“هيمنة ثقافية” للحكومة السورية.. أعمال فنية بصبغة دمشق تغاير ثقافة القامشلي
دلسوز يوسف ـ القامشلي
تحولت لوحات فنية على الجدران في أحدى الأزقة وسط مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، والتي تجسد نمطاً للأحياء القديمة في دمشق، والتي نفذها مجموعة شبان، مؤخراً، لحالة جدل بين المجتمع المحلي، بأنها لا تمثل الثقافة والبيئة المجتمعية المحلية.
وانتقد السكان المحليون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، طابع اللوحات الذي حمل اسم ‘‘حارتنا القديمة’’، أنه يمثل نمط الأحياء الدمشقية، وأنها لا تتشابه مع النمط المعماري والمعالم الأساسية للمنطقة، رغم تأكيد القائمين على العمل أن الهدف منه “التزيين وإضفاء جمالية للأحياء، وأن الفكرة نابعة من شكل الأحياء القديمة”.
واعتبر الكثيرون أنهم كانوا يأملون تسليط الضوء على “الهوية الثقافية لشعوب المنطقة، التي تشتهر بغناها الثقافي والقومي، وأن مثل هذه الأعمال هو استمرار للهيمنة الثقافية التي زرعتها الحكومة السورية على مدى عقود من الزمن، في عقول شعوب المنطقة”.
![](https://npasyria.com/wp-content/uploads/2023/11/2-33-1024x576.jpg)
‘‘تقليد’’
ضمن الزقاق الذي يقطن فيه، يسترق محمد مراد (73 عاماً) نظرات إلى رسومات بألوان باهية، ويقول: “نحن نقلد غيرنا مع تطور الأدوات، مثل استبدال البيوت الطينية بالبيوت الاسمنتية، لكن لايزال يوجد بيوت طينية مميزة في القامشلي وعامودا، والمؤلفة من طابقين والتي تسمى (علية)”.
ويضيف لنورث برس: “كان بالإمكان رسم أشجار زيتون وحقول القمح أو آليات تحصد وتحرث أو ترش البذار، بالإضافة إلى الطيور”.
ويوضح السبعيني الذي يرتدي بزة رسمية بينما يقف المارة لالتقاط الصور بالقرب من الرسومات، أن “التشبه بهذه الثقافات يعود لانتشار وسائل التواصل. العالم بات قرية صغيرة، فهناك الكثير من المطاعم والفنادق والمقاهي تقلد الدول الغربية ليس شرطاً بيئة المنطقة”.
ويضيف: “لذلك نحن نتأثر بالاتصالات والاطلاع على ثقافة الآخرين. نأخذ منها ما يعجبنا ويناسبنا، أحياناً نتأثر كثيراً وأحياناً القليل، والجيل الجديد يأخذ هذه الثقافات من الإنترنت وتطور التواصل الاجتماعي”.
ورغم اهتمام الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بالجانب الثقافي بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إلا أن مراد، يشير بأن الاهتمام بالثقافة يبدأ من المدارس والتربية في المنزل.
ولفت إلى أن هذه الرسومات “عابرة” كأي شيء آخر، لكن “إذا أردنا بناء جيل جديد مطلع على تاريخ المنطقة، علينا الاهتمام بالثقافة والتربية والتعليم، نستطيع من خلاله الاكتشاف وليس التقليد”.
وبدأت ثقافة الرسم على الجدران تظهر في الجزيرة السورية، عقب بدء الأزمة قبل نحو عقد من الزمن، بعدما كانت سابقاً محصورة برسومات قليلة ترمز إلى حزب البعث الحاكم في البلاد، رغم وجود أسماء لامعة ومشهورة بفن الرسم والنحت في منطقة الجزيرة.
وفن الرسم والنحت لم ينتشر بشكل كبير وبقي خجولاً رغم التقدم الكبير في مجال الثقافة والاهتمام به من قبل الإدارة الذاتية.
