“انتهيت من تجهيز منزلي ونزحت”.. أمل العودة لسري كانيه يتجدد ولا يموت
سامر ياسين – الحسكة
يجلس رضوان، عصر كل يوم أمام خيمته الواقعة بمخيم واشوكاني بريف الحسكة، هو وزوجته ويبدأ بعزف الموسيقى مستعملاً بزقه، بألحان تذكره دائماً بقريته التي لم يرها منذ أربع سنوات مضت.
رضوان داوود نوحي (53 عاماً) نزح وعائلته من قرية (أم شعيفة) الواقعة بين مدينتي سري كانيه وتل تمر، عقب اجتياح القوات التركية والفصائل الموالية لها للمنطقة ودخولهم لقريته، ولجأ إلى مناطق وقرى عدة متأملاً العودة بأسرع وقت، لكن انتهى به الحال في خيمة بمخيم واشوكاني للنازحين في ريف الحسكة.
وشنت القوات التركية برفقة فصائل المعارضة المسلحة الموالية له، في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019، هجوماً واسعاً على مدينتي سري كانيه وتل أبيض، شمالي سوريا، أدى لنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، وفق تقارير حقوقية.

وتسببت هذه العملية، في شتات سكان سري كانيه بين مدن الجزيرة السورية، بينما يقبع عشرات الآلاف منهم ضمن مخيمات في ريف الحسكة، وسط ظروف معيشية صعبة.
يستذكر “نوحي” في حديث لنورث برس، حياته في قريته قبل الخروج منها، “الحياة في القرية كانت جميلة جداً، كان الجميع يعمل في مجاله، وكنا كلنا أقارب ومعارف وأصدقاء، نعيش حياتنا بكل بساطة”.
وطوال ثمانية أعوام، قبل النزوح، كان “نوحي”، يسكن مع عائلته في منزله الذي لم يكن مجهزاً بشكل كامل، فقد كان الرجل يكمل إعمار منزله بحسب قدرته المادية.
ويعمل الرجل في الزراعة وتربية المواشي، والعام الأخير، قبل نزوحه، كان موسم الحصاد “جيد جداً”، وتمكن “نوحي”، من إكمال تجهيزات منزله وشراء سيارة، “لكن لم أسكن في بيتي كثيراً وخرجت منه في نفس العام بسبب الهجمة التركية”.
التمسّك بالأرض
ورغم القصف والاشتباكات التي دارت حينها، حاول الرجل قدر المستطاع عدم الخروج من القرية، إلى أن وصلت الفصائل لها “اضطررت حينها للخروج منها مع عائلتي، ولجأت إلى قرية (هسكي) القريبة من قريتنا”.
جلست هناك مدة تقارب العام، وبعودة صاحب المنزل اضطررت للخروج منه”.
وسكن “نوحي”، مع عائلته في منزل يعود لأحد أقاربه لفترة 15 يوماً، وفي هذه الفترة “كنت بشكل يومي أذهب إلى مكان قريب من القرية لأنظر لها وأراها منذ الصباح الباكر وحتى الغروب”.
ثم انتقلت العائلة إلى أحد أقاربهم في قرية (المشيرفة) بريف بلدة أبو راسين، “جلست هناك مدة تقارب العام، وبعودة صاحب المنزل اضطررت للخروج منه”.
وفي نفس القرية كان هناك غرفة واحدة غير جاهزة للسكن، “قمت وزوجتي بإصلاحها وترميمها لمدة أكثر من شهر، ومن ثم سكنّا فيها لمدة تقارب العامين، قبل أن يعود صاحبها أيضاً ويطلب مني الخروج منها”.
وبعدها وجد “نوحي”، نفسه مضطراً لتقديم طلب للقدوم إلى مخيم واشوكاني والحصول على خيمة فيه، “ووصل بي الحال إلى ما أنا عليه الآن”.
“لم أبتعد عنها”
ويقول “نوحي”: “لم أبتعد عن تلك القرى وألجأ لمكان بعيد كالمخيم إلا مضطراً، فكنت أفضّل البقاء بالقرب من القرية، التي ما زلت بين الفترة والأخرى أذهب لتلك المنطقة لأنظر إليها وأسترجع كل الذكريات الجميلة فيها، رغم أنها شبه مدمرة الآن، وقاموا بقطع أشجارها وتخريب منازلها، ولكن مكان ولادتي والقرية التي عشت حياتي فيها تبقى جميلة في نظري دائماً”.
“كلما ننظر إليها من بعيد تغصنا الحسرة والألم، ونشتاق للعودة لها بشكل دائم، فهي المكان الذي عشنا فيه حياتنا بحلوها ومرها، وربينا الأولاد، وأسسنا حياتنا على أمل أن نكملها في منزلنا هناك”.
ويضيف: “إحساس صعب جداً، أن تنظر إلى قريتك وتراها بعينيك، ولا تستطيع الذهاب إليها، أو الوصول لها، بسبب وجود هؤلاء الأعداء فيها. هجّرنا قسراً من قريتنا، ولا نستطيع العودة لها، مع كل ذلك، يوم بيوم نتابع الأخبار ونسأل عن أوضاع المنطقة، ونتأمل العودة للقرية، بالرغم من كل هذا الدمار والخراب الذي حل بها، ولكن يوماً ما سنعود ونسكن بها حتى لو كان بخيمة هناك”.
وتعاني عزيزة عيسى، وهي زوجة “نوحي”، ألم الفراق والبعد عن القرية، وتقول لنورث برس: “كلما ننظر إليها من بعيد تغصنا الحسرة والألم، ونشتاق للعودة لها بشكل دائم، فهي المكان الذي عشنا فيه حياتنا بحلوها ومرها، وربينا الأولاد، وأسسنا حياتنا على أمل أن نكملها في منزلنا هناك”.
وبحسرة تقول: “لكن الآن ننظر لها ولمنزلنا، ونراه أمام أعيننا ولا نستطيع الوصول له، هذا هو الإحساس المؤلم كثيراً”.
وتضيف: “أملنا بالعودة لن ينتهي، فكل كلمة أو خبر يتحدث عن المنطقة أو عن قريتنا، نكون منصتين له دائماً، وننتظر بفارغ الصبر إيجاد حل لهذه القضية، لكي نعود إلى موطننا الأصلي”.