غرفة الأخبار – نورث برس
انعكس استهداف تركيا للمنشآت الحيوية والبنى التحتية، في شمال شرقي سوريا، وما تسبب به من انقطاع التيار الكهربائي ونقص شديد في الوقود، على القطاع الصحي، مما أدى لتعليق أغلب المنظمات الداعمة لهذا القطاع أعمالها.
يقول الدكتور محمود العبدالله، وهو نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الصحة لشمال وشرق سوريا، إن الاعتداءات التركية الأخيرة “صفحة سوداء بتاريخ البشرية جمعاء”، حيث ألحقت ضرراً بكامل البنية التحتية بمناطق مكتظة بالسكان الآمنين، وزاد الوضع الراهن جرّاء الاعتداءات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي ارتد أثرها على كافة السكان.
ومنذ الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تشنّ تركيا سلسلة ضربات جوية من ديرك أقصى شمال شرقي سوريا إلى القامشلي والحسكة وكوباني وريف حلب في شمالي سوريا، إذ خرجت منشآت الغاز والكهرباء عن الخدمة بشكل كامل وذلك نتيجة سلسلة من الهجمات والقصف التركي عليها، والتي كانت قد اعتبرتها “هدفاً مشروعاً” لهجماتها.
ويضيف العبدالله، أنه ازداد النزوح والتهجير وتم قطع التيار الكهربائي ونقص شديد في الوقود، مما أدى لتعليق أغلب المنظمات الداعمة للقطاع الصحي لأعمالهم الداعمة، مما انعكس سلباً على أداء القطاعات الطبية بخدمتها للسكان بعد ورود أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين ومن فقدوا حياتهم لتلك القطاعات بينهم نساء وأطفال، بحسب كلامه.
آثار الدمار الذي خلفه القصف التركي لمشفى كورونا في ديرك
وتم تدمير مشفى كورونا في ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، وهو مشفى يتألف من أربعة أقسام، قسمين لمرضى كورونا، وقسمين لمرضى اشتباه كورونا كانت مؤلفة من 12 غرفة وكل غرفة تستقبل 4 مرضى، إذ يتم استقبالهم في هذا القسم لحين إجراء تحليل PCR.
المشفى كانت مجهزة بالأجهزة والأدوية والطاقم الطبي اللازمة بعد القصف تم تدمير جميع الأدوية والأجهزة الموجودة، وكانت تحتوي على أجهزة مونيتور و وجهاز أرزاز وأجهزة الضغط وال أوكسي متر بجميع الغرف و 4 أجهزة منفسة و 2 أجهزة أشعة نقال، وجميع الأدوية الإسعافية والعلاجية للمرضى.
تم تدمير المشفى بشكل كامل، إذ أصبحت كتلة من الركام والخراب.
كارثة حقيقية
“لا يمكن ببساطة إعطاء نسبة مئوية لحجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي ولكن المراقب للوضع الإنساني في شمال شرقي سوريا يدرك تماماً أن أي عدوان على البنى التحتية هو إنذار بكارثة إنسانية على كافة الأصعدة، وعلى رأسها تقديم الخدمة الطبية بأبسط معاييرها”، بحسب نائب هيئة الصحة.
وأردف المسؤول، أن الخدمات الطبية تأثرت بشكل طردي مع ازدياد الاعتداءات، “إذ علمنا أننا بالأساس محاصرون تماماً ونقوم بتأمين المستلزمات الخدمة الطبية من أدوية وغيرها بأصعب الطرق، والتي تكلّف الإدارة الذاتية مبالغ باهظة مع التذكير بأن جميع جهات الدعم من المنظمات الإنسانية غير الحكومية قد علّقت أغلب أعمالها نتيجة العدوان السافر، حيث اجتمعت تلك العوامل لتزيد الأمور سوءاً، وتجعل تقديم الخدمة الطبية تمرُّ بأضيق حلقاتها”، على حد تعبيره.
