تركيا تتصرف كدولة راعية للإرهاب

ديفيد فيليبس

هاجمت تركيا مواقع في شمال شرقي سوريا التي يسيطر عليها الكرد في أعقاب تفجير في أنقرة، يُزعم أن حزب العمال الكردستاني كان مسؤولاً عنه. بدلاً من محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، قصفت تركيا بالقرب من مخيم للنازحين والعديد من القرى، مستشهدة بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير أفعالها. تستمتع وزارة الدفاع التركية بقتل الكرد مُتحججةً بالدفاع عن النفس.

لا يمكن التغاضي عن الإرهاب. لكن يجب النظر إلى حزب العمال الكردستاني في سياقه. عانى الكرد في تركيا قرنًا من الخيانة وسوء المعاملة، بدءًا من معاهدة سيفر ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا.

فر ما يصل إلى 250 ألف شخص من الكرد من تركيا إلى سوريا في ثلاثينيات القرن الماضي ردًا على العدوان “الكمالي” في ديرسيم.  تلته موجة أخرى من الهجرة بعد سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها تركيا في الثمانينيات والتسعينيات، والتي استهدفت القرى التي يُزعم أنها تؤوي حزب العمال الكردستاني.

برز حزب العمال الكردستاني في عام 1984 كحركة تحرير وطنية واعتنق في البداية الكفاح المسلح. كانت المقاومة تكتيكًا لإيصال تركيا إلى طاولة المفاوضات. سعى حزب العمال الكردستاني مرارًا وتكرارًا إلى إجراء مفاوضات مع تركيا، لكن قوبل بالرفض.

حصل حزب العمال الكردستاني على دعم الكرد لوقوفهم في وجه الدولة التركية والمطالبة بحقوق الكرد. ردا على عمليات حزب العمال الكردستاني العابرة للحدود، احتشدت القوات المسلحة التركية على الحدود السورية في أيلول/سبتمبر من عام 1998، مطالبة سوريا بالتوقيع على اتفاق أضنة، التي تطلبت من سوريا إدراج حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، وإغلاق قواعد حزب العمال الكردستاني في سوريا، وطرد عبد الله أوجلان.

تم القبض على أوجلان وسجنه في النهاية. من سجنه في جزيرة إمرالي، أعلن هدنة أحادية الجانب. اقترح أوجلان خارطة طريق لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ عام 1984.

ومن أجل بناء الثقة، أطلق حزب العمال الكردستاني سراح ثمانية رهائن أتراك كانوا محتجزين في كردستان العراق. وانسحب مقاتلو حزب العمال الكردستاني من الأراضي التركية، وأعلن أوجلان نزع سلاح مقاتلي الحزب وإعادة إدماجهم. تخلى العمال الكردستاني عن مطالبه بالاستقلال وبدلاً من ذلك سعى إلى مزيد من الحقوق السياسية والثقافية داخل تركيا.

رفض أردوغان تقبل الأمر. واتبع طريق المواجهة مع الكرد لأغراض سياسية داخلية خبيثة تهدف إلى تعزيز الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية وتهميش الأحزاب السياسية الموالية للكرد.

لم يوافق جميع السياسيين الأتراك على ذلك وانفصل الرئيس عبد الله غول عن أردوغان ودعا إلى المصالحة مع الكرد. خلال زيارة إلى مدينة هكاري بعد فترة وجيزة من انتخابه، شدد غول على أن حل المسألة الكردية يكمن في زيادة إرساء الديمقراطية في البلاد والاندماج مع الاتحاد الأوروبي. تم إبعاد غول من قبل أردوغان لصالح شخص أكثر إذعاناً وهجوميةً.

ومع ذلك، بدأت محادثات السلام مع أوجلان في عام 2012. لكن هجومًا مميتًا أفسد العملية. أسفر تفجير انتحاري لداعش في بلدة سروج الواقعة على الحدود قبالة كوباني عن مقتل 32 شخصًا. اتهم أردوغان حزب العمال الكردستاني.

في شباط/فبراير من عام 2015، رفض أردوغان إجماع دولما باهتشه، والذي كان نتاج اجتماعات بين الكرد والأتراك وخطوة مهمة نحو حل سلمي للمسألة الكردية. فضل أردوغان المفاوضات التي عززت هدفه المتمثل في الإصلاح الدستوري لإنشاء إدارة تنفيذية.

كان لدى أردوغان سبباً لإلقاء اللوم على الكرد لمحنه السياسية. فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 40.7٪ فقط من الأصوات الشعبية في الانتخابات الوطنية في 7 حزيران/يونيو 2015. حصل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد على نسبة 13.12٪، مما حرم حزب العدالة والتنمية من السيطرة على البرلمان. واحتقر أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي واتهمه بأنه منظمة إرهابية مسلحة والجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني. تم القبض على صلاح الدين دميرتاش والرئيس المشارك فيغان يوكسكداغ وإبعادهما عن المشهد السياسي.

بدلاً من التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي، شكل أردوغان تحالفًا مع حزب الحركة القومية التركية (MHP)، وهو حزب فاشي جديد وقومي هامشي. أصبح أردوغان أكثر إسلاموية، حيث دعم الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، مثل داعش وحماس، وكذلك جبهة النصرة في سوريا.

كلما كان هناك احتمال للسلام مع الكرد، يحدث أمر ما، كان يقوم أردوغان باتهام حزب العمال الكردستاني. نفذت تركيا سلسلة مستمرة  من العمليات ضد الحزب على أراضيها وكذلك عمليات خارج حدودها في سوريا. على سبيل المثال، اتهمت أنقرة العمال الكردستاني بتنفيذ تفجير في إسطنبول أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قبل مهاجمة منشآت الحزب في كردستان العراق.

من غير الواضح ما إذا كان حزب العمال الكردستاني مسؤولاً عن تفجير ذلك الأسبوع في أنقرة. إذا كان متورطًا، فيجب على الولايات المتحدة النظر بدقة في ردها. عندما لا يكون هناك مجال سياسي للمعارضة وترعى الدولة العنف والإرهاب، ما هو الملاذ المتاح؟

يمكنهم القيام بدور بناء من خلال تكثيف الوساطة التي تهدف إلى حل سياسي للقضية الكردية. إن إزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من شأنه أن يحفز المفاوضات ويعزز الديمقراطية في تركيا.

ديفيد فيليبس: بروفيسور في جامعة جورج تاون الأمريكية ومستشار سابق لدى وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرؤساء جورج بوش الابن وبيل كلينتون وباراك أوباما.

المقال لـ ديفيد فيليبس كتبه لقسم الإنكليزي في نورث برس وترجم للغة العربية