“نستنى رحمة الله”.. مزارعون قلقون من التغيرات المناخية في القامشلي
دلسوز يوسف ـ القامشلي
ينظر المزارع علي أحمد، بصمت إلى أرضه التي يحرثها الجرار، استعداداً للموسم الزراعي الجديد، بينما يحيطه القلق من تأخر الهطولات المطرية حتى الآن، والتي باتت تهدد مصير الزراعة في مناطق شمال شرقي سوريا.
أسوة بالمناطق السورية الأخرى، تأثرت مناطق شمال شرقي البلاد، بالتغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، جراء قلة الأمطار وهطولها في أوقات غير مناسبة للمحاصيل، الأمر الذي بات يقلق المزارعين ويضع مصدر دخلهم الرئيسي على المحك.
ورغم استلام مخازن القمح التابعة للإدارة الذاتية لأكثر من مليون طن من حبوب القمح العام الفائت، إلا أن مزارعو المحاصيل البعلية تكبدوا خسائر فادحة لعدم تساقط الأمطار بكميات كافية.
ويخشى أحمد (44 عاماً) أن يستمر الجفاف ولا سيما أن الأمطار لم تهطل حتى الآن، وهذا يكبده خسائر مادية.
ويقول لـنورث برس: ‘‘لن يكون هناك إنتاج للمواسم الزراعية إن لم تتساقط الأمطار. فالآبار السطحية مياهها قليلة’’، ويعبر عن استيائه من قلة الدعم للمحروقات من قبل الجهات المعنية، لتشغيل محركات الديزل.
ويضيف المزارع، الذي يقف بالقرب من أرضه في قرية الخزنة 10 كم شرقي القامشلي: “إذا اعتمدنا على المياه السطحية سنحصل على ربع الموسم بدل موسم كامل بسبب المياه”.
إمكانيات متاحة
ويعتمد غالبية المزارعين في الجزيرة السورية، التي تصنف أنها ‘‘السلة الغذائية’’ للبلاد، على الزراعة البعلية، إلا أن الجفاف جراء الظروف الجوية، حول أغلب الأراضي إلى حقول تلتهما الأغنام خلال السنوات الأخيرة.
ويقول “أحمد” بلهجته العامية، وكله آمل أن يكون العام الحالي أفضل من سابقيه: “يلي في عندو مي رح يسقي ويلي ما عندو رح يستنى رحمة الله”.
ويتوقع مراقبون أن تقل نسبة المساحات المزروعة بالمحاصيل البعلية هذا العام، بعدما تكرر مشهد الجفاف في السنوات الثلاث الأخيرة، بعدما كانت تلك الأراضي التي تقدر بمئات الآلاف من الهكتارات تحقق الإنتاج والاكتفاء الذاتي للبلاد.
وباتت هذه المشكلة تضع المزارعين أمام تحديات بسبب تداعيات الجفاف، وسط شكاويهم من قلة الدعم المقدم من قبل هيئتي الزراعة والاقتصاد التابعتين للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، من ناحية البذار والأسمدة والمحروقات.
فيما يشدد مسؤولون في الإدارة الذاتية على دعمهم للمزارعين وفق الإمكانيات المتاحة، في ظل الحصار المفروض الذي تعاني منه مناطق شمال شرقي سوريا.
“خطر على الأمن الغذائي”
وفي صيدليته الزراعية وسط القامشلي، يقول وسيم أحمد، وهو خبير زراعي، إن التغيرات المناخية باتت تشكل خطراً على الأمن الغذائي للسكان، وما يرافقها من انحسار للمساحات الزراعية في المستقبل.
ويضيف: “تساقط حبات البرد أو الأمطار في أوقات غير محددة، يكون له تأثير سلبي وخاصة في الفترة الأخيرة للموسم الزراعي، لأن ذلك يلحق الضرر بالمحاصيل”.
وتحتل الزراعة المرتبة الثانية بالنسبة للاقتصاد في شمال شرقي سوريا، بعد النفط، وبات التغير المناخي يهدد مصدر دخل شريحة واسعة من سكان المنطقة يعتمدون على الزراعة.
ويشير الخبير الزراعي، أن المزارعين يدفعون تكاليف باهظة بهدف الزراعة، “إذا تغير المناخ يجب أن يجد طرقاً بديلة مثل السقي ووجود آبار”.
وقال: “في هذه الحالة يحتاج المزارعون إلى دعم الإدارة الذاتية، التي يجب عليها توفير الخدمات اللازمة لهم مثل المازوت، وفي حال عدم توفرها سيواجه صعوبات وتحديات كثيرة”.
ويخشى مزارعون أن يستمر الجفاف على مدى طويل وتتأثر المنطقة أكثر بالعوامل الجوية، الأمر الذي يضع مصدر دخلهم على المحك، في بلد يصنف غالبية سكانه تحت خط الفقر، وفق تقارير دولية.
ويقول المزارع محمود محمد (55 عاماً) من قرية كرصوار شرقي القامشلي، إن الأمطار القليلة في السنوات الأخيرة أثرت بشكل كبير على الآبار السطحية للمنطقة بشكل عام، ما عدا ارتفاع تكاليف السقاية التي تعتمد على محركات الديزل.
ويضيف لنورث برس، من بين أرضه بينما يحرثها: “أغلب المحاصيل في الجزيرة السورية هي بعلية، ويكون إنتاجها ضعيفاً بالكاد تسد مصاريف زراعتها”.
ويشير المزارع أنه تكبد خسائر بسبب قلة الأمطار العام الفائت، “تساقطت الأمطار بداية الموسم الزراعي، ونبتت المزروعات، وبعدها لم تتساقط الأمطار كلياً لمدة شهرين، مما عرض المحصول للتلف، كون الأمطار تأتي على شكل زخات ولا تغذي الأرض بالمياه ولا يأخذ المحصول كفايته منها”.
والبدائل لهذه المعضلة، بحسب المزارع، “تتركز على المزروعات المروية والتي بدورها تكلف مبالغ باهظة مثل السماد والبذار والمحروقات”.