وأضاف أنه، تستمر الكوادر العاملة الطبية بتقديم كل الخدمات المتاحة، “ولكن لا يمكننا الجزم بالمدة الزمنية لاستمرار هذه الخدمة، نتيجة تداعيات العدوان التركي على البنى التحتية مما يهدد بكارثة حقيقية”، منوهاً أنه “يجب أن يتحمل العالم جميعه مسؤولية اتجاهها بدعم هذه القطاعات وإعادتها للعمل وكبح جماح العدوان التركي”.
وتنص المادة 3، المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والملزمة لجميع الأطراف في النزاع المسلح غير الدولي في سوريا، أن يتم جمع الجرحى والمرضى والعناية بهم. كما يتيح القانون الإنساني الدولي العرفي أيضاً حماية خاصة للمستشفيات والوحدات الطبية والعاملين في الرعاية الصحية.
ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان الحرمان من الحرية تعسفاً. والحق في الصحة، المكرَّس في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي انضمت سوريا إلى أطرافه، ويتضمن التزاماً غير قابل للاستثناء بتأمين حق الاستفادة من المرافق الصحية والحصول على السلع والخدمات الصحية على أساس غير تمييزي، خصوصاً للفئات الضعيفة والمهمّشة، كما جاء في التعليق العام رقم 14. وتوجيه الهجمات عن قصد إلى المستشفيات والأماكن التي تؤوي المرضى والجرحى والهجمات على الوحدات الصحية التي تستعمل شعارات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر يمثل “جريمة حرب في النزاع المسلح غير الدولي”.
وتعريض المرضى والعاملين الطبيين للخطر وتهديد الوظيفة الإنسانية للمرافق الطبية، في نهاية المطاف يولِّد أثراً خطيراً على الوفاء بالالتزام بموجب المادة 3 المشتركة بتوفير الرعاية للمرضى والجرحى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن “الإخفاق في احترام شعار اتفاقيات جنيف يقوِّض غرضها الحمائي”، بحسب “العبدالله”.
“جرم ثابت”
بدوره قال جوان عيسو، وهو محام وعضو لجنة مهجري سري كانيه، إنه “مع كل هذه التصرفات والسلوكيات أو الجرائم، التي تقوم بها الدولة التركية، هي تخالف قواعد اتفاقيات جنيف الأربع، بما فيها الاتفاقية الرابعة، التي تنص بشكل صريح على حماية المدنيين والمنشآت المدنية، وحتى القانون الدولي الإنساني وحسب المواد الرئيسية فيه، أثناء دخول دولة إلى أراض دولة أخرى، عليها أن تلتزم بحماية السكان الأصليين، وعدم استهداف المرافق والمنشآت الحيوية، التي تخدم الشعب، من أجل البقاء والاستمرار والعيش في مناطقهم أو في مدنهم وقراهم ولكن الدولة التركية تخالف كل هذه المعايير”.
وأشار إلى أن الدولة التركية، تضرب كل هذه القوانين والمواثيق والعقود والاتفاقيات، بما فيها اتفاقيات جنيف الأربع، بالإضافة إلى البروتوكولين الملحقين لاتفاقيات جنيف، وهما البروتوكول رقم 1 ورقم 2 عام 1977، إذاً “الجرم ثابت”.
وبحسب “عيسو”، أن “الدولة التركية هي جزء من بعض هذه الاتفاقيات الدولية، ومنها عهد حماية العهد المدني والسياسي، واتفاقية العهود المدنية والسياسية، وهي وقعت عليها، التي تنص بضرورة حماية المدنيين، وضمان الحقوق السياسية والمدنية للسكان الأصليين، بالإضافة إلى اتفاقيات عديدة، منها اتفاقيات جماعية وثنائية، فجرائم الدولة التركية، جرائم واقعة على الأرض، والجرم ثابت، الحالة موجودة، والضحايا موجودون، ونحن نعلم أن هدف تركيا الأساسي من هذه الاستهدافات المباشرة، ومن عمليات الاحتلال، واستهداف المرافق والمنشآت، بالدرجة الأولى غرضها تهجير السكان الأصليين، ومن ثم التمدد واحتلال المزيد من الأراضي السورية”.