتتراوح المدة اللازمة للحصول عليها من ثلاثة إلى خمسة أيام.

أما خدمة جواز السفر الفوري، أي يصدر في  نفس اليوم داخل سوريا مقابل 111 دولارًا، بينما يطلب الوسطاء 400 دولار.

تكلفة جواز السفر غير المستعجل 65 ألف ليرة سورية. أما الحجز عبر الإنترنت فيتراوح سعره من 150 ألف إلى 250 ألف ليرة سورية، بينما يطلب الوسطاء 100 دولار. وتتراوح مدة الحصول عليه بين خمسة وتسعة أشهر، حسب المصدر.

أما المقيمون في الخارج ويرغبون في تجديد جوازات سفرهم فيتعين عليهم دفع 300 دولار للجواز العادي و800 دولار للجواز المستعجل.

أنفو عن أنواع جوازات السفر

إقبال كبير

يسعى السوريون، داخل وخارج البلاد، جاهدين للحصول على جوازات سفر على الرغم من الانقطاعات التي لا تعد ولا تحصى، والتكاليف الباهظة، والإجراءات المعقدة.

وحسب مصدر في الهجرة والجوازات، فمن 23 ألف إلى 25 ألف “جواز بطيء” يصدر في الشهر والواحد، أما المستعجل فيتراوح من 4500 إلى 5000 جواز.

وأغلب الراغبين في الحصول على جواز سفر هم من الشباب، حيث يحتاجون إليه للهجرة، مدفوعين بارتفاع معدلات البطالة، والأزمة الاقتصادية، والفوضى الأمنية، فضلا عن تجنب الخدمة العسكرية الإلزامية.

علاوة على ذلك، يحتاج السوريون في بلدان اللجوء إلى جوازات سفر صالحة لتمديد إقاماتهم المؤقتة، وتمديد وضع الحماية المؤقتة الخاص بهم سنويًا، والتقدم بطلب للحصول على الجنسية.

يسعى العديد من السوريين الذين تمكنوا من الفرار من البلاد إلى لم شملهم مع عائلاتهم التي قد تكون مقيمة في دول أخرى. يمكّنهم جواز السفر السوري من التنقل في عمليات الهجرة وزيادة فرصهم في لم شملهم مع أحبائهم.

ويحتل الجواز السوري المرتبة الثالثة في قائمة أسوأ الجوازات في العالم يليه العراقي والأفغاني في أسفل مؤشر هينلي لجوازات السفر. يُسمح لحامليها بدخول 30 دولة فقط بدون تأشيرة.