ست سنوات على انقضاء الحرب.. منشآت حيوية في الرقة لا تزال خارج الخدمة

فاطمة خالد – الرقة

على مدار ست سنوات من طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من الرقة وانتهاء الحرب، يمر نجم بجانب منشأة هامة كل صباح أثناء توجهه إلى عمله، وهي معمل السكر في الجهة الشمالية من المدينة والذي تدمر بأداة الحرب على المنطقة.

يتساءل نجم العبد الله (53 عاماً،) من سكان الرقة، شمالي سوريا، في نفسه لو كان ذاك المعمل وغيره من المنشآت والمصانع المدمرة، مؤهلاً من جديد ترى كيف يكون تأثيرها على المنطقة؟

وإبان سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على الرقة والحرب عليه تدمّرت عدد من المنشآت في المنطقة، أشهرها معمل السكر والغاز وجسري الرقة القديم والجديد وصوامع الحبوب الإسمنتية، فيما أُعيد ترميم الجسر القديم فقط، والذي لا يخدم عموم سكان المنطقة.

منفعة كبيرة

يعود “العبد الله” ليجيب نفسه بأنها ستكون “نافعة جداً” لمدينة الرقة وأريافها وسكانها والعاملين فيها، إذ ستعود تلك المنفعة على شريحة واسعة من السكان.

يقول الرجل لنورث برس، إن المنشآت الصناعية والمعامل التي تدمرت بفعل الحرب التي شهدتها المنطقة، أثّرت بشكل وبآخر على قطاعات مختلفة كانت تخدمها.

لم تلق بعض المنشآت الكبيرة اهتماماً كبيراً من قبل الإدارة الذاتية والمنظمات العاملة في المنطقة، تقول الإدارة إن ارتفاع تكاليف الترميم هو ما يعيق عملية إعادتها للخدمة.

ووفق تقرير لهيئة المالية فإن عدم تطور النفقات الاستثمارية، من أهم التهديدات المالية التي تواجه الإدارة الذاتية.

وأنفقت الموازنة العامة لـلعام الفائت، 42 بالمئة على الأراضي، و29 بالمئة على المباني، و16 بالمئة على الآلات والمعدات، و6 بالمئة على وسائل النقل، و4 بالمئة على الأثاث، و2 بالمئة كمبيوترات وملحقاتها، و1 بالمئة مشاريع أخرى. بحسب التقرير.

من خلال التدقيق بالأرقام الواردة، فإن المخصصات الاستثمارية “ذات طبيعة استهلاكية ولا تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شمال شرقي وسوريا”. إن المخصصات الاستثمارية، “ليست منخفضة فحسب، بل يميزها سوء التوزيع على المشاريع”.

وأنفقت موازنة العام الفائت، على مشاريع ذات طبيعة استهلاكية، للأعمال غير الإنتاجية، مثل شراء الأثاث والسيارات وأجهزة الكومبيوتر وصيانة المباني. وفقاً للتقرير.

ولم تتضمن النفقات في العام 2022 أي مشاريع استراتيجية كبيرة، كمعالجة مشكلة الطاقة الكهربائية أو تطوير الصناعة، أو التنمية الريفية.

دمار كبير

وتعاني مناطق شمال شرقي سوريا، من دمار في البنية التحتية وخاصة قطاع التعليم والصحة والزراعة والاقتصاد من مشكلات دعم، بحسب تصريح سابق لنورث برس، لا تزال 488 مدرسة بين مدمرة كلياً وجزئياً، إضافة إلى دمار قنوات الري في القطاع الزراعي والمعامل والمصانع التي تدمرت في المنطقة نتيجة الحرب.

يقول أحمد يوسف الرئيس المشارك لهيئة المالية العامة، إن مناطق الإدارة الذاتية تسير وفق “تعظيم الإنفاق الاستهلاكي من خلال فتح المطاعم شراء السيارات، السلع الكمالية كثيرة الاستهلاك نهتم بها، لكن عملية الإنتاج ضعيفة”.

“قد يعمل أكثر من ألف عامل من سكان الرقة في منشئة معمل السكر في حال تأهيله”، يقول “العبد الله”.

