آردو جويد – حلب
تصف عزيزة مدارتي (45 عاماً)، وهو اسم مستعار لمعلمة في إحدى المدارس الحكومية بحلب، الوضع التدريس الحكومي بـ”المتراجع بنسبة كبيرة”.
وتعدد “مدارتي”، عوامل لذلك التراجع منها “البيئة التعليمية ونقص المعلمين المؤهلين”، خاصة مع وصول العام الدراسي لمرحلة الامتحان الأولى بمستوى طلابي معدوم.
مع اقتراب بدء الامتحانات الأولى في المدارس بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، يظهر تدهور مستوى الطلاب وضعف أداء المدارس الحكومية وتقليل تنمية قدرات الطلاب على خوض الامتحانات بدون دورات خاصة لأكثر من 500 ألف طالب/ـة يتوزعون على 1400 مدرسة بين المدينة والريف.
دروس خاصة
تعاني معظم المدارس الحكومية من نقص في الموارد التعليمية وتأثير الحرب المستمرة منذ سنوات، مما أدى إلى تدهور واضح في جودة التعليم وأداء الطلاب، وفقاً لمشرفين تربويين ومعلمين.
وما يؤثر على التدريس المنهك في مناطق سيطرة الحكومة وخاصة في حلب، هو نقص الكوادر التعليمية وعدد الطلاب الكبير في الفصول الدراسية، نتيجة الزلزال الذي ضرب المدينة وتحول بعض المنشآت التعليمية لمراكز إيواء للمتضررين.
وتوقفت “مدارتي”، عن التعليم لتنتقل إلى استلام المكتبة ضمن المدرسة، تقول لنورث برس، إن ابنها يعيش أسوء مراحل التعليم وهو في عمر العشرة أعوام بالصف الثالث وهو في الحلقة الأولى الابتدائي.
وتضيف “مدارتي” وهي من سكان حي المواصلات القديمة شرق حلب، وتسعى لرفع مستوى ابنها في اللغة الإنكليزية: “تعلم اللغة في المدارس الحكومية متدنٍ لدرجة أن الطلاب يصلون إلى الصف السادس وهم لا يعرفون الأحرف وبعض القواعد الأولية”.
ويعتمد التدريس بالمرحلة الأولى على “ضمير المعلم” الذي أصبح يرفع مستوى الطلاب الذين يخضعون إلى دورات خاصة لدى المعلم ذاته، “إذ يقوم الأخير بإضافة علامات لهم ضمن المدارس الحكومية”، بحسب المعلمة.
وتضيف: “كما أن الطلاب يعانون من نقص الموارد التعليمية الأساسية مثل الكتب المدرسية الجديدة وخوض تعليم ممنهج من قبل المدرسين للمواد الدراسية، ويجبر ذوو الطالب على إرساله إلى دورة خاصة في منزل المدرس”.
ولسوء التعليم يضطر معظم الطلاب للدورات الخاصة، وتصل التكلفة شهرياً، بحسب المادة، إلى 100 ألف ليرة لخمسة دروس لا تتجاوز القيمة الزمنية للدرس الواحد الساعة.
التعليم بالوكالة
تدني مستحقات المعلمين في المدارس الحكومية يؤثر سلباً على جودة التدريس وتركيزهم في القاعات الدراسية. ويعتبر الأجر المناسب والمحفز أمراً حاسماً لدفعهم وتحفيزهم على القيام بأداء أفضل.
تقول وداد الأحمد (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لمديرة في إحدى المدارس الحكومية بحلب: “قبل بداية العام الدراسي نقدم العديد من طلبات التدريس بالوكالة لفئة من الطلاب الجامعيين أو حاملي شهادة الثانوية لدعم نقص كوادر التدريس”.
وتضيف المعلمة التي تسكن في حي الميدان بحلب، لنورث برس، أن الجهة المسؤولة عن التعيين في الوزارة تفرز المتقدمين إلى طلب وظيفي ضمن قطاع التعليم للتدريس خلال الخمس سنوات الأولى في الأرياف لخوض تجارب التعليم قبل نقلهم إلى مدارس المدن.
ويعاني المدرس، خريج كلية التربية، تحديات مالية كبيرة، خاصة بعد دراسة لمدة خمس سنوات، إذ يعمل لساعات طويلة ويقدم إسهامات قيمة، ولكن بدون تلقي الأجر المقابل الذي يستحقه.
ويتقاضى الخريج الجديد والمدرسون في الوكالة نحو 240 ألف ليرة شهرياً، بينما المدرّس القديم، بحسب سنوات الخدمة، يصل راتبه لـ 350 ألف ليرة، لمن أتم الثلاثين عاماً من الخدمة في القطاع التعليمي.
ويتعاقد الخريجون مع مدارس ومعاهد خاصة لتحسين دخلهم وحياتهم المهنية والاجتماعية وتسليم مكانهم في الأرياف للحاصلين على شهادة الإعدادية أو الثانوية من ذات المنطقة بالريف مقابل الأجر الحكومي للتدريس، “مما يجعل مستوى التعليم يتراجع لمراحل لا تحتمل عقباها”، بحسب المديرة.
“ولا شي”
قال رضوان حمادة (35 عاماً)، وهو من سكان حي الهلك بحلب، “لم تعد الفترة التي يقضيها ولده في المدرسة الحكومية تأتي بالنفع”.
وفي كل يوم يسأل الأب ابنه السؤال ذاته: “شو عطوك اليوم؟ ليكون جوابه: “ولاشي ومعلمة واحدة لأغلب المواد ودون دروس حقيقية”.
ويشير “حمادة” في حديث لنورث برس إلى أن ولده محمود، يدرس في الصف السادس من المرحلة الابتدائية وهي تعد مرحلة تأسيس، “لكن معظم الطلاب في الوقت الحالي يخضعون إلى دروس خاصة في معاهد ودروس خاصة تعود بالنفع المادي للمدرس الذي اغتنم الإهمال في المدارس الحكومية لزيادة دخله الشهري”.
وهذا العام وصلت أجور المدارس الخاصة في حلب للمرحلة التأسيسية لأكثر من عشرة ملايين ليرة، والمعاهد الخاصة للشهادات الإعدادية والثانوية نحو أربعة ملايين ليرة، في سبيل رفع مستوى العلم لدى الفئة العمرية التي تخوض حرباً نفسية إلى جانب حرب حرمان كبيرة لهذه الأجيال من التعليم، الذي تقول الحكومة السورية إنه ضمن الأولويات وتقدم له مليارات من الدعم.