التأقلم معهم صعب.. ذوو مصابين بطيف التوحّد بالرقة يطالبون بمراكز للأطفال
فاطمة خالد – الرقة
منذ ثمان سنوات، لا تعرف خولة النوم الهانئ، كانت الفترة التي اكتشفت فيها المرأة مرض ابنتها بـ “التوحد”، بعد ولادتها، طيلة تلك المدة وإلى الآن ما زالت تنام بشكل متقطع، فالتأقلم مع وضع طفلتها صعب ويحتاج جهداً كبيراً واعتناءً.
مع ولادتها أصغر بناتها، بدأت معاناة خولة الفرج (40 عاما)، من سكان قرية كسرة محمد علي في ريف الرقة الجنوبي، شمالي سوريا، بسبب الوضع الصحي الذي تصفه بـ “المأساوي” لطفلتها، ولما له من آثار سلبية على حياة العائلة كاملة.
ومرض التوحّد أو اضطراب طيف التوحد عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر على كيفية تمييز الشخص للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، ما يتسبب في حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي، يتضمن اضطراب أنماط محدودة ومتكررة من السلوك.
تضطر “الفرج” لأخذ ابنتها كل يوم الى أحد مراكز العلاج في الرقة؛ لعدم وجود آخر يهتم بمرضى التوحد في قريتهم، وتستدرك الأم؛ “هو المركز الوحيد في المنطقة”.
ويعتبر مركز “رؤى المستقبل” المختص بتقديم الرعاية لمرضى التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة، المركز الوحيد في الرقة حيث يقدم علاج ورعاية مجانية لهم، إلا أن توقف الدعم لهذا المركز من قبل المنظمة الراعية أدى الى قلة الرعاية لأطفال التوحّد.
فبعد انسحاب المنظمة الراعية للمركز الذي كان يهتم بالطفلة؛ ويؤمن لها المواصلات للمجيء والذهاب، وتلقي العلاج، باتت “الفرج” الآن تأتي بها على حسابها الشخصي، ذلك يسبب مشاكل للمرأة بسبب أوضاعها الاقتصادية المتردية.
ومنذ ولادة ابنتها تعاني بسبب التوحد “ليس لديها تركيز ولا تستطيع النطق ولم يقدم أحد أي رعاية لها أو لأقرانها”، تقول المرأة لنورث برس.
لا يستطيعون الاندماج
وتضيف مطالبةً بإحداث مراكز رعاية لمرضى التوحد على وجه الخصوص، إذ إنهم فئة مهملة من قبل الإدارة الذاتية، ولا يستطيعون الاندماج مع من حولهم، أو الذهاب إلى المدارس، وممارسة حياتهم كما بقية الأطفال.
ويبدأ “التوحّد” في مرحلة الطفولة المبكرة ويتسبب في حدوث مشكلات على الصعيد الاجتماعي، في المدرسة والعمل، وغالباً ما تظهر أعراض التوحد على الأطفال في غضون السنة الأولى، ويحدث النمو بصورة طبيعية على ما يبدو بالنسبة لعدد قليل من الأطفال في السنة الأولى، ثم يمرون بفترة من الارتداد بين الشهرين الثامن عشر والرابع والعشرين من العمر عندما تظهر عليهم أعراض التوحد.
وتتشابه أملاك الهلال (30 عاماً)، من سكان الرقة، مع سابقتها ذات المعاناة لطفلها “إبراهيم” الذي يعاني من اضطراب طيف التوحد بعد وفاة والده أثناء الحرب.
تقول الأم لنورث برس: “لم أكن أعلم أن طفلي لديه اضطراب طيف التوحد إذ لم تظهر عليه تلك الأعراض، إلا بعد أن توفي والده بقذيفة سقطت على منزلنا، ومن هنا بدأت المعاناة”.
تشير دراسات إلى أن سبب حدوث اضطراب طيف التوحد غير معروف وقد يكون وراثيًّا، وإلى الآن لم يستطع العلم اكتشاف جينات محددة مسبِّبة للتوحد، بل هي على الأرجح ناتجة من تفاعل عدة جينات مع بعضها البعض، وفق تقارير.
بينما تشير أخرى إلى أن أعراض التوحد تبدأ بالظهور في أول سنتين من الحياة، ولكن الأشكال البسيطة من المرض قد لا يمكن تمييزها حتى وصول الطفل إلى عمر المدرسة.
ومن المرجح أن يكون لكل طفل يعاني من اضطراب طيف التوحد نمطًا فريدًا من السلوك ومستوى الخطورة، من الأداء المنخفض إلى الأداء العالي.
وتضيف “الهلال” أنها وطفلها كانا يعانيان في البداية إلى أن بدأ بتلقي الرعاية والعلاج في مركز “رؤى المستقبل” المجاني، “ليس لدينا قدرة لأخذه إلى المراكز الخاصة فالتكلفة باهظة”
ويقدّم مجموعة من المتطوعين في المركز الرعاية والمساعدة في التركيز والتعلم للأطفال، “إلا أنها ما تزال غير كافية”، فهم بحاجة إلى مدارس خاصة بهم أو على الأقل غرف صفية في المدارس العامة، وفقاً لقول المرأة.
“صندوق فارغ”
وعن تجربته مع مرض التوحد من خلال رعاية طفلته نورهان التي تعاني من المرض، يصف ممدوح العلي (37 عاماً) اطفال التوحد بـ “الصندوق الفارغ الذي يجب ملأه”.
ويتراوح معدل ذكاء بعض الأطفال المصابين بالمرض من طبيعي إلى مرتفع، حيث إنهم يتعلمون بسرعة، إلا أن لديهم مشكلة في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيف مع المواقف الاجتماعية.
فطفل التوحد هو طفل مميز لكن معاناة الأهل في التعامل مع المرض “كبيرة”، فهو لا يستطيع التعبير عن أي شعور ينتابه من جوع أو عطش أو غيرها، وفقاً لـ “العلي”.
واكتشف الرجل وزوجته؛ المرض لدى ابنتهما في عمر السنة والنصف “كنا في حيرة من أمرنا فنحن لسنا على دراية بأي شيء يخص هذا المرض”.
استطاع “العلي” تقديم الرعاية لابنته من خلال المركز، ولكن وكما سابقته يقول؛ إنه “غير كافٍ فهم بحاجة إلى الاندماج أكثر في المجتمع ومع الأطفال الآخرين”.
لذا يناشد الأب الجهات المعنية بتقديم الرعاية لأطفال ومرضى التوحد، لما له من معاناة كبيرة تترك على عاتق الأهل الذين قد يجهلون كيفية التعامل مع أطفالهم فهم بحاجة إلى أخصائيين لرعايتهم وتدريبهم.