دمشق.. تريليونات الدعم “يهدر” الكثير منها بالإنتاج السيء للخبز
ليلى الغريب ـ دمشق
تشير الإحصاءات الرسمية، أن كلفة الدعم السنوي للخبز تصل إلى 8 تريليون ليرة. ولا تتوقف الحكومة عن التذكير بأنها تبيع ربطة الخبز المدعومة بمبلغ لا تتجاوز نسبته 4% من تكلفتها، حيث تباع الربطة المدعومة بمبلغ 200 ليرة، بينما كلفتها أكثر من 1500 ليرة حسب تأكيدات الحكومة.
ومقابل كل هذه المليارات ظلت المخابز تنتج أسوأ رغيف خبز، ويهدر قسم كبير من هذا الدعم بسبب عدم قابلية قسم كبير من الخبز للاستهلاك البشري.
قبل الحرب وخلالها وبعدها، وأصوات السوريين تعلو مطالبة بتحسين نوعية الرغيف، ويذكّر البعض بالقرارات الكثيرة التي تصدرها الحكومة حول كيفية وطرق توزيع الخبز، مقابل تجاهل العمل على تحسين النوعية، أو تمكين الأسر من الحصول على رغيف جيد.
ويتساءل البعض إذا كان البلد عجز عن إنتاج ربطة خبز مقبولة، فهل يمكن الحديث عن صناعة نووية مثلاً؟
حديث مستفز
يقول محمد العمار، من سكان دمشق، لنورث برس، إن الحكومات المتلاحقة عجزت أو تغاضت عن تحسين نوعية الرغيف، حتى أن بعض الأفران تنتج رغيفاً غير صالح للاستهلاك.
وإن أكثر ما يستفزه هو حديث أي مسؤول عن الهدر في الخبز وتكاليف دعمه، إذ إن الكميات التي يحصلون عليها غير كافية، ولا يمكن لأي أسرة أن تهدر مخصصاتها المحدودة من الخبز، لكن القصة في نوعية الرغيف الذي لا يصلح للاستهلاك البشري، بل إن بعض الأفران تصنع الخبز بقصد استهلاكه كعلف للدجاج أو الحيوانات حسب قول “العمار”.
أضاف الخمسيني أبو علاء، أنه يشتري الخبز من مخبز في ريف دمشق، وعندما يصل إلى البيت يعجز عن إعداد سندويشات المدرسة لأبنائه، وأن صاحب الفرن لا يعبأ بكل الشكاوى، بل يتعامل بكل فوقية، ويخبرهم “اللي موعاجبو يشتكي”.
وقال الرجل، لنورث برس، إنه لا يوجد شخص يرغب بهدر الخبز، والجميع يحترمون النعمة، في إشارة إلى أن الخبز نعمة، حسب ما هو متوارث، ولكن عندما يستلم المرء خبزاً غير قابل للاستهلاك، تفوح منه رائحة الحموضة، فكيف سيتم استهلاكه في آخر النهار أو اليوم التالي؟
لا بديل
ويضيف: “ومع ذلك هنالك أناس يأكلون مخصصاتهم من الخبز مهما كانت نوعياتها سيئة، لأنه لا طاقة لهم بتأمين بديل آخر، لأن سعر ربطة الحر من الفرن 1200 ليرة، ومن خارجة تبدأ من 2500 ليرة إلى 5 آلاف ليرة تبعاً للظرف والحالة، أما ربطة الخبز السياحي فتفوق 10 آلاف ليرة، لكل هذا لا بديل عن استهلاك المخبز المدعوم مهما كانت نوعيته سيئة للأسر الفقيرة”.
ويشير إلى أن القصة ليست في سعر ربطة الخبز “فحتى لو رفعوا سعر الربطة إلى سعر التكلفة الذي يتحدثون عنه دائماً وهو 1500 ليرة، سيبقى الهدر على حاله إذا لم تتحسن نوعية الرغيف”.
في الحديث عن مشاكل صناعة خبز جيد، يقول عضو في جمعية المخابز لنورث برس، إن هنالك الكثير من المشاكل التي تحول دون ذلك، ولكن تعد الخميرة من أهم الأسباب لعدم إنتاج رغيف مقبول.
وبين أنه بعد توقف معامل الخميرة في ريف دمشق وحلب عن إنتاج الخميرة المحلية الطرية، وناب عنها الخميرة الجافة المستوردة، “زادت مشاكل هذه الصناعة”.
وأضاف عضو الجمعية، أن المواصفات الفنية للأفران تلعب دوراً أيضاً في نوعية الرغيف المنتج، حيث أن معظم الأفران قديمة ورواتب عمالها محدودة.
وقال مدير فرن سابق يعود للقطاع العام في دمشق، إنه كان مضطراً “لتغطية النقص الذي يحصل عنده في الطحين بطرق عدة، وأن عليه أن يقدم الكثير من ربطات الخبز المجانية لشخصيات لا يستطيع أن يقول لهم لا تدخلوا الفرن، ولهذا يمكن أن تجد الخبز لم ينضج بالشكل المطلوب في بعض الأيام، لكي يغطي النقص الحاصل بوزن الربطة الذي يصبح أكبر عند عدم النضج”.
تكاليف مرتفعة
يضيف المدير السابق أن معدات الفرن قديمة ومساحته كبيرة جداً، تجعله حاراً جداً في الصيف وبارداً في الشتاء، مع أجور محدودة للعمال، وكل هذا على المدير أن يعوضه ويجد له حلولاً لكي يستمر العمل، حسب قوله.
يضاف لهذا أن قطع التبديل وأجور الصيانة مرتفعة جداً، وأنه كحال كل القطاع العام الذي خسر كوادره، كذلك هنالك نقص كبير في العمالة خاصة الخبيرة منها، بسبب العمل المرهق وقلة الأجور.
و”يستمر الحال على ما هو عليه، بإنتاج خبز يهدر منه الكثير، وكأننا ما زلنا نغطي الحاجة من الطحين من الإنتاج المحلي، ولا نستورد القمح بمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات”، بحسب المدير السابق.
تحرير: تيسير محمد