صدَّ الشظايا التركية عن ابنه فقضى أمام باب منزله بريف القامشلي
هاوار هبو ـ ريف القامشلي
الشظايا في كل مكان، تشقق الجدران، حالات إغماء وأصوات صراخ، كأنه انفجار وسط المنزل، لحظات فاقت حد المأساة الإنسانية عاشها علي حسين العليوي، وهو يحمل أخيه الأكبر وابن أخيه ملقى على الأرض بسبب الإصابات في الوجه.
أكثر من أسبوع من الهجمات التركية العنيفة الجوية على المنشآت الحيوية والمراكز الخدمية في شمال شرقي سوريا، تسببت بخسائر مادية وبشرية كبيرة وانقطاع الكهرباء والمياه عن عشرات الآلاف من السكان، وتدمير العديد من المحطات النفطية.
نال أسرة العليوي النصيب الأكبر بين المدنيين من التصعيد التركي، بعد خسارة الأخ الأكبر لعلي وإصابة ابن أخيه بجروح وإصابات متعددة في الوجه والعين وهم أمام باب المنزل.
وقصفت الدولة التركية في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، محطة كرداهول النفطية، في بلدة تربسبيه/ القحطانية، في شمال شرقي سوريا، عبر طائرات مسيرة وحربية، تسبب بدمار كبير، توزعت شظاياه في كامل الأرجاء، ليضرب عدد كبير منها منزل محمد حسين العليوي القريب من المحطة بمسافة لا تتعدى 400متر.
قضى بسببها محمد العليوي وأصيب ابنه الصغير معتصم، وهما أمام باب المنزل.
لحظات صعبة
عاش الطفل لحظات صعبة، وهو لا يتذكر شيئاً عن الحادثة، من الصدمة التي تعرض لها بفقدان والده الذي حاول إنقاذ ابنه معتصم، أثناء الاستهداف الجوي، إذ قام بدفعه صوب باب الغرفة لحمايته من التعرض للشظايا.
وجنّب الأب ابنه الكثير من الشظايا ليصدها هو في جسده، وكان نصيب الطفل بعضاً منها، وأصابته في العين والوجه والصدر، بينما فارق الأب الحياة.
وتبدو الحالة الصحية لـ”معتصم” شبه مستقرة بعد نقله للعاصمة دمشق وتركيب عدسة للعين لكنه لم ينسَ هول الفاجعة وصوت الضربة الجوية التي هزت جدران المنزل.
ورغم عدم تذكره لكامل التفاصيل، لكنه يروي لنورث برس بعض التفاصيل، فيقول الطفل: “بينما سمعت صوت القصف فتحت باب المنزل لأرى ما الذي جرى، سرعان ما شاهدت والدي على الباب ويحميني من الشظايا التي تساقطت كالمطر”.
حالة من الخوف والرعب عاشتها هذه العائلة، فالأطفال لم يناموا منذ عدة أيام وأصوات الطائرات لا تزال في مخيلتهم وصورة الوالد لا تفارق أعين الجميع.
“زلزال مدمر”
محمد حسين العليوي من مواليد 1973 من قرية حلوة بريف تربسبيه التابعة لمدينة القامشلي، درس في مصر الطب البديل، عاش في كنف عائلته المؤلفة من 5 أشقاء و5 شقيقات، إضافة إلى أمه وزوجته و4 بنات و3 أولاد لديه.
علي حسين العليوي الذي يعتبر محمد أخ وأب له، ويسكن بالقرب من منزله، يصف الحالة التي مروا فيها والمشاهد الفظيعة التي عاشوها هو وعائلته لحظة استهداف المحطة وتوزع الشظايا في كامل أرجاء منزلهم.
يقول علي لنورث برس: “عندما استهدفت الطائرات التركية المكان عشنا لحظة وكأننا في زلزال مدمر، امتلئ المكان كله بالغبار وتشققت الجدران”.
خرج علي ليرى ما الذي جرى، وفجأة وبعد زوال الغبار، “أرى أخي محمد في حالة يرثى لها من كثرة تعرضه لإصابات الشظايا في كامل جسده، حملته على كلتا يداي وإذا بابنه معتصم فاقدا للوعي على باب الغرفة”.
ويقول: “من شدة الضربة وقعت والدتي المريضة أرضا، والكل في حالة نفسية مرعبة، ليقوم رجال الأمن في الحاجز القريب منا بمساعدتنا والاتصال برجال الإسعاف والطوارئ”.
وفي اللحظة الأولى، أدرك علي أنه فقد أخاه لأنه كان قد تعرض لإصابات خطيرة في الرأس، لكن ابنه الصغير معتصم كان بحاجة إلى حالة إسعاف طارئة.
“تمكنا من إنقاذ معصتم، لكنني خسرت أخي الدكتور محمد أبو حسين الذي كان معي في كل مواقف الحياة، وكنا نعمل معا في محل طب للأعشاب وسط المدينة”.
يضيف علي: “بسبب تركيا أصبحت المنطقة غير آمنه، فكيف لشخص اليوم يعيش ويعمل أمام باب منزله وتسقط شظايا وقذائف وسط عائلته، فمن الصعب جداً اليوم. أولادنا وبناتنا اليوم وبهذا العمر يكبرون على مشاهد الدم وصوت الانفجارات والقصف”.
استهدفت القوات التركية 264 موقعاً في شمال شرقي سوريا، خلال عشرة أيام، وفقاً لما سجله قسم الرصد والتوثيق في نورث برس.
وتوزعت المواقع المستهدفة بين 29 موقعاً للبنى التحتية، و185 مواقعاً سكنياً، و38 موقعاً عسكرياً بينهم 25 للقوات الحكومية, و7 أراضٍ زراعية, و3 معامل صناعية, ومدرسة ومشفى، بحسب “الرصد والتوثيق”.
وتم استهداف هذه المواقع بـ 356 ضربة منها 267 بالمدفعية والأسلحة الثقيلة, و25 بالطيران الحربي, و64 ضربة بالطائرات المسيرة.
وفقد 9 مدنيين حياتهم وأصيب 15 آخرون، بينما فقد 39 عسكرياً حياته وأصيب 34 آخرون خلال عشرة أيام من التصعيد التركي.