الغابات السورية تتآكل بين الحرائق صيفاً والتحطيب شتاءً

ليلى الغريب ـ اللاذقية

ما إن تنتهي حرائق الغابات في الصيف حتى تبدأ عمليات التحطيب بقصد التدفئة في الشتاء. وباختلاف الأسباب بين هذا وذاك تصحرت مساحات كبيرة كانت تزخر بالكثير من الاشجار، بعضها  يصنف ضمن الأشجار المعمرة. ما يثير تساءلاً عن واقع الغابات في سوريا وكيف يؤثر تراجعها على البيئة؟

في إحصاءات وزارة الزراعة في الحكومة السورية، بينت مديرية الحراج، أن عدد الحرائق هذا العام فاق 120 حريقاً، في الحراج. ولم يخف وزير الزراعة حسان قطنا في تصريحاته أن بعض هذه الحرائق “مفتعل”.

وأن الحرائق امتدت على مساحة 70 هكتاراً، وأن هنالك أكثر من 370 حريقاً زراعياً، امتد على مساحة تصل إلى 900 هكتار.

ويومئ الكثير من السكان بأصابع الاتهام “لشخصيات نافذة” تقف خلف الكثير من الحرائق في المناطق الحراجية “بقصد استثمار المنطقة بمشاريع سكنية”، كما حصل في حرائق بعض المناطق بريف اللاذقية.

استنزاف مستمر

في حين توجه الجهات الرسمية الاتهامات “للمزارعين” الذين يقومون بحرق محاصيلهم الزراعية ثم يمتد الحريق دون أن يتمكنوا من السيطرة عليه إلى الغابات القريب.

وتشير وزارة الزراعة أن أكثر من 95% من الحرائق سببها “نشاط بشري مفتعل”، وكشفت عن وقوع حرائق “بفعل فاعل”، فقد تتم عن طريق إشعال النار ضمن الأراضي الحراجية من قبل أشخاص.

وشدد الوزير على أنّ أكثر من ٩٥ % من الحرائق ناتجة عن “نشاط بشري، سواء بفعل فاعل متعمد يقوم بإشعال النار ضمن الأراضي الحراجية، أو الحرائق الممتدة من الأراضي الزراعية”.

والخلاصة أي كان السبب، تتراجع الغابات السورية المحدودة أصلاً سنوياً ومنذ أكثر من عقد من الزمن.

إجراءات غير مجدية

تعدد الزراعة إجراءاتها الكثيرة التي تتخذها بقصد حماية الغابات مثل وضع مراكز حماية للغابات من الحرائق، وأبراج للمراقبة، ومخافر حراجية، وخراطيم إطفاء، وتحويل المعتدين إلى القضاء وفرض عقوبات جنائية ومالية بحق المخالفين، ولكن قلما تجدي نفعاً هذه الإجراءات، والدليل استمرار الاعتداءات على الغابات.

ومع حلول الشتاء وبرده القارس خاصة على المناطق الجبلية الفقيرة والمهملة، لا يجد سكان تلك المناطق مناصاً من التوجه إلى الغابات للحصول على حطب التدفئة خاصة مع ارتفاع سعر طن الحطب إلى أكثر من مليون ليرة، وهذا رقم كبير على الكثير من الأسر.

يقول نادر الأحمد من سكان قرية جبلة في محافظة اللاذقية، إنه لا خيارات كبيرة أمام من يحطبون من الغابات بقصد التدفئة وليس التجارة، لأن المازوت غير متوفر، فحصتهم خلال العام لا تتجاوز 50 لتراً من المادة، وهذه تصرف في أسبوع مع مدفئة لا يمكن إخمادها طوال النهار لوجود أطفال صغار.

ويضيف لنورث برس: “من السوق الحر يصل سعر البيدون إلى 250 ألف ليرة وهو غير متوافر بسهولة أيضاً لمن يستطيع شراؤه”.

وبالتالي يبقى خيار اللجوء إلى الغابات هو الخيار شبه الوحيد، لأن الشجرة الحراجية مهما كانت مهمة ليست أهم من أبناءه وأبناء غيره من الفقراء، حسب قوله.

ولفت إلى أن الخطر يكمن في تجار الأخشاب الذين يقطعون الأشجار بكل أنواعها بقصد التجارة وهنالك شبكات تعمل في هذا النوع والكثير منهم محميون ومتنفذون.

كبش فداء

وفي هذا السياق، شدد أحد الطلاب الجامعيين الذين يسكنون في مشتى الحلو بطرطوس، أنه قضى أسبوعاً في السجن لأنه كان يقلم أغصان أشجار قام بقطعها مجموعة من المتنفذين في وضح النهار، وهي أشجار معمرة تجاور كنيسة.

ولكن طبق القانون عليه “ظلماً”، وانتقل الفاعلون إلى أماكن أخرى لقطع أشجارها وبيعها كحطب.

وفي محاولة لإيجاد حلول لهذا الحال، قررت وزارة الزراعة تخصيص كل أسرة بطن من الحطب بسعر نصف مليون ليرة لمرة واحدة في العام.

ولكن عملياً لم تكن الكميات المتاحة متوافرة كما الحال مع كل مواد التدخل الإيجابي، وقد بينت إحصاءات دائرة الحراج، أن عدد المستفيدين من هذه الخدمة خلال هذا العام، لم يتجاوز 105 أسر، حصلوا على 93 طن حطب.

وأشار بعض الذين اشتروا هذه المخصصات أن الأنواع التي يتم بيعها سريعة الاشتعال، لأنها عبارة عن أحطاب يجمعها مركز التجميع التابع لدائرة الحراج، وأغلبها من أنواع الصنوبر المعروف بسرعة اشتعاله، وهذا يعني استهلاك كمية أكبر خلال الشهر، على عكس الأنواع الموجودة في السوق من سنديان أو زيتون وليمون.

مدير سابق لقسم الحراج، أشار لنورث برس، إلى أنه من الصعب ضمن الإمكانات الحالية حماية الغابات، لأن أغلب العاملين في قسم الضابطة الحراجية من كبار السن، وعددهم  في محافظة اللاذقية مثلاً لا يتجاوز 163 عنصراً، وهذا غير كاف.

وبينت مديرية حراج اللاذقية أنها سجلت العام الماضي 705 ضبطاً حراجياً، و718 ضبطاً لغاية الشهر العاشر من العام الجاري.

خسائر بالجملة

خسائر سوريا المستمرة بغاباتها تنذر بالكثير من الأخطار البيئية استراتيجياً، لأن تعويضها يحتاج لوقت طويل.

وأشارت المتابعة لقضايا البيئة سماهر ديوب، اسم مستعار، أن قطع الأشجار والغابات واحد من أهم أسباب التغيرات المناخية في سوريا، إضافة إلى أضرار أخرى سواء في مجال تهديد أو انقراض كائنات حية كانت تعيش في تلك الغابات وفقدت موطنها كما الحال في غابات الفرنلق باللاذقية.

وأضافت أن هنالك الكثير من الأضرار الناتجة عن فقدان الغطاء النباتي والغابات مثل الاحتباس الحراري وانجراف التربة، وتراجع امتصاص غازات الاحتباس الحراري، وغيرها.

تحرير: تيسير محمد