غرفة الأخبار – نورث برس
تمثّل الزراعة مصدراً رئيساً لدخل غالبية السوريين، كما تحتل موقعاً هاماً من حيث توفير الغذاء للسكان، كذلك توفيرها فرص عمل لغالبية السوريين في مختلف مناطق السيطرة.
حسب تقديرات عام 2010، تشكل الزراعة في سوريا نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل في القطاع الزراعي نحو 17% من مجموع قوة العمل أي قرابة 900 ألف عامل، وتبلغ مساحة سوريا الإجمالية 18.5 مليون هكتار، منها 6 ملايين قابلة للزراعة وهو ما يشكل 32.8 % من المساحة الإجمالية.
تطورت الزراعة في سوريا بعد العام 1980 حي بدأت بإنشاء مشاريع زراعية منها الري وتطوير البنى التحتية واستثمار الموارد المائية لا سيما نهر الفرات.
حتى 2011 استطاعت سوريا تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة، وبات القطاع الزراعي يحتل المرتبة الثانية بعد النفط في ميزان صادرات سوريا، في الوقت الذي تحتل فيه المشاريع الاقتصادية أهم مشاريع التنمية المستدامة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ورغم أن الصادرات الزراعية تشكّل 60 بالمئة من صادرات سوريا، إلا أنها عانت من ضعف الاستثمار الحقيق، نتيجة بدائية التصنيع الزراعي، ما أفقد سوريا واردات مالية كبيرة، إذ إن معظم الصادرات الزراعية خام وغير مصنّعة.
إلا أن الواقع الزراعي كان أفضل مما هو عليه بعد 2011 حيث أسهمت الحرب التي دارت في سوريا بتراجع الزراعة بشكل كبير، وعزوف المزارعين عن زراعة أراضيهم بسبب التهجير وتدمير البنى التحتية للزراعة.
في العام 2023 باتت الزراعة تعاني من تبعات الحرب السورية، وتتشابه في الحال مناطق السيطرة الثلاثة، من حيث تدمير منافذ تصريف المحاصيل الزراعية، وكذلك تدمير البنى التحتية.
لذلك فإن محاصيل استراتيجية كانت مصدر دخل للسكان ودعامة للاقتصاد المحلي، تراجعت في سوريا، وتركت آثارها على المزارعين والاقتصاد المحلي خصوصاً في مناطق الإدارة الذاتية والحكومة السورية، حيث تتركز غالبية المساحات الزراعية، والأمر لا يختلف في مناطق سيطرة المعارضة.
أسهمت قلّة منافذ تصريف المحاصيل واستلامها، من مصانع ومعامل ومحالج وصوامع، في عزوف المزارعين عن بعض الزراعة التي كانت تُسمى استراتيجية بالنسبة لسوريا.
في مناطق الإدارة الذاتية تراجعت زراعات القطن والشوندر السكري، نتيجة ضعف التصدير وعدم وجود منافذ تصريف كالمحالج ومعمل السكر، إذ تفتقد الإدارة لسياسة تصدير المحاصيل الزراعية.
بالإضافة لاتباع مبدأ استلام المحاصيل حسب الحاجة، حيث استلمت العام الماضي القطن من المزارعين، بسعر وصل إلى نحو 800 دولار أميركي للطن، ما دفع المزارعين لزيادة المساحات المزروعة بالقطن هذا العام، إلا أن الإدارة الذاتية لم تستلم المحصول، ما تسبب بخسائر للمزارعين الذين تُركوا لمواجهة التجّار.
كذلك بالنسبة لمحصول الذرة الصفراء، إذ إن الإدارة الذاتية وضعت المزارعين “تحت رحمة التجّار”، حيث قررت العام الماضي عدم استلام المحصول، رغم أنها استلمته خلال موسم 2021.
في الوقت ذاته يعاني المزارعون من ضعف الدعم، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة والمبيدات، وفرض الجمارك على المحاصيل التي يصدّرها التجار، كما يعاني المزارعون من إهمال قنوات التصريف الزراعية، والتي تسببت بعدم صلاحية عشرات الهكتارات للزراعة.
كما أسهمت قلّة المياه بتراجع الزراعة، لكن بدرجة أقل عن الأسباب السابقة، التي دفعت المزارعين لزراعة أراضيهم بمحاصيل لا تتطلب تكاليف مرتفعة كالبرسيم، وزراعة الأشجار المثمرة.
وشهدت الزراعة في مناطق حكومة دمشق تراجعاً مؤخراً، بسبب ضعف الدعم بالمحروقات، واقتصر الدعم على المحاصيل التي تحتكر تسويقها كالقمح، في حين تراجعت زراعات أخرى لها دور كبير في تأمين حاجة السوق المحلية كالخضروات ومنها البطاطا.
في حين كان لسوء إدارة المحاصيل دور في تراجع الزراعة، حيث تحتكر الحكومة المحاصيل، لحين انتهاء استلامها، ثم فتح باب التصدير الذي غالباً ما يتسم بالعشوائية، لذا ظهرت أزمات بفقدان بعض السلع، الأمر الذي خلق سوقاً موازياً سبّب مشاكل اقتصادية للسكان.
ويشتكي المزارعون في مناطق الحكومة من استغلال تجّار لهم حيث يشترون السلع بمبالغ لا تتوافق مع التكاليف المرتفعة.
الأمر لا يختلف في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث يفتقد المزارعون للدعم أيضاً، ويواجهون صعوبة في تصريف المحاصيل، ما يجعلهم عرضة لاستغلال التجّار الذي يشترون محاصيلهم بما يقارب نصف قيمتها.
يشتكي المزارعون في مناطق سيطرة المعارضة من صعوبة التصريف، واستغلالهم من قبل تجّار محسوبين على الفصائل المسلّحة الموالية لتركيا.
وتحذر منظمات دولية من تدهور زراعي يهدد الأمن الغذائي، في ظل ارتفاع وتيرة تدهور القطاع الزراعي، نتيجة إهمال البنى التحتية وقنوات التصريف للمحاصيل الاستراتيجية منها.
ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، بلغ عدد السوريين غير الآمنين غذائيًا 12.1 مليون شخص عام 2022، بزيادة نسبتها 51% مقارنة بعام 2019، وهو ما يعد مؤشرًا بالغ الخطورة على السوريين.
ويؤثر تراجع الزراعة على المؤشرات الاقتصادية ويسهم في ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل، وارتفاع التهديد بالمجاعة وانعدام الأمن الغذائي.
في آذار/ مارس الماضي، قال برنامج الأغذية العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة، إن سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
رغم ذلك، هناك خطوات بطيئة وتكاد تكون “شبه معدومة” للاستثمار في مشاريع الزراعة، كنوع من تحقيق التنمية المستدامة من قبل أطراف السيطرة الثلاث على الجغرافية السورية.