نمط جديد
ولعل أبرز الأحداث إثارة للجدل، هو انتقاد السكان المحليين في القامشلي، لأسلوب التقليد الذي من شأنه التأثير سلباً على الجيل الناشئ، فيما وصفه البعض بأنه نتيجة “الهيمنة الثقافية لنظام البعث خلال السنوات الماضية”.
وباتت صبغة البيئة الشامية تظهر مؤخراً في أشكال المطاعم والمقاهي في الجزيرة السورية، بينما اعتبر البعض أن هذه الأنماط يحبها السكان لذلك أرادوا نقلها إلى المنطقة، وفق ما قاله آراس مراد، صاحب مقهى ‘‘بروكار’’ بالقامشلي.
وافتتح مقهى بروكار والذي يعني (خيط الحرير)، قبل نحو عام، وبات وجهة للكثيرين لتميزه بالأجواء الشامية في تصميمه القريبة من البيئة الشامية.
ويشير مراد، أن الكثير من شعب المنطقة زار دمشق وتعلق بها، “أردنا أن نفتح نمطاً جديداً هنا في القامشلي ليس كما المتعارف عليه”.
وعن الانتقادات التي توجه لهذا النمط، يشدد الشاب العشريني، على أن لكن فرد طبع يختلف في الذوق في جميع مناحي الحياة، “الكثيرون يحبون هذا النمط، ذلك لأنه قليل وتفتقر إليه منطقتنا، ونحن كنا الأوائل بافتتاح هذا النمط وهي خطوة جديدة ولها أجواء خاصة”.
“غزو ثقافي”
وأفضت الحرب السورية إلى ظهور الكثير من الأعمال الفنية بمناطق الإدارة الذاتية، التي تعرضت لانتقادات شعبية واسعة، وسط مطالبات بتحسين ودارسة الأعمال قبل ظهورها للعلن، معتبرين أن الفن رسالة راسخة تبقى لأجيال.
وعمدت هيئة الثقافة خلال السنوات الماضية، إلى تنظيم الكثير من الفعاليات والمهرجانات التي تهتم بثقافة المنطقة، آخرها مهرجان “الأمة الديمقراطية” في بلدة تل براك بريف الحسكة، والتي شارك فيها الكرد والعرب والسريان والأرمن، في تعبير للتعايش المشترك بين شعوب المنطقة.
![](https://npasyria.com/wp-content/uploads/2023/11/4-29-1024x576.jpg)
إلا أن مسؤولي هيئة الثقافة، يجدون بأن التودد وتقليد ثقافات أخرى يعود إلى تطور في مجال الإنترنت، والذي حول العالم إلى قرية صغيرة.
ويقول كدر حسين، إداري في حركة الثقافة والفن بالقامشلي، إن “مشاهدة هذه الصور في مناطقنا والتي لا تمت لثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا المتوارثة من آلاف السنين بصلة هو نتيجة غزو ثقافي تأثر به شعبنا عبر الأغاني والأفلام وغيرها”.
ويضيف لنورث برس: “هذا الأمر لا ينطبق على المعالم فقط، بل على ارتداء الأزياء المشابهة والتقليد في الشكل، وهذا لا يخدم ثقافة احتمينا بها، ما تزال من أباءنا وأجدادنا”.
ويشير حسين، أن تطور الأدوات يلعب دوراً هاماً في يومنا الراهن، “يبعد الإنسان عن هويته وثقافته التاريخية”.
ويشدد على أنه “عندما نرى هذه الصور النمطية في مجتمعنا، فهذا يدل على جهلنا بماضينا وتاريخنا ولغتنا وهويتنا التاريخية”.
بينما لم ينفِ الإداري في حركة الثقافة والفن، تقصيرهم في الاهتمام بهذا الجانب الثقافي بشكل كبير، مطالباً المثقفين وجميع من يدافعون عن الثقافة بحماية هوية وثقافة شعوب المنطقة.
ويضيف: “الحل أمامنا يكمن بطريقة واحدة هو كل شخص يبدأ من نفسه والتكثيف من الفعاليات الثقافية، كون هدفنا هو أن كل شعب يعبر عن ثقافته وهويته ضمن المجتمع”.