عصاً لإرضاخ الفصائل.. تركيا تصمت عن عمليات تحرير الشام
مؤيد الشيخ/ هاني السالم ـ إدلب/ ريف حلب
يرى مهدي سليمان وهو ناشط متابع للتطورات العسكرية الأخيرة بين الفصائل في شمال شرقي حلب، أن صمت تركيا على العمليات العسكرية لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، “هي في الحقيقة ليست حباً بالأخيرة”.
ولكن يمكن القول، بحسب “سليمان”، إنها “أقرب ما تكون لتخويف الفصائل العسكرية هناك بالخطر القادم في حال عدم رضوخهم وانقيادهم لأوامرها، وليس أفضل من هيئة تحرير الشام للقيام بهذا الأمر وفرض سياسات الأمر الواقع على الجميع”.
وعادت للواجهة مؤخراً صراعات الفصائل العسكرية في مناطق شمال غربي سوريا، حيث تحاول بعضها توسيع مناطق نفوذها على حساب فصائل أخرى في مناطق شمال شرقي حلب، لأهداف اقتصادية بحتة وذلك تحت أنظار القوات التركية التي تنتشر في أكثر من 45 موقعاً في ريف حلب وحدها.
وتركيا صاحبة القرار الوحيد في المنطقة من خلال إدارتها لفصائل الجيش الوطني السوري بمختلف تشكيلاته، إلا أنها ووفقاً لناشطين، راضية عن تقدم تحرير الشام على حساب الفصائل التي تدعمها.
وتسيطر هيئة تحرير الشام بشقيها العسكري والمدني “حكومة الإنقاذ السورية” على أجزاء واسعة من إدلب وأجزاء أخرى من أرياف حماة وحلب واللاذقية شمال غربي سوريا.
ومنذ أواخر العام الفائت 2022 تحاول الهيئة توسيع مناطق نفوذها من خلال عمليات عسكرية ضد فصائل الجيش الوطني الذي تديره الحكومة السورية المؤقتة، والذي يسيطر على مناطق شمال وشمال شرق حلب المعروفة باسم منطقتي “درع الفرات وغصن الزيتون”، وذلك على الرغم من أن المنطقة خاضعة للسيطرة التركية.
أصدقاء الأمس أعداء اليوم
وتسعى تحرير الشام جاهدة منذ أشهر من خلال حلفائها للسيطرة على المعابر الاستراتيجية التي تربط مناطق شمال شرق حلب بمناطق سيطرة قوات دمشق وقوات سوريا الديمقراطية.
لكن حليفها أحرار الشام لم ينجح بذلك لتعود وتدخل بنفسها مستغلة ما يسمى “فزعة العشائر” ومنذ وصولها إلى المنطقة بدأت عملياتها ضد الفصائل هناك وأبرزها فصيل السلطان مراد المقرب من القوات التركية، إذ شهدت المنطقة مؤخراً اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وسط صمت تركي كبير.
يضيف “سليمان”: “كما نرى جميعا أصدقاء الأمس أعداء اليوم والعكس صحيح، فلا يوجد قاعدة محددة للحلفاء، فما يحدد ذلك هو المصلحة لتركيا بشكل خاص ومصلحة المنطقة بشكل عام من منظور هيئة تحرير الشام بتوافق تركي أيضا”.
ويلفت إلى أنه “من مصلحة تركيا تأزيم المنطقة واستمرار حالة الفوضى والفلتان الأمني، كي تستمر الحاجة لوجود القوات التركية والمؤسسات التركية، ما يسهم بتحقيق السياسة التركية في سوريا”.
من جانبه قال أسامة العلي، وهو ناشط إعلامي، لنورث برس، إن “تركيا لا يهمها أي فصيل على الأرض مهما كانت قوته ومهما كان مقرباً في ذات يوم منها ومصالحها فوق كل شيء”.
وعن تحالفات تحرير الشام مع الفصائل العسكرية شدد حيدر عمر وهو خبير عسكري، أن تحالف تحرير الشام مع العديد من الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني في شمال حلب “مبني على المصالح التي تصب جميعها لصالح تحرير الشام”.
وأشار “عمر”، في حديث لنورث برس، إلى أنه “عند سيطرت تحرير الشام على المنطقة أو انتهاء مصالحها مع تلك الفصائل، سوف تعود إليها وتنهيها كما أنهت الكثير منها في إدلب قبل سنوات من أجل تفردها بالحكم، إذ إن الجولاني يكره الشراكة خاصةً مع مثل تلك الفصائل”.
