قبور على ضفاف الفرات.. مدافن أثرية تظهر بانحسار منسوب النهر
فياض محمد/ أحمد الناصر – الطبقة
بعد انحسار مياه الفرات وانخفاض منسوب بحيرته إلى مستويات قياسية، وصلت إلى عشرات الأمتار، لا سيما في البحيرة التي يصل طولها إلى 80كم، وتقع خلف سد الفرات الذي يبلغ ارتفاعه 60 متراً، ظهرت مدافن أثرية.
يقع سد الفرات بمدينة الطبقة، يحجز بحيرة خلفه كانت بعرض 8كم، بعد تدني منسوب مياه الفرات، تراجع العرض بشكل كبير، لا يوجد رقم محدد، لكنه انحسر بمئات الأمتار، ويزيد عن ذلك باتجاه الغرب.
تزخر سوريا بآلاف المواقع والمدن التاريخية، والكثير منها قام على ضفاف نهر الفرات، منها ما غُمر بعد إنشاء السد الذي يعتبر أكبر سدود سوريا، وغمر مساحة واسعة منها مواقعاً أثرية.
من المواقع الأثرية التي غمرتها مياه البحيرة مدافن قديمة تمتد من قلعة جعبر التي أُحيطت بالمياه، إلى منطقة شمس الدين غربي ناحية الجرنية 65كم غربي الطبقة، شمالي سوريا.
كشفها الانحسار
كشف انحسار نهر الفرات وانخفاض منسوب مياهه عن مدافن أثرية ظلت مخبئة لعقود نتيجة غمرها بالمياه، والتي لم تخضع لعمليات تنقيب من قبل فرق متخصصة، بحسب أثريين.
تحاذي تلك المدافن ضفة النهر وتتواجد على بعد مسافة 25كم غربي قلعة جعبر الأثرية، حتى حدود حلب الإدارية.
تلك المدافن هي مقابر أثرية لحضارات قديمة قامت على ضفاف الفرات قبل أن تندثر، يوجد في إحدى المقابر التي ظهرت، بوابة بداخلها درج ينتهي إلى تجويفات أصغر وهي عبارة عن مدافن كانت مغمورة بمياه نهر الفرات.
ويتكون شكل المدافن من حفرة في الصخر كبيرة وتتفرع منها حفر صغيرة وهي التي يتم فيها دفن الجثث، ومنها مدافن ملكية، ومدافن عائلات متنفذة، ومنها للعامة وكان يتم دفن الموتى مع حاجياتهم الثمينة والنفيسة.
ومن هذه المدافن ما كان ظاهراً قبل انحسار البحيرة، ولكن بعد الانحسار ظهرت بأعداد كبيرة، يقول مسنون من المنطقة القريبة من المدافن، إنهم عاصروا فترة بناء السد، فقبل حجز مياه الفرات، نقبت بعثات آثار في تلك المدافن.
ونقلوا عن أجدادهم روايات تفيد “بنهب الفرنسيين إبان فترة الانتداب، لجميع المواقع الأثرية لا سيما تلك المدافن، كما تعرّضت تلك لتخريب من قبل جنود فرنسا”.
تنقيب عشوائي
وفي الفترة الحديثة، تعرّضت تلك المواقع لتنقيب عشوائي وصل إلى التخريب، من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث استخدم التنظيم آليات ثقيلة وحفارات لعمليات النقيب والبحث عن الآثار التي كان يعتمد عليها كمصادر للتمويل.
ويضيف سكان كبار في السن، أن عمليات التنقيب التي قام فيها تنظيم “داعش”، أدت إلى تخريبٍ وتغيير في أشكال المدافن.
وفي تصريح سابق لنورث برس، قال ياسر شوحان، وهو خبير آثار، إن الكثير من المواقع الأثرية تعرضت للتخريب “غير الممنهج”، “لذا لا بد من وجود برامج توعوية للنهوض بالواقع الأثري والتاريخي من جديد”.
فيما قال سليمان إلياس، وهو خبير آثار أيضاً، إن الآثار تأثرت كما بقية مجالات الحياة بالصراع المسلح الذي تشهده المنطقة منذ عام 2011، وقد وصلت نسبة العبث بالسويات الأثرية إلى أكثر من 50 بالمئة.
كما وتعرضت أكثر من 15 بالمئة من المواقع الأثرية الموجودة في سوريا بشكل عام للضرر، ومن ضمنها الموجودة في مناطق شمال شرقي سوريا، وفقاً لقوله.
المدافن
وعن المدافن التي ظهرت بعد انحسار الفرات، قال جاسم الأحمد، وهو مسؤول بمكتب حماية الآثار في الطبقة، إن “تلك المدافن لها أنماط وأشكال متعددة، وقد نهبت سابقاً في فترة الاستعمار الفرنسي، ونعتقد أن هذه المدافن قد نهبت عدة مرات”.
ويضيف لنورث برس، أن قسماً من تلك المدافن بحسب أشكالها والدراسات، من الطراز البيزنطي وقسم يعود إلى الطراز الروماني وكلاهما على الديانة المسيحية، وفقاً لقوله.
ويوجد في المدفن الواحد عدة قبور، حسب عدد أشخاص العائلة، تبدأ بثلاثة قبور، وهنالك في أحد المدافن 13 قبراً، تعرّضت تلك لتخريب وتعديات خلال تعاقب جهات السيطرة على المنطقة.
ويوجد مدفن ملكي في قرية القرعة نحو 30كم شمال غربي الطبقة، عُثر بداخله على نقوش مهمة في علم الآثار تعود للعصر السرياني.
ويقول “الأحمد” لنورث برس، إن مكتب الآثار يقوم بجولات دورية تفقدية على المواقع الأثرية، كما أنهم عينوا حراساً عليها.
ويضيف أن اكتشاف (المغارات) لم يكن شيئاً جديداً لأن المنطقة ومحيطها تاريخياً تزخر بالأماكن الأثرية وتشتهر سابقاً بانتشار آثار لحضارات اعتنقت الديانات المسيحية.
بدوره يقول محمد الجبل، إداري في مديرية السياحة وحماية الآثار في الطبقة، إن سرير النهر يكتظ بالمواقع الأثرية قبل بناء السد، “تم غمر هذه الآثار بعد تشييد السد إلا أن انحسار المياه أدى لظهورها، ونحن بدورنا قمنا بتوثيق هذه المواقع الأثرية”.
وأضاف أن جميع المواقع الظاهرة سابقاً مسجلة لدى اليونيسكو لحماية الآثار، و “أًضيف موقع جديد بالفترة الماضية”، وفق قوله.
والـيونسكو، وكالة متخصصة تتبع منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945، مقرها الرئيسي في باريس، تضم 195 دولة. مهمتها أن تعلن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي، هذه المواقع تاريخية أو طبيعية وحمايتها وإبقاءها سليمة وهو أمر يطالب به المجتمع الدولي، وليس من مهامها حماية هذه الأماكن.