في الذكرى السادسة لطرد “داعش”.. “شلل نصفي” بعملية إعادة إعمار الرقة

فاطمة خالد – الرقة

يرى حمود أن حركة العمران في الرقة ليست بـ “المستوى المطلوب”، إذ تحركت في جانب فيما بقيت متراجعة بجوانب أخرى.

في الذكرى السنوية السادسة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من الرقة، يقول حمود الأحمد، وهو مهندس استشاري في نقابة المهندسين بالرقة، لنورث برس، إن المدينة لا تزال تعاني من “شلل نصفي” في عملية إعادة إعمارها.

خلال معركة طرد التنظيم تعرّضت مدينة الرقة لدمار “كبير”، حيث تسببت الطائرات بتدمير نحو 80 بالمئة من المدينة، وكان التحالف الدولي قد ألقى حوالي 10 آلاف قنبلة على المدينة. وفق ما وثقت تقارير، على اعتبار أن المدينة كانت عاصمة التنظيم المزعومة.

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في عام 2020، أن الرقة على نطاق واسع أكثر المدن تعرضت لدمار في العصر الحديث.

ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، تم تدمير وإلحاق أضرار بأحد عشر ألف مبنى بين شباط/ فبراير وتشرين الأول/ أكتوبر 2017، بما في ذلك 8 مستشفيات و29 مسجداً وأكثر من 40 مدرسة وخمس جامعات بالإضافة إلى نظام الري في المدينة.

إعمار ظاهري

عندما ينظر شخص وافد قادم من مدن أخرى إلى الرقة، يرى للوهلة الأولى أبنية حديثة وحركة عمرانية متطورة من خلال الاعتناء بالأشكال الخارجية للأبنية التي صُممت بطريقة هندسية تلفت الأنظار.

ذلك التطور -كما يطلق عليه البعض- تفتقده غالبية مناطق المدينة، والتي لا زالت مدمرة، حيث تفتقد لبنى تحتية، إذ إن مناظر الدمار لا زالت موجودة بمجرد الدخول في أي حي من أحياء المدينة.

ونتشر مظاهر الدمار في مدينة الرقة، ولا تكاد تخلو “حارة” أو “حي” في المدينة، دون مظاهر الخراب والأسقف المهدمة والدمار، على الرغم من حركة بناء واسعة شهدتها الرقة.

يقول ” الأحمد” معلقاً على حركة إعادة الإعمار في الرقة، إن هناك قسمان في عملية الإعمار يرتبط الأول بقطاعات خاصة تتبع أغلبيتها لسكان الرقة الذين دُمرت بيوتهم أثناء الحرب، وتشهد تلك حركة عمرانية متطورة تمثلت بعدد من الأبنية الحديثة ذات الطابع الهندسي الحديث، “أضاف رونقاً جميلاً للمدينة”.

في حين يرتبط القسم الآخر في الإدارة الذاتية، والذي يعاني “من نقص وتراجع في إعادة الإعمار بمختلف المجالات، من ترميم وتأهيل الأبنية المدمرة وإعادة إصلاح البنى التحتية، وغيرها”، وفقاً لـ “الأحمد”.

ويرى المهندس الاستشاري أن هناك تقصير “واضح” من قبل الإدارة الذاتية في عملية إعادة الإعمار في الرقة، تمثّل في سوء الخدمات من إصلاح لشبكة الكهرباء، التي لا زالت مدمرة مما يدفع السكان لاستخدام الشبكة البديلة.

وتفتقر أحياء في مدينة الرقة إلى الكهرباء النظامية، رغم مضي ست سنوات على طرد التنظيم، وبعد تشكيل مجلس الرقة المدني في نيسان/ أبريل 2017.

وكشف تقرير، طلب البنتاغون إعداده، أنه كان بإمكان الجيش الأميركي، الحد من الأضرار التي لحقت بالمدنيين خلال معركة الرقة، التي شهدت سقوط تنظيم “داعش” عام 2017.

ويُضاف لمشكلة الكهرباء، معاناة ساكني عمارات طابقية في المدينة من صعوبة استجرار المياه إلى منازلهم، وذلك للانقطاع والنقص في نسبتها “رغم أن الرقة تقع على نهر الفرات”، يقول “الأحمد”.