ويضيف أن الكثير من الجوانب الإيجابية متوقفة على إعادة التأهيل لهذا المعمل.

ويرى أن المزارعين سيعاودون زراعة محصول الشوندر السكري -كانت حاضرة قبل تدمير المعمل وتوقفت بعد ذلك- والتي سيكون لها تبعات جيدة في كثير من مجالات الحياة في المنطقة.

وفي حال إعادة ترميم معمل السكر في الرقة فإن ذلك سينعكس على معيشية السكان، ففضلاً عن تأمين فرص عمل، سيؤمن مادة السكر في الأسواق وإن لم تكن صالحة لجميع الاستخدامات فيمكن استبدالها عن طريق متاجرة الإدارة الذاتية بها، أو استخدامها من قبل السكان كصناعة المربيات مثلاً.

وهو أمر ينطبق على معمل الغاز أيضاً، فتوقفه عن العمل هو الآخر أثّر في حياة السكان بشكل كبير لندرة المادة واضطرارهم للانتظار لفترات طويلة للحصول على أسطوانة غاز منزلي، بسبب إرسالها إلى الحسكة، على حد قول “العبدالله”.

يتفق يوسف القاسم مع سابقه، إذ يرى الرجل ذو الـ 50 عاماً، إن غياب مثل هذه المنشآت عن الرقة يشكل عبئاً على ساكنيها في عملية الحصول على المواد التي تنتجها كمادة السكر التي تستمر أسعارها بالارتفاع.

ويقول” إنه في السنة السادسة لتحرير الرقة من تنظيم ” داعش” كان لا بد أن يتم بدء العمل على تجهيز هذه المنشآت وإعادتها إلى الخدمة.

فزراعة الشوندر السكري التي كان يعمل بها فئة كبيرة من المزارعين والعاملين في أرياف المدينة، غابت بشكل نهائي من قائمة المحاصيل الزراعية في الرقة بعد أن كانت أحد المحاصيل الرئيسة فيها.

كذلك يرى عبد الحميد العلي، وهو رئيس اتحاد الفلاحين في الرقة، إن تدمير المنشآت خاصة تلك الزراعية منها كان له أثر كبير على الزراعة والمزارعين بالدرجة الأولى.

واضاف لنورث برس أن إعادة تأهيل تلك المنشآت له أهمية كبيرة في العملية الزراعية في المنطقة، ومنها شركة سكر الرقة (معمل السكر) الذي تدمر أثناء الحرب.

وأشار إلى ضرورة العمل من قبل الجهات المعنية على إعادة إعمار المنشآت الصناعية وإعادتها إلى العمل بالشكل الذي يخدم السكان والعاملين فيها.

حيث شهدت المنطقة موسم قمح وفير حدثت الكثير من المشاكل والعراقيل في عملية استلامه من المزارعين، وذلك بسبب عدم وجود “صوامع” كافية لتخزين المحصول، في ظل خروج المنشئة الأكبر منها وهي الصوامع الإسمنتية في الرقة عن الخدمة، وفقاً لـ “العلي”.

ويشدد مسؤول اتحاد الفلاحين على إنشاء معمل السكر في الرقة، لما له من أهمية في العملية الزراعية فالشوندر محصول استراتيجي في المنطقة وتعود أهميته في مجالات صناعية وزراعية على المزارعين ومربي المواشي، حيث يؤمن أعلافاً للماشية أيضاً.

ومن المشاريع التي أنشأتها الإدارة في العامين الماضيين هو مجفف الذرة الصفراء في الرقة، وذلك لزيادة الإقبال على زراعة المحصول من قبل المزارعين.

لكن لم يحقق المجفف الشروط المرجوة في عمله في العام الماضي، بسبب عدم تأهيله بالشكل المطلوب فلم يحقق الإفادة للمزارعين في موسم الذرة الصفراء، طبقاُ لـ “العلي”.

ويطالب الجهات المعنية في الإدارة الذاتية بإعادة إعمار، وتأهيل المنشآت المدمّرة في الرقة الصناعية منها والزراعية كمنشئة معمل السكر ومجفف الذرة، بالشكل الصحيح الذي يحقق مردود وإفادة للجميع.

تحرير: أحمد عثمان