مؤيد الشيخ ـ إدلب
من مكتب عقارات إلى آخر، يبحث الثلاثيني ياسين سويد، الذي رحِّل مع عائلته مطلع الشهر الجاري من الأراضي التركية إلى مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب شمال غربي سوريا، عن منزل سكني متوسط الإيجار ليسكنه مع عائلته المؤلفة من سبعة أفراد مع والدته وأخيه الصغير.
إلا أن طلبه بات من الصعب إيجاده كما يخبره أصحاب المكاتب العقارية، إذ إن إيجار أرخص شقة أو منزل لا يقل عن 120 دولاراً أمريكياً، وهو ما يفوق قدرته لا سيما وأنه جالس دون عمل.
ومنذ تموز/ يوليو الفائت، تعمل السلطات التركية على ترحيل آلاف السوريين اللاجئين على أراضيها إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية.
وأحصت مصادر إدارية في أربع معابر شمالي وشمال غربي سوريا في وقت سابق من الشهر الجاري، ترحيل السلطات التركية ما يزيد عن 18 ألف شخص بينهم عائلات بأكملها إلى المنطقة التي تعاني في الأساس من الكثافة السكانية العالية، وهو ما تسبب بارتفاع إيجارات المنازل والشقق السكنية حال وجودها.
ترحيل إلى المجهول
يقول سويد، وهو من نازحي جنوب إدلب، لنورث برس، إنه وبعد أن سيطرت قوات الحكومة على بلدته مطلع العام 2020، قرر مع عائلته اللجوء إلى الأراضي التركية للعمل هناك لا سيما وأنه لا يملك أي مهنة يستطيع أن يعتاش منها في إدلب إذ كان مصدر دخله وعائلته هو ما تنتجه أرضه في نهاية كل عام.
ومنذ أن وصل إلى الأراضي التركية تنقل بين مدينة لأخرى للابتعاد عن أنظار الشرطة التركية التي كانت تلاحق السوريين وتعتقل كل من لا يحمل بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”.
لكن الأمر لم يستمر طويلاً حيث اعتقل مع زوجته وثلاثة من أطفال أثناء عودته من السوق في مدينة أضنة جنوبي تركيا، لتقوم السلطات في اليوم التالي بإجباره على البصم وترحيله إلى إدلب.
يضيف: “أدركت أن العودة مستحيلة إلى تركيا لا سيما وأن زوجتي وثلاثة من أطفالي معي، حيث أن اثنين منهم ووالدته كانوا لا يزالون في منزله بمدينة أضنة، تواصلت مع والدتي وأخبرتها بأن تترك كل شيء وتسلم نفسها مع أطفالي إلى أقرب مركز شرطة تركية من أجل أن تأتي إلى إدلب، وبالفعل حصل ذلك مطلع الشهر الجاري”.
ويضيف: “بدأت بما أملك من الأموال التي جمعتها خلال سنوات عملي في تركيا مع زوجتي البحث عن منزل أسكن به ومشروع صغير يمكنني من تأمين قوت يوم عائلتي، لكن إلى الآن لم أنجح بذلك”.
ويوضح “سويد” أن محاولاته في العثور على منزل في مدن إدلب وسرمدا والدانا وغيرها من المدن جميعها “باءت بالفشل”، إذ إن المنازل كثيرة لكن إيجاراتها مرتفعة للغاية حتى أنها أغلى من إيجارات المنازل في تركيا.
ويقول: “أريد منزلاً في المدن الكبيرة لأنني معتاد عليها وفرص العمل بها كثيرة ويمكنك أن تعيش بها حتى وإن امتلكت بسطة صغيرة لبيع الخضار، لكن ذلك يقابله صعوبة في إيجاد منزل مناسب لعائلة دخلها مبدئيا معدوم، وإن وجد سوف يكون محدوداً. إيجارات المنازل تتراوح بين 100 و 300 دولار أمريكي وهي أرقام خيالية حقيقة لا يمكنني تحملها، لا أدري ماذا أفعل الآن بعد أكثر من 20 يوم من البحث”.
لم يكن حال عبد الرحمن شناوي (45 عاماً) مختلفاً عن سابقه، فبعد عجزه عن إيجاد منزل بإيجار مناسب له ولعائلته، قرر السكن في منزل على “العظم” بمدينة الدانا شمال إدلب.
يقول لنورث برس: “رحلت مع عائلتي من تركيا منتصف آب/أغسطس الفائت، حيث كنا نتواجد في المستشفى عندما ألقت الشرطة القبض علينا”.
ويضيف: “عند اعتقالي علمت أنني سوف أرحل مع عائلتي إلى شمال سوريا، وكنت أحدث نفسي أنني أملك بعض المال لافتتاح مشروع صغير يمكنني من العيش في إدلب، لكنني فوجئت بترحيلي قسراً إلى تل أبيض رغم رفضي التوقيع والبصم على أوراق الترحيل إليها، لم يعد باليد حيلة دفعت ما كان في حوزتي من مال للمهربين من أجل الوصول إلى إدلب، وهنا بدأت تقريبا من الصفر إذ إن المال الذي بقي لدي لا يكفي لشيء”.
يبحث “شناوي” اليوم عن عمل في مدينة الدانا شمال إدلب التي اضطر للسكن بها من أجل تعليم أطفاله، حيث أن التعليم في القرى والمخيمات “سيء”، حسب قوله.
لا مبررات
يقول كلال الزير وهو صاحب مكتب عقاري في مدينة إدلب، لنورث برس، إن إيجارات المنازل والشقق السكنية وأسعار العقارات بشكل عام في إدلب مرتفعة للغاية، وفي الحقيقة لا يمكن إنكار أنها ارتفعت أكثر منذ بدء تركيا ترحيل السوريين على أراضيها بأعداد كبيرة.
إذ بات أصحاب بعض المنازل يطلب إيجار شقته المؤلفة من أربعة غرف ما يتراوح بين 250 و 400 دولار أمريكي في مدينة إدلب، وفي بعض الأحياء يصل إيجار الشقة إلى نحو 500 دولار أمريكي في الشهر، بحسب “الزير”.
ويشدد “الزير” على أنه لا يرى مبرراً لارتفاع الأسعار بهذا الشكل، إذ أن المنطقة لم تنته بعد من الحرب وربما في أي لحظة ينزح السكان أو تدمر الشقة أو المبنى بشكل كامل جراء غارة أو قذيفة أو ما شابه ذلك”.