فاطمة خالد – الرقة
قرر بشار عرض هكتار من أرضه للبيع ليستطيع تحمل تكلفة زراعة ما تبقى منها بالخضروات الشتوية التي اعتاد أن يزرعها في كل عام، بالإضافة لحاجته إلى المال لإيفاء الديون التي ترتبت عليه بعد الموسم الصيفي.
يقول بشار العبد (26 عاما)، وهو مزارع من قرية كسرة فخيخة جنوبي الرقة، إنه اضطر هذا الموسم لبيع قسم من أرضه؛ بسبب التكلفة الباهظة التي تكبدها في موسمه السابق، إذ كانت “الخسارة كبيرة” في محصول الخضروات الصيفية، وهذا أثر بدوره على الزراعة الشتوية التي تلتها.
يزرع “العبد” ثلاثون دونماً بالبقدونس يأمل لو أن المحصول النهائي لهذا الموسم يغطي التكلفة التي دفعها، “لكنني أرى الخسارة من الآن”، وذلك بسبب الأسعار المرتفعة للتكاليف، من بذار وسماد وأدوية وجميعها مواد يقترن نجاح الموسم بوجودها، وفقا لقوله.
ويضيف لنورث برس، “الزراعة هي عماد الاقتصاد في الرقة، خاصة منطقة الكسرات، التي تعتبر السلة الغذائية للمدينة”، وأنهم كمزارعين يدعمون الاقتصاد من خلال مواسمهم الزراعية، إلا أنهم لا يجدون مقابل ذلك أي دعم أو مساعدة من قبل الجهات المعنية والمنظمات.
غياب الدعم
ويعاني المزارعون في الرقة، شمالي سوريا، من غياب الدعم، والمشاريع التي تستثمر في الزراعة لتحقيق مشاريع تنمية مستدامة في المنطقة.
وبحسب “العبد”، فإن قلة الدعم لقطاع الزراعة سيؤدي إلى عزوف معظم المزارعين عن زراعة أراضيهم، والتي تعد أول مصدر دخل لهم “مشاريع صغيرة لا يمكنهم العمل بسواها”، وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها في كل موسم.
ويشتكي مزارعون في الرقة من قلة الدعم المقدم لهم من قبل المنظمات والجهات المعنية، الأمر الذي سبب لهم خسائر في مواسمهم الزراعية الصيفية منها والشتوية.
وتبرز زراعة المحاصيل الشتوية مثل البقدونس والخس والزهرة وغيرها في منطقة الكسرات بريف الرقة الجنوبي، وهذا ما يوفر فرص عمل لكثير من الأيدي العاملة، إذ تعمل عائلات بأكملها في الأرض لدى المزارعين، وعلى مدار العام، خلافاً للمحاصيل الموسمية، على حد وصف “العبد”.
ويطالب المزارع منظمات المجتمع المدني بتقديم الدعم للمزارعين حتى يستطيع هؤلاء الاستمرار بزراعة أراضيهم كل عام، كما اعتادوا لتحقيق دعم للاقتصاد المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات الصيفية والشتوية.
وكما بقية المزارعين في المنطقة، لا يستطيع عبد الرحمن النكزي (35 عاما) وهو مزارع في منطقة الكسرات، ترك أرضه دون زراعة لأنها مصدر دخله الوحيد هو وعائلته.
يقول “النكزي”، لنورث برس: “نعيش من خيرات أرضنا منذ صغرنا”.
الدولار والليرة
إلا أن الظروف الاقتصادية المحيطة وقلة الدعم للمزارعين في مجال زراعة المحاصيل الشتوية كبدت الرجل خسائر ورتبت عليه “ديوناً كبيرة” أصبح إيفائها يثقل كاهله.
يضطر “النكزي” لشراء المواد اللازمة للزراعة بالدولار الأمريكي، “لكننا نبيع الخضروات بالليرة السورية”، وذلك كله بسبب “الإهمال” من قبل الجهات المعنية لقطاع الزراعة مما يؤثر بدوره على عملية تسويق هذه الخضروات.
يزرع الرجل هذا الموسم، البطاطا والخس والبقدونس، ويعمل وعائلته فيها إضافة لكونه يوفر فرصاً للأيدي العاملة في القطاع الزرعي، “لذا فهي عملية اقتصادية زراعية متكاملة”.
وتحتاج مزروعاتهم للأسمدة والأدوية والمبيدات الحشرية، التي تباع جميعها بالدولار، ناهيك عن كونها تفتقد للجودة المطلوبة للنهوض بالموسم والحصول على ثمار جيدة تطابق المواصفات التي يسعى المزارع جاهداً للحصول عليها، وفقاً لـ “النكزي”.
فيما يعاني إبراهيم العمر، وهو مزارع في كسرة فرج جنوبي الرقة، من الغلاء المستمر في أسعار المواد اللازمة لزراعة أرضه التي تبلغ مساحتها 3 هكتارات، كان قد زرع قسماً منها بالخس وترك القسم الآخر دون زراعة لعدم قدرته على تحمل أعباء ومصاريف الزراعة.
ويعاني الرجل وأقرانه من مشكلة التمويل الزراعي، “فنسبته مئة تحت الصفر”، وفق وصفه، حيث يضطر لشراء البذار والأسمدة بـ”الدين”، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم بسبب فشل المحاصيل الزراعية هذا العام.
من مشكلة المكاتب الزراعية إلى مشكلة البذار سيء الجودة إلى ارتفاع أسعار المبيدات الحشرية والمخصبات التي لا يمكن أن ينجح المحصول دونها، تتفاقم معاناة “العمر” وأقرانه من المزارعين بسبب قلة الدعم لمشاريعهم الزراعية.