“نزوح وترك أعمال”.. مظاهر ترافق التصعيد العسكري بدير الزور

ماهر مصطفى – دير الزور

لم يعد يجرؤ أحمد على النزول إلى أرضه الواقعة على سرير نهر الفرات، خوفاً من الاعتقال وتوجيه التهم له، خاصة بعد التصعيد الأخير بين شرقي الفرات وغربه.

وتسيطر الفصائل الإيرانية وقوات حكومية وفصائل موالية لهما على مناطق غربي الفرات، فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، شريك التحالف الدولي بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مناطق شرقي النهر.

أحمد العلي، في الأربعينيات من عمره، وهو مزارع من سكان بلدة القورية بريف دير الزور الشرقي، شرقي سوريا، حرث أرضه لزراعتها بالقمح، لكنه لم يعد يستطع الوصول إليها.

منعوا من أراضيهم

يقول إنه مُنع وأقرانه ممن يمتلكون أراضٍ زراعية تحاذي نهر الفرات، من الوصول إلى أراضيهم منذ بدء التصعيد في دير الزور، “في حال مخالفتنا للقرار يتم إلحاق تهمة تعاون مع قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية”.

وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة القصف المتبادل بين مسلحين يتبعون للقوات الحكومية وإيران، و”قسد”، فيما تكررت حوادث استهداف القواعد الأميركية في دير الزور، كما رد الجيش الأميركي بقصف مواقع إيرانية في دير الزور.

أدت حالات القصف تلك لنزوح جماعي لسكانٍ، خوفاً من وقوع الصواريخ والقذائف العشوائية على رؤوسهم، بعدما شهدت المنطقة مؤخراً وقوع ضحايا جراء سقوط صواريخ وقذائف.

يضيف “العلي” لنورث برس، أنه لن يتمكن من زراعة أرضه وريّها، في الوقت الذي تمثّل مصدراً أساسياً لدخله، “لا يستطيع أحد النزول إلى ضفة الفرات لوجود قناصين من الفصائل الإيرانية يستهدفون أي تحرك أو شخص يقترب من نهر الفرات”.

وتتمركز المقرات العسكرية على أطراف الفرات، يتواجد فيها مسلحون من مناطق شرقي الفرات، ويحاولون التسلل بين الحين والآخر للعبور إلى مناطق شرقي الفرات لاستهداف مقرات “قسد”، وفقاً لـ “العلي”.

وجنّدت إيران وحكومة دمشق مسلحين واجهوا “قسد” إبان اعتقالها أحمد الخبيل “أبو خولة” قائد مجلس دير الزور العسكري السابق، الذي ارتكب مخالفات وانتهاكات بحق سكان دير الزور.

ويتزعم هؤلاء المسلحين، المدعو إبراهيم الهفل، وهو شيخ قبيلة العكيدات، والذي كشفت “قسد” عن إقامته في دمشق، وبين الحين والآخر يخرج “الهفل” بصوتية يدعو فيها لمواجهة “قسد”، حيث تتهمه الأخيرة بالتبعية للفصائل الإيرانية والقوات الحكومية.

دعم حكومي “للهفل”

ونزح خالد الجبير، من سكان بلدة الحوايج بريف دير الزور الشرقي، مع غالبية سكان حي المعبر إلى مناطق بعيدة عن نهر الفرات، بسبب القصف العشوائي المتكرر من قبل قوات دمشق ومسلحي “الهفل” الذين يستهدفون منازل السكان القريبة من نهر الفرات.

ومنذ أيام سقطت عدة قذائف صاروخية، أسفرت عن فقدان أطفال ونساء حياتهم، وإصابة آخرين، تبِعها سقوط عدة صواريخ في أراض زراعية بعيدة عن نهر الفرات في أيام لاحقة.

يضيف “الجبير” لنورث برس، أن منازلهم تعرضت للسرقة والتخريب بسبب ابتعادهم عنها، لكن في الوقت ذاته لا يستطيعون المكوث فيها خوفاً من قصف القوات الحكومية، الذي يتكرر بين الحين والآخر.

ومنذ بداية الشهر الجاري، سقطت أكثر من ثمانية عشر قذيفة مدفعية وصاروخية في منازل المدنيين والأراضي الزراعية في مناطق سيطرة “قسد”، مصدرها القوات الحكومية.

وتدعم القوات الحكومية مسلحي “الهفل” وتمهد لهجماتهم ضد مقار “قسد” بالقصف بقذائف المدفعية والهاون.

تخوف من مسلحين

ويقول عبد السلام الرفاعي، وهو من سكان بلدة أبو حردوب بريف دير الزور الشرقي، إن السكان باتوا يتخوفون من عبور المسلحين، الذي عادة ما يترافق مع قصف مدفعي من القوات المتمركزة غربي نهر الفرات.

وتسببت قذيفة هاون سقطت بأحد منازل القرية بفقدان أربعة أشخاص لحياتهم، كما أن السكان لا يقتربون من سرير النهر خوفاً من عبور مسلحين، وفقاً لـ “الرفاعي”.

ويضيف لنورث برس، أن غالبية مزارعي القرية لا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم، في الوقت الذي يعتمدون فيه على الزراعة كمصدر أساسي للدخل، كما باتوا يجدون صعوبة في سقاية ماشيتهم، فضلاً عن ارتفاع أسعار المياه من الصهاريج، التي امتنع أصحابها عن تعبئة المياه من النهر خوفاً من استهداف آلياتهم.

ويتخوف ناشطون في دير الزور من التعزيزات العسكرية للفصائل الإيرانية، واستيلائها على منازل مدنيين، واستخدامها كمنصات لإطلاق صواريخ لاستهداف مناطق شرقي الفرات، حيث تسببت بنزوح جماعي للسكان.

وهذه الاستهدافات والتصعيد يفاقم معاناة سكان غربي الفرات، في ظل صعوبة الظروف المعيشية وانعدام مقومات الحياة، والتي يزيدها سوءاً ممارسات الفصائل الإيرانية والموالية لها.

ويرى ناشطون أن السكان “الخاسر الأكبر”، حيث خسروا مواسمهم وتوقفت أعمالهم، وتركوا منازلهم، فضلاً عن انتشار الفوضى والمظاهر المسلحة، وكذلك التقارير “الكيدية” ضد سكان في مناطق غربي الفرات، بتهمة التعامل مع “قسد”، والتي تودي إلى التغييب القسري.

أما في شرقي الفرات؛ فتكاد الحياة تتوقف بالنسبة للأحياء المجاورة للنهر، وخاصة في بلدات الشحيل والبصيرة وذيبان، بسبب تخوف السكان من الاقتراب من السرير النهري لممارسة أعمالهم وري أراضيهم خوفاً من القنص، وفق ناشطين.

تحرير: أحمد عثمان