على الرغم من أن سوريا قد تكون من الناحية الظاهرية دولةً، إلا أنها ليست بالضرورة سيادية. وعلى الرغم من أن الرئيس بشار الأسد تمكن من تكبيد خصومه هزائم كثيرة، وتجويعهم، وعزلهم حتى الاستسلام بفضل المساعدة الجدية من روسيا وإيران، إلا أنه لا يزال لا يمتلك السيطرة الكاملة على بلاده. بعد ثلاثة عشر عاماً من بدء الحرب الأهلية، تظل سوريا تحت وطأة التدخل الأجنبي.
تقوم إسرائيل بتنفيذ ضربات جوية ضد المرافق العسكرية الإيرانية وحمولة الأسلحة المتجهة إلى حزب الله، وكذلك تحتفظ الولايات المتحدة بـتسعمئة جندي في شمال شرقي البلاد، وكما أن الطائرات الروسية تقوم أحياناً بقصف الفصائل المرتبطة بالجهاديين في الشمال الغربي، وأيضاً بدأت الأردن بضرب مصانع المخدرات بالقرب من الحدود الأردنية السورية، وقد يكون لدى تركيا ما يصل إلى عشرة آلاف جندي في سوريا.
تأمر إسرائيل بحصار كامل لقطاع غزة عقب الهجوم “الإرهابي” غير المسبوق لحركة حماس
تتصادم هذه القوات الأجنبية في بعض الأحيان حتى لو كانوا حلفاءً في معاهداتهم.
في يوم الخميس، قررت الولايات المتحدة استخدام مقاتلة F-16 لإسقاط طائرة مسيرة تركية مسلحة كانت تقترب بشكل خطير من مواقع القوات الأمريكية في شمالي سوريا. وقد تم اعتبار التهديد قوياً بما يكفي لجعل جنود الولايات المتحدة يلجؤون إلى ملاجئهم. لم يكن إسقاط الطائرة خياراً أولياً رغبت فيه وزارة الدفاع. ووفقاً لمسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الولايات المتحدة حاولت الاتصال بنظرائها في الجيش التركي 12 مرة، ولكن كانت الطائرة ما زالت تعمل في المنطقة المحظورة. كانت المواجهة بأكملها حادثاً لا يسر، وفقاً للناطق باسم وزارة الدفاع باتريك رايدر الذي أخبر المراسلين صبيحة اليوم الذي تلا المواجهة. اتصل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن والرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة، الجنرال سي. كيو. براون، بزملائهم الأتراك على وجه السرعة لتجنب أي مشكلة.
بقولهم: ليس هناك أذى، لذلك لا يوجد خطأ. أليس كذلك؟
بالتأكيد، يأمل المسؤولون الدفاعيون الأمريكيون والأتراك في ذلك. وفي الواقع، كان الأمل أن يتعلم الجانبان من هذا الحادث الفردي وأن يتم تكييف خططهم وإجراءاتهم وفقاً لذلك. فتركيا والولايات المتحدة هما، في النهاية حلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والقول بأن حدوث إطلاق نار بين قوتين تابعتين لحلف واحد على أصول عسكرية لبعضهما البعض يعتبر أمراً محرجاً للغاية في هذا القرن.
ولكن الحقيقة هي أن هذه ليست المرة الأولى التي تتصادم فيها القوات الأمريكية والتركية مع بعضها البعض. ففي الحادي عشر من تشرين الأول من عام 2019، أطلقت القوات التركية نيران المدفعية على مواقع أمريكية قرب كوباني، البلدة الصغيرة على الحدود السورية التركية التي أصبحت مشهورة في عام 2014 بعد أن صدَّ المقاتلون الأكراد هجوماً لتنظيم داعش. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية آنذاك إن تركيا كانت تدرك تماماً أن القوات الأمريكية تعمل في تلك المنطقة بشكل خاص، وبعض المسؤولين الأمريكيين شككوا حتى في أن العمل التركي كان محاولة متعمدة لطرد القوات الأمريكية من محيط المنطقة. كان الأتراك مشغولين في هجوم بري ضد القوات الكردية في ذلك الوقت.
في شهر نيسان من عام 2023، دخلت واشنطن وأنقرة في خلاف آخر، بينما لم يتم التنويه عنه على نطاق واسع في الصحافة الأمريكية. في ذلك الوقت، أكد مسؤولون عسكريون أمريكيون أن تركيا حاولت قتل مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، بضربة جوية باستخدام طائرة بدون طيار أثناء تحرك قافلته في إقليم كردستان العراق. كان هناك ثلاثة أمريكيين على ما يبدو في القافلة في وقت الهجوم، ولحسن الحظ فقد فشلت الضربة في أداء مهمتها.
منذ أن دمرت الولايات المتحدة المسيرة التركية، حاولت واشنطن وأنقرة قدر الإمكان تجاوز هذا الحادث. تزعم الولايات المتحدة وتركيا أنه قد تحسنت علاقات التواصل وبروتوكولات التفاوض في سوريا. لن يعرف أي منا إذا كان ذلك دقيقاً وحقيقياً حتى يصبح البلدان في حالة أخرى حيث يمكن أن يكون الاصطدام ممكناً إذا لم يكن وشيكاً في بعض الأحيان.
بأسف، فإن احتمال وقوع حادث آخر كبير للغاية طالما أن القوات الأمريكية متمركزة في سوريا. معظم وجود الولايات المتحدة في سوريا يستند إلى نفس المنطقة الشمالية الشرقية التي ضربتها تركيا بعشرات الضربات الجوية رداً على الهجوم الإرهابي الذي نفذه حزب العمال الكردستاني (PKK) في وزارة الداخلية التركية. تستهدف طائرات الحرب التركية نفس المقاتلين الأكراد الذين اعتمدت عليهم الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا ليس مفاجئاً كما قد يبدو، فلدى الولايات المتحدة وتركيا تعاريف مختلفة تماماً لما يعتبر إرهابياً، حيث يعتبر الأتراك جميع الفصائل الكردية المسلحة في سوريا امتداداً لحزب العمال الكردستاني وبالتالي أهدافاً مشروعة، بينما تميز الولايات المتحدة بين حزب العمال الكردستاني في تركيا والمقاتلين الأكراد في سوريا.
يحتاج المسؤولون الأمريكيون الجالسون في البيت الأبيض، وفي وزارة الخارجية، أو في وزارة الدفاع إلى طرح سؤال أساسي في مسألة مهمة: هل تستحق المخاطرة في حرب مع قوة أكبر، وحليف في معاهدة؟ وأي فوائد لمكافحة الإرهاب التي يقدمها وجود قوات على الأرض في سوريا للولايات المتحدة؟ يجب أن يكون الجواب واضحاً في هذه المسألة وهو لا.