هل تدخل سوريا إلى حرب فلسطين وإسرائيل؟

ليلى الغريب ـ دمشق

تثير التطورات المتلاحقة وغير المسبوقة منذ العملية التي بدأتها حركة “حماس” ضد إسرائيل، أسئلة تطرح للمرة الأولى منذ سنوات، ومنها ما يتعلق بجبهة سوريا التي بقيت “هادئة” نسبياً طوال العقود الماضية.

لأول مرة في تاريخها تخسر “إسرائيل” ذلك العدد من جنودها في يوم واحد، وتشهد “اقتحاما” إلى داخل حدودها.

ورغم نفي إيران، وعدم صدور تعليق من سوريا، إلا أن جميع المؤشرات تقول إن “عملية” بذلك الحجم لا يمكن أن تشنها حماس دون تنسيق مع إيران الداعم الأساسي لها، وكذلك مع سوريا. والسؤال: هل تنجر سوريا إلى الحرب؟

لا يملك القرار

الصحفي السوري شعبان عبود، يقول لنورث برس، إنه “من المستبعد جداً أن تدخل أو تتدخل سوريا في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس للكثير من الأسباب أولها أن النظام في سوريا لديه تاريخ طويل من ضبط الحدود مع إسرائيل”.

ليس ذلك فحسب، “فالنظام ومنذ سنوات طويلة يتعرض لقصف مستمر من قبل الطائرات الإسرائيلية، لكنه لم يرد على أي منها بحجة انشغاله بقمع المعارضين له في الداخل”، بحسب “عبود”.

يضيف “عبود” أنه من ناحية أخرى، “يجب أن نعلم أن النظام غير مستعد للتورط في هذه الحرب لأن قواته خسرت الكثير من العتاد والسلاح والجنود خلال السنوات العشر الأخيرة في إطار حربه على معارضيه”.

وكذلك فإن “هذا النظام لا يملك الاستقلالية لاتخاذ مثل هذا القرار في ظل سيطرة وتحكم روسيا وإيران، وفي ظل وجود قواتهما على الكثير من المواقع في سوريا”.

ويشير “عبود” إلى أن “التجارب علمتنا أن النظام السوري يعتمد في سياسته على الاستفادة من التنظيمات الحليفة له ويتكل عليها، ويجعلها تدخل في صراعات ومعارك بالنيابة عنه لكن ليس أن يقوم بمعارك بالنيابة عنها ووفقا لأجندتها، هو ينظر إليها كأدوات تعمل لصالحه لكن لن يقبل أن يتحول لأداة في يدها وخدمة لأجنداتها”.

مسألة صعبة

الكاتب والباحث السياسي حسين عمر، يقول إن انجرار سوريا إلى حرب أخرى “مسألة صعبة”، وأنه من المستبعد دخول إيران في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل بشكل مباشر، ويضيف أن أي انخراط إيراني لن يكون لصالحها، إيران تطلق الشعارات كثيراً وتصرح كثيراً “ولكنها لن تقوم بعمل من المؤكد أنه سيؤدي إلى تقويض مكانتها الإقليمية وإضعاف نفوذها في سوريا ولبنان وحتى العراق بسبب التداخل بين وجودها العسكري ووجود أمريكا العسكري وكذلك الهيمنة الأمريكية”.

وبالمقابل فإن أمريكا لا ترغب في فتح جبهة مع إيران بسبب عوامل عدة أهمها تشعب القاعدة الجماهيرية لإيران، وإذا أخذنا هذه العوامل التي تمنع الطرفين في تصعيد الموقف، وخاصة إيران في هكذا حرب “ستفقد الكثير من قواعد ارتكازها ولن تغامر بسبب ذلك في أية مواجهة مباشرة مع إسرائيل وبالتالي أمريكا”.

وهذا الأمر “ينطبق على النظام السوري أكثر فهو في حرب مستمرة منذ عقد وأي خلل في الموازين الموجودة في المنطقة لن يكون لصالحه حتى ولو كان الداعم إيران”.

العامل الآخر الذي يمنع “النظام” من الدخول في المواجهة مع إسرائيل هو أنه “إذا حصل أي خلل في المعادلة الحالية سيكون النظام هو الخاسر الأكبر بسبب الجغرافيا”.

ويختتم عمر بالقول: “باختصار، لا أعتقد بأن النظام سيتورط في مواجهة غير متكافئة وهو بالأساس محاصر من أكثر من جهة، سيبقى يرفع الشعار ويحاول إبعاد شبح الحرب حتى ولو أرادت إيران”.

مستلبة القرار

ويعتقد الصحفي السوري في ألمانيا ثامر قرقوط، أنه لا رغبة لدى سوريا وغيرها من الأنظمة العربية في المشاركة بالحرب ضد إسرائيل، ويجزم أن “هكذا أنظمة ضعيفة، مُستلَّبة القرار، تستمر بفضل الدعم الخارجي الأجنبي لها”.

ويضيف “قرقوط” لنورث برس، أنها “لاتضع على أجنداتها إطلاقاً أي خطة أو هدف يصب في شن الحرب ضد الكيان الصهيوني لتحرير الأراضي المحتلة، على الرغم من إعلان حالة العداء معه”.

وأن أكثر ما تذهب إليه هذه الأنظمة هو “حرب وسائل الإعلام، ونضال البيانات السياسية الجوفاء، والتراشق الكلامي، وتبادل التهم”.

ويشير قرقوط إلى أن “الفرصة سنحت للنظام السوري غير مرة للرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضيه، ويعلم الجميع أن إسرائيل تعتدي على المنشآت السورية بشكل أسبوعي تقريباً، دون أن تحرك دمشق سوى بيانها العسكري المعتاد، والذي تذكر فيه توقيت العدوان ومحاولة التصدي له والخسائر الناجمة”.