صراع المعابر
وتجسد المعابر الداخلية والخارجية شمالي سوريا مصدر تمويل رئيسي لفصائل المعارضة المسلحة، لخلوها من أي مصادر تمويل حقيقية، كما يتم استخدام هذه المعابر لأغراض سياسية أيضاً.
وشهد معبر الحمران الواصل بين منبج وجرابلس شرقي حلب، الصراع الأكبر بين فصائل محسوبة على هيئة تحرير الشام وفصائل تابعة للجيش الوطني الموالي لتركيا، لما له من أهمية بارزة اقتصادياً وسياسياً.
حسن حجار، إداري في مكتب التوجيه السياسي في الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني، في مدينة جرابلس قال: “تخلو مناطق سيطرة المعارضة الأربعة، إدلب، نبع السلام، درع الفرات وغصن الزيتون، من أي مصادر تمويل حقيقية كالبترول والغاز والصناعات، مما يجعل المعابر الداخلية والخارجية المصدر الأول للتمويل”.
وأضاف “حجار”، لنورث برس: “رغم اتضاح رقعة السيطرة على المعابر في عموم مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام، إلا أن الصراع الأكبر والمستدام لازال حول المعبر الأثمن والاستراتيجي، معبر الحمران، الذي يشكل معبراً للبترول والتجارة والصناعة والزراعة وغيرها، حيث يبلغ متوسط الرصيد اليومي للمعبر، في حالات التشغيل الكامل من 500 إلى مليون دولار”.
وبسبب هذه الأهمية هيمنت تحرير الشام منذ مطلع العام الحالي، عبر فصيلي تجمع الشهباء وأحرار عولان على معبر الحمران بعد اشتباكات دامية تجددت مرة أخرى خلال أيلول الماضي، بعد محاولة الجيش الوطني إنهاء سيطرة تحرير الشام على المعبر”.
وتعكس هذه الاشتباكات والصراعات العسكرية بين الفصائل، والسياسية بين حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، تعكس مدى أهمية معبر الحمران وتأثيره على القرارات السياسية في مناطق الشمال السوري باعتباره الشريان الاقتصادي الأكبر، حيث يتحكم المسيطر عليه بكميات البترول المغذية للمنطقة إضافة لتحكمه بحركة التجارة نحو مناطق شمال شرقي سوريا.
ويلمح الخبير العسكري أحمد رحال، في تصريح سابق لنورث برس، إلى وجود “مشروع سياسي”، يهدف “لإيجاد مكان بديل عن إدلب، التي من الممكن أن تسلم للنظام، أو منطقة حكم ذاتي”.
ويبدو أن “الجولاني يشعر بأن إدلب ليست أرضاً مستقرة وهو يبحث عن بديل”، بحسب رحال.
ويرى أبو الحسن الشامي، وهو أحد القيادات الأمنية في فصيل أحرار عولان، المسيطر على معبر الحمران، أنه من المسلمات أن المسيطر اليوم على المعبر “يعتبر صاحب القرار الأكثر فاعلية اقتصادياً وسياسياً في المنطقة”.
وتضم مناطق الشمال، 3 معابر داخلية رئيسية وهي، معبر الغزاوية ومعبر ديربلوط، تفصل بين مناطق الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام وهي تحت سيطرة الأخيرة، أما المعبر الثالث وهو صاحب الصراعات المستمرة، معبر الحمران الذي يصل بين مناطق سيطرة الفصائل في (درع الفرات)، والجيش الوطني شمال حلب.
إيرادات
وقال الناشط الحقوقي، عدنان الحمصي، المقيم في مدينة أعزاز، إنه “بحسب الدراسات المالية الخاصة بالحكومة السورية الموقتة، فإن إجمالي المعابر الداخلية والخارجية الخاضعة لنفوذ الحكومة المؤقتة تبلغ نحو 1.7مليون دولار يومياً وتلك المعابر هي: معبر باب السلامة والراعي وجرابلس وتل أبيض ورأس العين”، وهي معابر خارجية مع تركيا”.
أما المعابر الداخلية من جهة الغزاوية وديربلوط، “فلا تتجاوز ال150 ألف دولار يومياً تقابلها 300 ألف دولار لصالح هيئة تحرير الشام، في حين إيرادات معبر الحمران تقسم 50% لصالح الحكومة المؤقتة و50% لصالح تحرير الشام بحسب تفاهمات اتفق عليها في آذار الماضي بعد سيطرة تحرير الشام عليه”، بحسب الحمصي.
بينما معبر باب الهوى تتجاوز إيراداته اليومية ال800 ألف دولار وتعود كلها لصالح تحرير الشام.