آردو جويد ـ حلب
يواجه يوسف قشقش (35 عاماً)، وهو من سكان حي صلاح الدين بحلب، في الجهة الجنوبية من المدينة، تحديات مالية وصعوبات في تأمين احتياجاته اليومية للعائلة وسط ارتفاع الأسعار الجنوني وتدني أجور العمالة بالمقابل.
يعيش “قشقش” براتب ثابت قدره 800 ألف ليرة شهرياً، ضمن معمل في المنطقة الصناعية العرقوب، وتعتبر المنطقة التي تضم نحو ما يقارب 1354 عاملاً من مختلف الاختصاصات الإنتاجية مصدراً للكثير من العمال الذين يتقنون الكثير من الحرف والمهن، بحسب تصريح مسؤول المنطقة التابع لغرفة الصناعة، لنورث برس.
فقر أسود
يعد تدني أجور العمالة أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أرباب العائلات في مناطق الحكومة السورية. فالوضع الاقتصادي الصعب والظروف السياسية المتأزمة في البلاد، أدت إلى تخفيض الرواتب لمستويات متدنية، مما تتسبب في تكبد العمالة الأجور غير الكافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
بالرغم من أن مبلغ الـ800 ألف ليرة الذي يتقاضاه “قشقش” قد يبدو كافياً في العام الماضي، لكن الرجل الثلاثيني يجد صعوبة كبيرة في تلبية كافة النفقات الشهرية لعائلته في هذا العام.
ويضاف إلى صعوبات القدرة على المعيشة لدى عائلة “قشقش”، تحدي آخر يتمثل في دفع إيجار منزله الشهري البالغ 150 ألف ليرة سورية. ولديه ابنان أحدهما في الصف الثالث من المرحلة الأولى في التعليم والآخر بعمر 6 سنوات.
ويتكلف “قشقش” مبالغ إضافية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية شهرياً، تشمل نفقات المدرسة واللوازم المدرسية، مما يدفع العائلة أن تحول نفقات المنزل إلى طعام جاف فقط، حيث يقتصر على ذلك دون استهلاك اللحوم أو الفواكه.
ويقول “قشقش” بلهجته: “الحمد لله مستورين رغم أنه عم نعيش الفقر الأسود من وين بدك تحلق مصاريف أكل ولا الغاز ولا المواصلات وما بدي احكي عن أوقات بستنا نشتري أسوأ الخضرة عند البياع قبل ما يكبها بالزبالة”.
وتزيد على ذلك مشاكل الصحة التي تزيد من معاناة فئة العمال وعائلاتهم، إذ بسبب نقص التغذية يعاني أطفال” قشقش” من فقر دم شديد وتراجع في النمو وهم متوقفون عن زيارة الأطباء بسبب التكاليف الطبية المرتفعة وأجورهم المنخفضة.
اضطراب الأسعار
ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في مناطق سيطرة الحكومة السورية بعد رفع سعر المحروقات يشكل تحديًا كبيراً أمام السكان والاقتصاد العام وفي ظل ضعف الأجور يشعر أرباب العائلات بالقلق والضغط الاقتصادي المستمر. فهم يواجهون صعوبة في تقديم الدعم المادي الكافي لعائلاتهم، ما يؤدي إلى زيادة الاحتياجات والديون التي تخلق الاضطرابات النفسية.
يقول سامر بودقة، وهو مستشار اقتصادي في غرفة تجارة حلب، إن جميع المعاناة المعيشية التي تمر بها البلاد هي بالحقيقة ذات حدين “الأول العقوبات الدولية والثاني لا نملك فريقاً اقتصادياً متمكن من إدارة الأزمة إلى الآن”.
وأضاف الخبير أن “البنك المركزي ترك أثراً سلبياً كبيراً في السوق والتجار في لعبة المنصة ودعم القطع الأجنبي لدخول البضائع ومنها السلع التي تستهلك بشكل لحظي ويومي وتأثر على سير عمل السوق اليومية”.
وأشار “بودقة ” إلى أنه يجب أن تتحمل الحكومة السورية مسؤوليتها في حماية حقوق العمالة وتوفير بيئة عمل عادلة ومستدامة. إن استثمار الجهود والموارد في تحسين الأجور والظروف العمالية سيكون له تأثير طويل الأمد، بالإضافة للرجوع عن الضرائب العالية التي تجبر الكثير على الإغلاق مما يزيد البطالة.
وذكر “بودقة” أن إيقاف الدعم الحكومي أثر بشكل كبير على معيشة عائلات الدخل المحدود وتذبذب الأسعار وارتفاعها رغم سعي المركزي إلى ضبط سعر الصرف مع الموازي لكنه ترك فجوة في نشرات الأسعار بين مكان وآخر وتوقف تطبيق قانون 8 لضبط الأسعار فاقم الأمر.
تضاعفت الأسعار
في الوقت الذي يدور فيه سكان سوريا حول مشاكل سياسية ومعيشة رغيدة، هناك عائلة تعيش تحت خط الفقر في أحياء حلب الشرقية تصارع الجوع يومًا بعد يوم كـ “صراع الجبابرة” مع الظروف الصعبة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يجعل من الصعب تأمين لقمة عيشها وحاجات أسرتها.
ويعمل أسامة سماقية (40 عاماً)، وهو من سكان حي التراب، ضمن معمل للخراطة وسكب الألمنيوم في منطقة العرقوب بدوام 11 ساعة متواصلة براتب يصل 160 ألف ليرة أسبوعيا، وهو دخل شبه معدوم لكن يعمل لضعف إمكانية إيجاد عمل أفضل.
ويعيش الرجل الأربعيني، مع أسرته ضمن منزل عربي لا يملك به مقومات الحياة بسبب الحرب التي كانت دائرة في منطقة وهم يعيشون من الطعام الذي يتم توزيعه من الجمعيات الخيرية في المنطقة بسبب ارتفاع المواد الغذائية بشكل يصعب عليه شراء أي شيء.
بدأت المواد الغذائية والبضائع الأخرى تتضاعف في الأسعار بشكل كبير. في المقارنة مع الأسعار السابقة قبل شهرين، ارتفعت أسعار الخضروات بنسبة تصل إلى 60%، وارتفعت أسعار المواد التموينية التي تشمل الأرز والسكر والطحين بنسبة تجاوزت 80%، وهذا يعني أن كثيراً من الأقل دخلاً لديهم صعوبة في توفير احتياجاتهم الأساسية.
وأشار “سماقية” إلى أن المنطقة التي يسكن فيها تعاني من انعدام الخدمات وتهدم كبير في البنى التحتية وازدياد تفشي الأمراض بين العائلات التي تسكن في الجوار وعدم قدرته على الانتقال من المكان بسبب تدني الأجور وعدم وجود بديل أفضل لحياة أسرته وخاصة لديه طفل معاق بين أطفاله الأربعة.