ولابد من التأكيد أنه وفقاً للقانون الدولي يحق لكل دولة رد أي عدوان عليها، كما أن الرأي العام يصطف خلف المُعتَّدى عليه، “لكن النظام السوري منذ أكثر من عقد لم يستثمر حقه بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية بل إنه استثمر هكذا اعتداءات، وبات يتعامل معها بلا مبالاة، إذ لا تظاهرات مناهضة ولا بيانات رافضة. وحتى ولو ادعت إسرائيل أنها تقصف أهدافاً إيرانية، فالعدوان ينفذ على أرض سورية، وبالتالي هي الدولة المعنية في حماية أرضها”.

رفعت يدها

وقال قرقوط إنه منذ عقود أوكلت سوريا مهمة تحرير أراضيها المحتلة أي الجولان إلى المقاومة الشعبية، بمعنى أنها رفعت يدها عن شعار تحرير أراضيها المحتلة من خلال جيشها. ومنذ حرب التحرير في تشرين أول ١٩٧٣ مازالت جبهة المواجهة السورية – الإسرائيلية جبهة هادئة تماما، بل إن الحدود محكمة السيطرة من قبل الجانبين.

خمسون عاماً من الهدوء التام في تلك الجبهة، “صدأت الآلة العسكرية التي أُنفق عليها مئات مليارات الدولارات دون جدوى، وكان الأحرى مصارحة الشعب بأن لا رغبة ولا إمكانية لحرب قادمة مع إسرائيل”.

عسكرياً “يعد النظام حالياً في أضعف مراحله، عقب ١٢ سنة عجاف من الحرب الداخلية والاقتتال المحلي لإخماد الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في ٢٠١١، وهو إذ لا يستطيع الرد على العدوان، فلن يكون بمقدوره شن حرب تحرير لأراضيه، أو مساندة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة صهيونية وحشية ممنهجة”.

كما أن إيران لا ترغب في شن حرب علنية تقودها الجيوش النظامية، فلديها أدوات أخرى كحزب الله اللبناني وحركة حماس اللذان ينفذان أجندات طهران السياسية والأيديولوجية في المنطقة، بتسهيلات من “النظام السوري” الذي يقيم تحالفاً مع إيران منذ 1978، بحسب “قرقوط”.

استخدام الأدوات

وشخصياً حسب قول قرقوط، لا يرى “نوايا إيران حقيقية في تحرير القدس وفلسطين، فهي تحارب على جبهات أخرى كسوريا واليمن وقبل ذلك العراق، دون أن تشارك في حرب مباشرة ضد إسرائيل، بل حاولت على الدوام اتباع أسلوب استخدام الأدوات وتشغيل بعض المنظمات التي تمولها”.

ويشير إلى أن إيران ليست عدوة لإسرائيل، بل هي تبحث عن مناطق نفوذ، وتستخدم فائض القوة لديها من أجل ذلك، ولن تحرم نفسها من عدو وهمي، تحاربه بشكل لا يؤدي إطلاقاً للقضاء عليه أو عقد صلح معه، وحالة العداء المزعومة إيرانيا ضد إسرائيل يفضحها المشروع الديني لكليهما، ودورهما في إبقاء منطقة الشرق الأوسط مشتعلة لضمان استمراريتهما”.

إن القضية في جوهرها “ليست انجراراً للحرب، بقدر ما هي تنفيذاً للشعارات التي طرحها النظام السوري منذ عقود طويلة ولم يلتزم بها، ولم يسعى بشكل جاد لتحرير الجولان السوري المحتل، كما تقتضي المصلحة العربية أن تهدد دول الطوق العربي إسرائيل وتخفف من العبء الثقيل الذي يعاني منه قطاع غزة والذي تزجه حماس بين الفينة والأخرى في مغامرات غير محسوبة العواقب، وهدفها الواضح خدمة مشغلها الأساسي إيران”، حسب “قرقوط”.

والتي تتحكم حاليا بمصير عدد من العواصم العربية ومن أبرزها دمشق، حيث “بات جلياً أن طهران هي التي تخطط لهذه الحروب، وهي التي تأمر الدول المرتمية في حضنها بأن تتدخل أو تقف إلى الحياد، لذلك فإن قرار المشاركة السورية بهذه الحرب ليس وطنياً خالصاً، ومن انتظر كل هذه السنوات دون أن يطلق رصاصة على الجبهة الأهم بالنسبة له ولم يسمح لمواطن أن يرمي حجراً على الدوريات الإسرائيلية التي تتحرك على طول خط فصل القوات، لن يتحرك اليوم وهو يعاني الضعف، وأنظاره متجهة إلى قمع الاحتجاجات السلمية في مدنه”.

لا رغبة بالحرب

ولابد من التأكيد أنه دولياً “لا رغبة في إشعال حرب في الشرق الأوسط حالياً، وسعت الدول ذات النفوذ إلى تطويق أي محاولة لتوسيع رقعة الحرب، لتتجاوز قطاع غزة، بل عمل المجتمع الدولي على حصر المعركة بين إسرائيل وحماس فقط، ويفهم من رسو البارجة الأمريكية في المتوسط أنه من غير المسموح لدولة التدخل في الحرب، ريثما تلقن إسرائيل حماس الدرس المعتاد”.

إن كل المعطيات الداخلية والعربية والاقليمية والدولية، تؤكد أن المنطقة الأسخن في العالم “لن تذهب إلى حرب جيوش نظامية، بل لعرقلة قطار التطبيع الخليجي ـ الإسرائيلي وبالذات السعودي، ومحافظة القوى النافذة في المنطقة على مواقعها”، حسبما يختم الصحفي قرقوط.

تحرير: تيسير محمد