دمشق.. رغم مرور عقود على “شعارات” دعم المشاريع الصغيرة.. مازالت المعوقات ذاتها

ليلى الغريب ـ دمشق

مرت عقود وأحاديث المسؤولين حول أهمية المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر لبناء الاقتصاد ولتعويض النقص في توليد فرص عمل، لا تتوقف، حتى أطلق عليها اسم “مشروعات الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي” وحفظ ماء الوجه عوضاً عن انتظار المساعدات والسلة الغذائية.

ولكن يمكن لأي متابع أيضاً أن يكتشف أن مشاكل هذا القطاع هي ذاتها منذ عقود، ليتحول الحديث عن أهمية ودور المشروعات الصغيرة  إلى  خطب رنانة لا معنى لها.

شروط معيقة

وللتأكيد على أهمية هذه المشاريع أحدثت في سوريا هيئة لتنمية هذه المشاريع على أنقاض مشروع مكافحة البطالة الذي أقر في  مطلع الألفين، بعد تعديل القانون لإحداثها أكثر من مرة.

وما زال طارقوا هذا الباب يتحدثون عن مشاكل بالجملة، ويبدو ذلك جلياً في التصنيف، إذ يشترط أن لا تقل قيمة الموجودات في مشروع متناه الصغر عن 15 مليون ليرة، وأن تصل قيمة المبيعات إلى 20 مليون ليرة، ولغاية 175 مليون ليرة للمشروعات الصغيرة، وهذا يعده الذين يلجؤون لهذا النوع من المشاريع مبالغ كبيرة بسبب ضعف إمكاناتهم.

تشير إحصائيات هيئة تنمية المشاريع الصغيرة إلى أنه في سوريا 31 ألف مشروع يتبع لهذه الهيئة، 13 ألف منها مرخص رسمياً، و18 ألف يعملون دون ترخيص.

وعن مشاكل العمل يتحدث المسجلون عن الكثير من المعوقات بدأً من الإقراض إلى الترخيص ثم التسويق.

يقول طالب يحي أحد الذين رخص في الهيئة لمشروع إنتاج المنظفات، إن التسجيل يشترط الحصول على سجل تجاري، وهذا بدوره يتطلب أن يستأجر الشخص عقاراً لمدة عام كحد أدنى، وهذا يعني أيضاً تحمل أعباء كثيرة منها إيجار المحل ورسوم تثبيت عقد الإيجار والضرائب وغيرها.

بينما يفترض أن تكون هذه المشاريع لا تخضع لكل هذا الروتين بسبب طبيعتها الهشة ورأس مالها المحدود.

مشكلة التمويل

أما فيما يتعلق بمشكلة التمويل، فرغم صدور القانون رقم 8 الخاص بإحداث مصارف التمويل الأصغر، لكن المصارف لم تقم بالدور المطلوب منها لهذه الشريحة، وما زالت التسهيلات دون المستوى المطلوب، ويمكن أن يجد المتقدم تسهيلات في البنوك الأخرى تفوق ما تقدمه هذه المؤسسة للتمويل الأصغر، حيث أن سقف التمويل لا يتجاوز 5 ملايين ليرة وهو مصروف الأسرة في شهر حالياً، ونسبة الفائدة تصل إلى 22% لبعض مصارف التمويل بينما يجب أن تكون معفية من الضرائب، أو أن تكون النسبة محدودة للغاية.

مدير سابق في هيئة تنمية المشاريع الصغيرة، يقول لنورث برس، إن دور الهيئة اقتصر على إقامة برامج تدريبية وتقديم النصائح للذين يتقدمون لترخيص مشاريعهم. بينما كانت هيئة مكافحة البطالة تمول المشاريع، وتتابع تنفيذها.

وإن هنالك الكثير من الشروط للترخيص لبعض المشاريع، ويمكن وصفها “بغير المبررة” كشرط العمر والنوع وفيما إذا كانت تعود للإناث أو الرجال.

زبائن الإنتاج

وإذا حصل وتم تنفيذ المشروع وبدأ بالإنتاج تظهر مشكلة التسويق، حيث أن هنالك صعوبات تاريخية بموضوع التسويق وقد تفاقمت مؤخراً بعد تآكل القدرة الشرائية من جهة، وضعف إمكانات أصحاب هذه المشاريع لتحمل تكاليف التسويق والإعلان من جهة ثانية. إضافة إلى الصعوبات التي تواجه أي مشروع في سوريا  كصعوبة تأمين أجور النقل وتكاليف الشحن وأسعار المحروقات.

تؤكد رغد عبد وهي صاحبة مشروع لصناعة الشامبوات والصابون، أنهم يعملون على المشاركة في المعارض للترويج لمنتجاتهم، ولكن الخوف من الخسائر يرافقهم دائماً، لأن أي تكاليف غير محسوبة توقعهم في خسائر تحتاج إلى وقت طويل لتعويضها.

وإذا كانت الفكرة هي أن يتم رفد سوق العمل بخريجين من مدارس التعليم المهني كالصناعة والتجارة والفنون، إلا أنه في الواقع ظل كل هؤلاء الخريجين  بلا استثمار.

تشدد هدى علي وهو اسم مستعار لمديرة مدرسة فنون في دمشق لنورث برس، أن هنالك مهارات كبيرة بين الطالبات اللواتي يتخرجن من هذه المدارس، ولكن كلها لا تجد طريقها للاستثمار، إذ يمكن لأي مهتم أن يتبنى ما لا يقل عن عشر خريجات مبدعات في التصميم والرسم والتطريز وغيرها من الحرف التي تحتاج إلى من يدعمها لتنتج وتثمر عوضاً عن الحديث الدائم عن نقص الخبرات واليد العاملة.

ولكن هذا لا يحدث، فلا الخريجين من هذه المدارس يجدون طريقهم للمشاريع الصغيرة إلا لمن لدى أهله إمكانات لدعمه، ولا يتطور قطاع المشاريع متناهية الصغر رغم كل أهميته التي يتحدثون عنها في بناء الاقتصادات العالمية كما في اليابان والصين.

تحرير: تيسير محمد