إضاءة على حقيقة العلاقات السورية الصينية

منذر خدام

تميَّز تاريخ العلاقات السورية الصينية، بصورة عامة، بالصداقة على الصعيد السياسي، فلا يعرف عن سوريا أن اتخذت أي موقف في المحافل الدولية يخالف مواقف الصين من القضايا التي تهمها، وبالمقابل فقد كانت الصين داعماً دبلوماسياً لمواقف سوريا بصورة عامة، خصوصاً في مجلس الأمن خلال الأزمة التي تفجّرت فيها في عام 2011. غير أن الترجمة الفعلية لهذه الصداقة على الصعيد الاقتصادي حتى عام 2010 لم تخرج عن نطاق إعلان النوايا والرغبات في تطويرها. ومع أنه تم في عام 2001 إنشاء لجنة عليا مشتركة لمتابعة تحقيق هذه النوايا والرغبات، إلّا أن مناقشات هذه اللجنة لم تخرج عن نطاق العلاقات العامة، لتتوقف أخيراً عن عقد اجتماعاتها الدورية في عام 2010.

 لقد غابت الصين عن خارطة الاستثمار في سوريا قبل عام 2011، لتنحصر في مجال المبادلات التجارية، وخصوصاً من الصين إلى سوريا. وحتى في المجال التجاري لم تشكل واردات الصين أكثر من 8% من إجمالي وارداتها من السلع، متخلّفة عن تركيا في ذلك الوقت، في حين كانت مبادلات سوريا التجارية مع دول الاتحاد الأوربي تشكل نحو 54% (منها مع إيطاليا نحو 27 %)، من حجم مبادلات سوريا التجارية الكلية.

لا شك أن الظروف في سوريا قد تغيرت كثيراً مع تفجّر الأزمة فيها، وفرض الدول الغربية والعربية حصاراً اقتصادياً شاملاً عليها. في هذه الوضعية كان من المتوقع أن تنشط العلاقات الاقتصادية مع الصين لتعويض ما تسببت به الأزمة والحصار من مشكلات اقتصادية، لكن ذلك لم يحصل، بل خلقت الأزمة عقبات إضافية. ومع زيارة وزير خارجية الصين إلى دمشق في تموز من عام 2021 تجدد الرهان على تنشيط العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خصوصاً بعد توقيع سوريا في عام 2022 على اتفاقية الانضمام إلى مشروع “الحزام والطريق” الصيني، لكن ذلك لم يحصل. ورغم تعطش السوق السوري إلى البضائع بقيت حصة الصين من وارداته متذبذبة تراوح بين نحو 6% في عام 2015، و10% في عام 2020. أما في المجال الاستثماري فلا يُعرف عن الصين مساهمتها في أي مشروع استثماري قبل عام 2011 في حين اقتصرت مساهمات بعض المستثمرين الصينيين على مشروعين، واحد لنقل الركاب والمجموعات السياحية كان من المفترض أن ينفّذ في عام 2011، ومشروع آخر يتعلق بإنتاج خلاطات المياه خُطط له أن ينفذ في عام 2019، لكن المشروعين بقيا حبراً على ورق.

وفي مجال الدعم الفني والإنساني، خصوصاً خلال جائحة كوفيد، والزلزال الذي تسبب في أضرار بالغة في محافظة اللاذقية على وجه الخصوص، فما قدّمته الصين من منح لا يزيد عن 100 مليون يوان صرفت على بعض المجالات مثل النقل والصحة والمياه.

لا يمكن لوم الصين وحدها على محدودية العلاقات الاقتصادية بينها وبين سوريا، خصوصاً في مجال الاستثمار، بل اللوم الأكبر يقع على الجانب السوري. فمن المعلوم أن السياسة الاقتصادية للنظام السوري قبل عام 2011 كانت متوجهة غرباً نحو أوربا وجنوباً نحو دول الخليج، وكلتا الجهتين فرضتا حصاراً على سوريا بعده.  وإذ بدأ النظام يتوجه شرقاً كان اقتصاد سوريا قد دخل في أزمة بنيوية عميقة. أضف إلى ذلك فإن الاستثمار يتطلب وجود مناخ استثماري ملائم يشكل احترام القانون فيه ركناً أساسياً، إضافة إلى وجود قضاء مهني فعّال، وهذه وغيرها تفتقر إليها البيئة الاستثمارية في سوريا. ومما فاقم من هذه الوضعية أيضاً العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا وأروبا على سوريا.

من مآخذ النظام السوري على الصين تردّدها وإحجامها عن الاستثمار في سوريا، رغم صدور قانون جديد له، يتضمن كل الضمانات القانونية والتسهيلات لتشجيع الاستثمار الأجنبي، إلّا ان لدى الصين ما تقوله بهذا الخصوص. فبيئة الأعمال في سورية لا تشجع على الاستثمار، إضافة إلى ان العقوبات الأمريكية عليها تشكل عائقاً كبيراً أمام القطاع الخاص الصيني، خصوصاً لجهة العوائق الفنية والتمويلية التي خلقتها. 

وإذا كانت العلاقات الدبلوماسية النشطة بين سوريا والصين، وتبادل الزيارات، وإنشاء لجنة عليا لمتابعة العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين لم تنجح في تفعيل العلاقات الاقتصادية بينهما خصوصا لجهة المساهمة في الاستثمار في البنية التحتية، وفي إعادة الاعمار، فقد تجدد الرهان من جديد على زيارة الرئيس السوري إلى الصين لتفعيل هذه العلاقات وتطويرها. غير أن ما ورد في البيان المشترك الصادر عن لقاء الرئيسين السوري والصيني لا يدعوا للتفاؤل.

 اللافت أن البيان لم يتطرّق إلى المسائل الاقتصادية إلا بعبارة فضفاضة جاءت في الفقرة الثالثة منه تنص على ” التعاون الودي في الاقتصاد والتجارة…” دون ذكر لأية التزامات محددة من الجانب الصيني تخص مثلاً المساهمة في إعادة الاعمار، أو الاستثمار في البنية التحتية، أو في قطاع الكهرباء أو في تجديد المصانع التي تأثرت بالأزمة. ومما يدعو للتساؤل عدم التزام الصين بالاستثمار حتى في المشروعات التي تعد جزءاً من مشروعها للحزام والطريق، مثل إنشاء سكة حديد تربط الساحل السوري بالحدود العراقية، وإنشاء طريق سريع يربط تركيا بدول الخليج.

وبالمناسبة لم تكن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للصين زيارة دولة، بل زيارة لحضور افتتاح دورة الألعاب الأسيوية في الصين، وهذا ما تم توضيحه في مقدمة البيان المشترك الصادر عن لقاء الرئيس السوري بالرئيس الصيني. ورغم كل النتائج المتواضعة لزيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين فقد اجتهد نظامه للاستثمار السياسي فيها.