المخاطر المحتملة على النظام السوري نتيجة لحرب غزة

يبدو من غير المنطقي الحديث عن الأزمة السورية، واحتمال أن يتغير النظام السوري، في ظل الحرب المستعرة في غزة بين حماس وإسرائيل، واحتمالات تحولها إلى حرب إقليمية. أثير ذلك في حلقة نقاشية ضمت نخبة من المشتغلين في الحقل العام السياسي والثقافي، وجاءت وجاهة الإجابة بالإيجاب عند أغلب المشاركين في الحلقة من فرضية تفيد بأن من النتائج شبه المؤكدة للحرب تغيير خريطة الشرق الأوسط. يدعم هذه الفرضية ما يصرح به قادة إسرائيل، والعديد من قادة الدول الغربية، حول ضرورة تغيير الشرق الأوسط بعد توقف الحرب في غزة. ومن المرجح أن تكون سوريا في صلب هذا التغيير.

 وبالعودة إلى أجواء حلقة النقاش التي تميزت بحرارتها المرتفعة نتيجة الاختلافات الحادة في بعض وجهات النظر، بين من يحمل المسؤولية لحماس عما يجري لغزة وسكانها، وبين من يحمل المسؤولية لإسرائيل، ولدى كل طرف حججه ومؤشراته، ودون الخوض في نقاش مع وجهات النظر هذه، ركزت مساهمتي في الحوار على احتمالات انعكاس هذه الحرب على سوريا، وكيف سوف يتعامل النظام السوري معها؟

بداية ينبغي الإقرار بأن سوريا لن تكون بمعزل عن التأثر بهذه الحرب، وفيها نظام يحسب نفسه جزءاً مما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة. وثانياً، وهذا هو الأخطر، تجدد الحديث في إسرائيل حول أن إسقاط النظام في سوريا سوف يحرم حزب الله من عمقه الاستراتيجي، ومن كل إمكانية لتوصيل الدعم الإيراني له. وبالمناسبة هذا ما تتحسر على عدم حصوله في سياق الأزمة السورية إسرائيل، وأغلب فصائل المعارضة السورية، وخصوصاً تلك التي تشتغل معارضة في الخارج، رغم الاختلاف في الهدف.

فيما يخص النظام السوري يعد ذا مصداقية كبيرة القول باستحالة أن يتغير النظام من داخله، ويعود السبب ببساطة إلى أن النظام السوري هو نظام استبدادي متمحور حول السلطة، وليس حول الدولة أو المجتمع. الثابت في مواقف قادة النظام منذ بداية تفجر الأزمة السورية في عام 2011 هو أن الدولة السورية تتعرض إلى مؤامرة كونية تستخدم قوى الإرهاب المحلي والدولي أدوات لها، وبالتالي فإن أي إصلاح دستوري أو غير دستوري لا يمكن البحث فيه إلا بعد هزيمة الإرهاب.

وبعد أن شارفت الحرب على الإرهاب على نهايتها، بدأ قادة النظام يربطون الإصلاح المحتمل بإعادة الإعمار، وبما يسمونه بـ”التوافق الوطني”. وهم اليوم، كما في مراحل الصراع العنيف، لا ينظرون إلى الأزمة من منظار المجتمع وما يعانيه على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا من منظار الدولة وهي مقسمة إلى مناطق نفوذ تشغلها خمسة جيوش لدول أجنبية، عداك عن وجود نحو خمسة ملايين مهجر خارج البلد.

في ضوء ثوابت النظام هذه يمكن القول إن كل مشاركاته السياسية سواء عبر مسار جنيف التفاوضي، أم عبر مسار أستانا مجرد تكتيك لكسب الوقت من أجل حسم المعركة ضد المجموعات المسلحة الإرهابية وغير الإرهابية. يجادل البعض، وخصوصاً مؤيدو النظام، بأن قادته قد أجروا عليه إصلاحات دستورية عميقة في دستوره الجديد لعام 2012، وصار يوجد في البلد قانون للأحزاب وقانون للتظاهر وغيرها، غير أن أي قارئ موضوعي لهذه التعديلات الدستورية والقانونية لن يجد صعوبة في أن يتبين أنها مفصلة على قدِّ النظام، تعيد إنتاجه فحسب. أضف إلى ذلك وعلى امتداد حكم البعث كانت المشكلة الأساس ليس فقط في طبيعة القوانين المعمول بها، بل أيضاً في عدم احترامها وتنفيذها.

لقد نظر النظام إلى معارضيه دائماً على أنهم خونة أو عملاء، ولم يتساءل يوماً لماذا حصل هذا التمرد المجتمعي الواسع عليه في سياق الأزمة، وقاد الكثيرين منهم إلى حمل السلاح ضده. ولم يتساءل أيضاً لماذا صار بعض السوريين يفضلون إسرائيل أو تركيا أو أي بلد آخر على بلدهم. هل يصح تفسير كل ذلك باستخدام مفاهيم مثل “الخيانة والعمالة أو الارهاب”. قديماً قالت العرب “وظلم ذوي القربى أشد وأظلم”، فظلم النظام لشعبه هو السبب الرئيس لكل المأساة التي يعيشها الشعب السوري، وأي تفسير غير ذلك يجانب الصواب.

وبعد، إذا صح أن لا أمل في أن يبادر النظام لإصلاح نفسه، وسوف يقاوم إلى آخر مدى ممكن الضغوطات التي يتعرض لها سواء من حلفائه أم من غيرهم، فهل يدرك مدى خطورة ما يجري في غزة عليه، ومن خلاله على سوريا الدولة والكيان السياسي.

يمكن الجزم بأن قادة النظام الذين فاجأتهم حماس بهجومها على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول وما حصل من رد إسرائيل عليها، على دراية كاملة باحتمالات انعكاس هذه الحرب على سوريا، لذلك يجتهدون في إبعاد أنفسهم عنها. لقد منع النظام المسيرات الجماهيرية المؤيدة للفلسطينيين حتى الآن، وتغيب عن إعلامه الخطابات الحماسية المألوفة عادة، وحتى القذائف الصاروخية التي أطلقت من الجولان نسبها النظام إلى الجبهة الشعبية – القيادة العامة.

 وتدرك على ما يبدو حليفته إيران المخاطر التي من المحتمل أن يتعرض لها، لذلك فهي تسعى إلى تفاهم مع واشنطن على عدم التصعيد الإسرائيلي والأمريكي على الجبهة السورية في مقابل بقاء النظام والإقرار بشرعية الوجود الإيراني في سوريا. وفي هذا الإطار جاء اتصال رئيس دولة الإمارات بالرئيس السوري ليحذّره من التورط في حرب غزة، مقابل أن تضمن أمريكا عدم مهاجمة إسرائيل لسوريا.