ويضيف: “تعد الرقة الآن بعد سنوات التحرير الست في مرحلة استقرار”. ويرى أنها “يجب أن تكون أفضل من ذلك فمثلاً لا تزال تقام الجسور الحربية المؤقتة المصنوعة من الحديد، والتي كان من المفترض أن تستبدل بجسور اسمنتية دائمة تخدم المنطقة”.

حصار

يشير “الأحمد” إلى أن ما أعاق حركة البناء في الرقة في العامين الأخيرين هو الحصار الاقتصادي المفروض على الإدارة الذاتية، الأمر الذي أدى إلى غلاء أسعار مواد البناء، ما دفع الكثير من السكان والشركات الخاصة المنفذة إلى إيقاف البناء.

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على سوريا سُميت بـ “قانون قيصر” تهدف إلى منع الأنشطة التجارية الأجنبية من التعاون مع الحكومة السورية.

وقانون قيصر منع الكثير من المنظمات الإنسانية وشركات الاستثمار من التوجه لسوريا خوفاً من شملها بالعقوبات، ما جعل سكان الرقة يصارعون للنهوض في بنيانهم.

وفي أيار/ مايو العام الماضي، استثنت وزارة الخزانة الأميركية مناطق في شمالي سوريا من عقوبات “قيصر”، وشمل الاستثناء قطاعات الزراعة والاتصالات والبنى التحتية للكهرباء والتمويل والطاقة النظيفة والنقل والتخزين وإدارة المياه والنفايات والخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة، والتعاملات المتعلقة بالنفط.

وقسمت المناطق المعفية من عقوبات قانون “قيصر” إلى أربع قطاعات، منها مركز مدينة الرقة والطبقة وعين عيسى، باستثناء نواحي تابعة لقوات دمشق.

لكن علي الساير، أحد المقاولين العاملين في الرقة، أشار إلى أن الحصار الاقتصادي المفروض على المنطقة شكل عبئًا عليهم، وأدى إلى غلاء مواد البناء.

ويضيف لنورث برس، أن إغلاق المعابر أدى إلى توقف حركة البناء وأثر بشكل كبير على أعمالهم كمقاولين وأصحاب شركات بناء خاصة، وحتى على القطاع العام.

ويقدّر “الساير” نسبة النهضة العمرانية في مدينة الرقة بين القطاعين الخاص والعام بنسبة 40 بالمئة، وهي نسبة “جيدة ” -كما وصفها- إلا أنها تفتقد لبعض الإمكانيات التي تحتاجها لتتطور أكثر، حسب قوله.

ويشير إلى أن الحصار الاقتصادي على المنطقة، يتسبب بغلاء في أسعار مواد البناء، كما الحال في بقية المواد في كافة المجالات الطبية والغذائية، وغيرها.

ويضيف، أن الحصار بشقيه السياسي والاقتصادي المفروض على المنطقة، حال دون تطبيق الاستثناء الذي أصدرته الخزانة الأمريكية، حيث شهدت المنطقة انقطاعاً لبعض المواد منذ أشهر.

وفي أيار/ مايو الماضي، أُغلق معبر سيمالكا الذي يربط بين مناطق الإدارة الذاتية وإقليم كردستان العراق، وتسبب إغلاقه بارتفاع أسعار مواد البناء والمواد الغذائية وسلع أخرى، بأسعار وصلت لأضعاف لبعض المواد.

للهجرة أشكال وآثار

يقول سعيد السرّاج، وهو ناشط مدني من الرقة: “لا نستطيع أن نقول إن الإدارة الذاتية حديثة العهد بعد مضي ست سنوات على التحرير، وهي فترة كان من المفترض أن تنهض بالمدينة إلى حال أفضل مما هي عليه الآن”.

ويضيف أن ما يعيق سكان الرقة على إعادة الإعمار، هو عدم وجود جهود حثيثة لصب طاقات وإمكانات محددة في عملية إعادة الإعمار.

