مؤيد الشيخ ـ إدلب
في مناطق شمال غربي سوريا، حيث آخر معاقل سيطرة المعارضة السورية الموالية لتركيا وهيئة تحرير الشام، تنتشر عشرات الفصائل منها المعتدلة وغير المعتدلة بمسميات وأفكار مختلفة، وتضم تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، معظم تلك الفصائل.
وتصنف بعض من تلك الفصائل على لوائح “الإرهاب العالمي” مثل (أنصار التوحيد والحزب الإسلامي التركستاني) والعديد من الجماعات الجهادية الأخرى التي تنشط في مناطق الهيئة شمال غربي سوريا.
وبالمجمل تسيطر هيئة تحرير الشام على نحو 75 بالمئة من إدلب وأجزاء أخرى من أرياف حماة وحلب واللاذقية، وتعتبر الفصيل الأقوى والأكبر في تلك المناطق حيث تديرها عسكرياً ومدنياً من خلال “حكومة الإنقاذ السورية”.
وجاءت سيطرة الهيئة بعد أن أقصت معظم فصائل المعارضة السورية مثل أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وجبهة ثوار سوريا وأكثر من 20 فصيلاً آخراً، لتكون صاحبة النفوذ في المنطقة وتفرض الطاعة على ما تبقى من الفصائل هناك.
وغالبا ما تكون هذه الفصائل تابعة لها بشكل غير مباشر مثل “جيش العزة” و”أنصار التوحيد” و”الحزب الإسلامي التركستاني”.
نصفها تتبع للهيئة
يقول سيف الباشا وهو اسم مستعار لباحث عسكري يقيم في إدلب، لنورث برس، إن إدلب ينتشر فيها اليوم أكثر من 15 فصيلاً عسكرياً أكثر من نصفها تابعة لهيئة تحرير الشام.
وما تبقى من تلك الفصائل يعمل وفقاً لما تريده الهيئة، حيث تقود تحرير الشام غرفة عمليات “الفتح المبين” والتي تضم أيضا كلاً من أنصار التوحيد وجيش العزة والجبهة الوطنية للتحرير بكافة فصائلها المنضوية تحت رايتها.
بالإضافةً إلى العديد من التشكيلات الأخرى الصغيرة التابعة أيضا بشكل غير مباشر للهيئة، إلا أنه يمكن القول أن جميع الفصائل المتواجدة في المنطقة هي تابعة لتحرير الشام بشكل مباشر وغير مباشر، بحسب “الباشا”.
وأشار إلى أنه ورغم الخلافات الكبيرة التي كانت بين تلك الفصائل وهيئة تحرير الشام، إلا أن الأخيرة فرضت هيمنتها وأجبرت الجميع على الخضوع لها أو الاقصاء خارج إدلب كما حصل مع الكثير من الفصائل المعتدلة منذ العام 2014 وحتى مطلع 2019.
لكن ورغم ذلك لا تزال الكثير من تلك الفصائل، لا سيما الإسلامية، ورغم طاعتها للهيئة، ترفض الجلوس على طاولة واحدة مع القوات التركية وغيرها باعتبار أنها دولة “مرتدة”، وذلك هو حال الحزب الإسلامي التركستاني وأنصار التوحيد وأنصار الإسلام.
وهذه الجماعات لا تريد أن تكون نهايتها كما نهاية جماعة “حراس الدين” التي عملت الهيئة على إنهائها بشكل كامل بسبب معاداتها لتركيا ورفض تواجدها في إدلب.
ويتواجد في إدلب العديد من فصائل المعارضة السورية المعتدلة، مثل (الجبهة الوطنية للتحرير) إحدى مكونات الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا والتي شكلت من أحد عشر فصيلاً في العام 2018، وتحصل أيضا على تمويل مباشر منها.
وتضم الجبهة الوطنية فصائل كثيرة أبرزها (فيلق الشام وصقور الشام وجيش النصر وجيش إدلب الحر والفرقة الساحلية الأولى) وغيرها من الفصائل.
بالإضافةً إلى تواجد فصائل تابعة للجيش الوطني مثل (فرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد) التي تحالفت مع تحرير الشام أواخر العام الفائت ودخلت بعد ذلك إلى إدلب بعد أن كانت خرجت منها في 2015 بعد معارك عنيفة مع تحرير الشام نفسها، وفقاً لـ”الباشا”.