بالإضافة إلى قلة الدعم من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني القائمة على العمل، إذ تركز دعمها على التمكين والتماسك المجتمعي، ورغم أنه جانب مهم في إعادة بناء الإنسان، إلا أن إعادة الإعمار لا سيما البنى التحتية غائبة وهو الأمر الأكثر ضرورة، وفق رأي “السرّاج”.

وساهمت هجرة الأموال والأشخاص إلى الخارج في إعاقة حركة إعادة الإعمار، إذ هاجرت الكثير من العقول وافتقدت الرقة لكثير من أصحاب الخبرات، وفقاً لقوله.

ويرى “السراج” أنه يجب أن تصب رؤوس الأموال الموجودة في عملية إعادة الإعمار “بشكل حقيقي” بدلاً من أن تستنزف في تجارة السيارات وغيرها من الأمور الأقل ضرورة.

ويسهم دخول السيارات “الأوروبية” إلى المنطقة بما يُعرف بهجرة الأموال، حيث أسهمت إلى حد بعيد من إفراغ المنطقة من مقدراتها المالية التي من شأن توظيفها بمشاريع تنموية تحريك اقتصاد المنطقة.

كما أن لهجرة الأشخاص تأثير على إعادة الإعمال والاقتصاد، حيث يضطر سكان لبيع منازلهم وممتلكاتهم وإرسال مبالغ نقدية إلى دول الجوار كـ تركيا ولبنان أو الجزائر.

يقول “السرّاج” إن عدة مشاريع في الرقة وفي شمال شرقي سوريا منها ما يخدم المنطقة، مثل إعادة ترميم الجسور ومشاريع التعبيد، ومنها ما لم يلبي حاجة الناس الحقيقة المطلوبة، كمشاريع المجتمع المدني من إنشاء حديقة على ضفة النهر وغيرها.

ويضيف: “لم يغب تأثير العقوبات الأمريكية التي فرضت على سوريا، ولم يسهم استثناء المنطقة في حركة إعادة الإعمار، ولم يحقق الأهداف المرجوة”.

ولم تؤثر اقتصادياً ولم تعيد الانتعاش للمنطقة “بل بقي الوضع كما هو” ووصل سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية إلى مستويات عالية وهو في ارتفاع مستمر. حسب قول “السرّاج”.

حاجة لدعم وجهود

يوافق عبد السلام حمسورك، وهو نائب الرئاسة المشتركة لمجلس الرقة المدني، سابقه، في أنه رغم استثناء مناطق شمال شرقي سوريا من قانون ” قيصر” إلا أن الشركات الدولية لم تدخل المنطقة.

ويعزو السبب في ذلك للقصف التركي المستمر على المنطقة، إضافة لاستمرار أسعار صرف الدولار الذي أثر على شمال شرقي سوريا بشكل كبير، على حد قوله.

ويقول إن الرقة لا تزال بحاجة إلى الكثير من الخدمات في مختلف القطاعات. مشيراً إلى أن نسبة الإعمار في الرقة تتفاوت بحسب القطاعات ففي بعضها تشكل نسبة الإعمار ما بين 60 إلى 90 بالمئة، “لا توجد قطاعات استوفيت بشكل كامل”.

وبما أن الرقة كانت عاصمة لتنظيم “داعش” أثناء سيطرته عليها، وصلت نسبة الدمار في بعض القطاعات إلى مئة بالمئة كقطاع الكهرباء، وفقاً لـ “حمسورك”.

وأشار المسؤول في مجلس الرقة المدني إلى أنهم لا يزالون بحاجة إلى الكثير من الجهد والدعم لإعادة إعمار الرقة من جديد.

وجاء تصريح “حمسورك” خلال مشاركته في افتتاح مدرسة “الرشيد” الإعدادية وسط مدينة الرقة، وهي مدرسة تدمّرت بشكل كامل، وأعادت لجنة التربية والتعليم بنائها، مشيراً إلى أن المدارس من ضمن مشاريع إعادة الإعمار لا سيما أن “داعش” اتخذ منها مقرات له.

وقال “حمسورك” إن الفترة الأخيرة شهدت تقليص الدعم من قبل المنظمات الدولية، الأمر الذي يعيق بدوره حركة إعادة الإعمار من ترميم معامل ومنشآت زراعية كمعمل السكر وغيرها.

تحرير: أحمد عثمان