“صاحبة القرار”
وأشار محمد جميل وهو قيادي سابق في فصائل المعارضة، في حديث لنورث برس، لسيطرة هيئة تحرير الشام بشكل كامل على إدلب وعلى الفصائل المتواجدة فيها “وبالتأكيد لا يمكن لأحد منافستها اليوم لا سيما وأنها عملت قصدا على إقصاء أو إضعاف دور وخيار الفصائل العسكري منذ نحو أربع سنوات لتكون هي صاحبة القرار الوحيد في الساحة”.
إذ إن الهيئة اليوم “تمنع أي فصيل من ضرب حتى رصاصة واحدة تجاه قوات النظام السوري دون أخذ اذنها، كما أنها تفرض على تلك الفصائل نسبة من الدعم الذي تقدمه تركيا، إذ إن فيلق الشام منذ العام 2018 يعطي الهيئة نسبة تزيد عن 40 بالمئة من الدعم الذي تقدمه تركيا للفصيل”، بحسب “جميل”.
وأشار “جميل” الذي يقيم في الأراضي التركية، إلى أنه ما زال هناك العديد من الجماعات الجهادية الرئيسية التي لها وجود قوي في إدلب والمناطق المحيطة بها مثل حماة واللاذقية، “لكن جميعها تخضع لأوامر الهيئة”.
وفي صيف 2017، وبعد اندلاع الاقتتال الداخلي بين “النصرة” وحليفها السابق، أحرار الشام، سيطرت الهيئة على معظم أراضي إدلب، بما في ذلك الشؤون العسكرية والمدنية عندما أقصت الحكومة السورية المؤقتة وشكلت حكومة الإنقاذ.
وأضاف: “الجميع توقع حينها أن تدعم تركيا فصائل أخرى في إدلب لإنهاء وجود هيئة تحرير الشام، لكن هذا لم يحدث، بل رافقت عناصر الهيئة القوافل العسكرية التركية التي دخلت إلى إدلب وشمال حلب وحماة لإنشاء نقاط مراقبة عسكرية، في إطار اتفاق “خفض التصعيد” الذي تم التوصل إليه بين روسيا وإيران وتركيا في أيلول/ سبتمبر 2017.
وباتت الهيئة أيضا اليوم، “تخضع للتعليمات التركية. لكن ليس كما فصائل الجيش الوطني، إذ لا تزال الهيئة حقيقة تملك جزءاً من الخيار العسكري الذي يمكِّنها من قلب الطاولة”، بحسب “جميل”.
رضوخ لتركيا
وعن البيت الداخلي للهيئة، قال جهاد الشامي، وهو اسم مستعار لقيادي في هيئة تحرير الشام، إن “البيت الداخلي بدأ يشهد حالة من الانقسام لا سيما في مجلس الشورى والقيادة المقربة من أبو محمد الجولاني”.
وأضاف: “هذا عدى عن حالة الانقسام التي حصلت ما بين صفوف عناصر ومقاتلي الهيئة بشكل عام، حيث شهدت منذ تلك الأيام انشقاق مئات العناصر والقادة مفضلين الجلوس في منازلهم”.
وأوضح “الشامي”، لنورث برس، أن معظم قادة الصف الأول في الهيئة كانوا يرفضون فكرة الخروج عن عبائة تنظيم القاعدة ومحالفة القوات التركية التي كانت تعتبرها الهيئة دولة مرتدة.
لكن سرعان ما عمل الجولاني والعديد من القادة مثل (أبو مارية وأبو اليقظان المصري وأبو أحمد حدود) على إعادة ترتيب الصفوف ونشر خبر ما بين قادة الصف الأول والعناصر بأن ما يحصل هو “سياسة شرعية” تتبعها الجماعة لتجنب الاستهداف من التحالف الدولي.
إلا أنه بعد نحو عام ونصف، بحسب “الشامي”، “أعجبت قيادة الهيئة، التي بدأت بالفعل الرضوخ لتركيا وغيرها، وبدأت تعمل على إقصاء جميع من كانوا يرفضون السياسة الجديدة”.